ما قبل السّرد/للمجموعة القصصية: “ظلّ طيف” للقاصّة فاطمة الشيري

القاصة فاطمة الشيري

كتبت القاصة فاطمة الشيري:
“صدر لي يوم 18 ابريل 2019 من اسلايكي إخوان طنجة طباعة ونشر مجموعة قصص قصيرة جدا تحت عنوان “ظل طيف”. قام بتصميم لوحة الغلاف المبدع الفنان سائد ريان. أما مقدمة المجموعة كتبها الدكتور الفاضل مسلك ميمون المهتم والناقد المختص في هذا الجنس الأدبي: القصة القصيرة جدا.
لكم مقدمة الأضمومة تحت عنوان
ماقبل السرد.
مع الشكر الجزيل ووافر الامتنان للدكتور مسلك ميمون على هذا التقديم الدقيق فيما كتبته من نصوص. وممتنة له هذا العمل الراقي.”

** ** **


ما قبل السّرد :
إذا كانت الأشياء بأثرها تعرَف. فكذلك في مجال الإبداع القصصي، فإنّ مجموعة قصصية توضح رؤية القاص للفنّ الذي يزاوله، و مدى فهمه و استيعابه لخصائصه… و كمهتم و متابع لجنس القصّة القصيرة جداً . أجد متعة في اختلاف الفهم و الرّؤية، أو في مدى الاجتهاد قصد التمكن و الإتيان بالجديد. لأن ذلك يتيح الإحساسَ بالتّنوع و الاختلاف، و يبعد شبح النمطية و التكرار و الرّتابة ..
و هذا لا يعني الخروج عن المبادئ الأساسية، المتّفق عليها تنظيرياً و نقدياً، فالقاصّ يشتغل إبداعياً في إطار المُسلّمات العامّة، و لكن يتيح لنفسه فرصة الخلق و الإبداع في مجال اللّغة القصصية، و الأسلوب، و الرّؤية السّردية…
و ذاك ما يلمسه المتلقي في المجموعة القصصية الجديدة ” ظلّ طيف ” من جنس القصّة القصيرة جداً، للقاصّة فاطمة الشيري. لقد تقيّدت بما هو أساسيّ و عام قدر الإمكان. و لكن تركت لنفسها حرّية مسؤولة في التّعامل اللّغوي، و اقتناص اللّحظة الهاربة، واعتماد الرّمز اللّغوي بخاصّة، و الاستئناس بالتّناص .
فالنص القصصي في مجموعة ” ظل طيف” عبارة عن:

1 ــ لقطـــة :
لقطة، من لقطات اليومي و المعيش. و كأنّي بالقاصّة جائلة تحمل آلة تصوير، كلّما رأت ما يستحق التّوثيق، لكونه لافتاً، أو شاذاً، أو غريباً ، أو مختلفاً… إلا و التقطت اللّقطة كما هي. و تترك للآخر الرّأي، و التّعليق، و النّقد…و هذا ما تهدف إليه فنّية القصّ القصير. حقاً لم تلتزم بهذا في كلّ النّصوص، و بخاصّة في تلك التي وظّفت فيها التناص. إذ يشعر المتلقي بأنّ هناك فكرة صارخة، تعلن عن نفسها. إلاّ أن أغلب ما في المجموعة، يندرج في إطار اللّقطة القصصية بحياد كامل…

2 ـ لغة القصّ:
جاءت مقتضبة جداً، تعتمد الجمل الفعلية القصيرة، التي تتكون من فعل و فاعل و مفعول به : [ طوى القطار المسافة] ص/1 أو فعل وفاعل [ جفّ البحرُ ص/6] و كثير من الجمل يضمر فيها الفاعل [ تنقذ غريقا…] أو توظيف الضمير تجنباً للتكرار: [ لاكهما النّسيان] ص/2 و قد نجد الجملة قصيرة جداً.كالتي تأتي مضغوطة متجمعة في كلمة واحدة: [ تتأمله ص/5 أستأصله ص/9 …] و قد تكسر رتابة الجملة الفعلية و تصدرها فتأتي بشبه جملة متصدرة النص [ بين سراديب ذاتها تتسكع ص/2 ، بتودد يقترب منها ص/ 7 في نفس الجناح ص/ 39 ..] و قد يبدأ النص بجملة اسمية و إن كان ذلك قليلا بالنسبة للجمل الفعلية [المكان يشحذ الذهن.ص/27، الألغام لم تعد كافية لأبادتهم ص/56] وتكاد النصوص في معظمها تخلو من الرّوابط.

3 الرّمز اللّغوي:
و نعني به الطاقة التعبيرية الهائلة الموجودة في التّعبير و النسق اللّغوي ، و بخاصةّ في صوره البلاغية من مجاز، و استعارة… و ما ينبثق عنها من دلالة رمزية شائقة، تدعو للتّأمّل و التّدبّر و التّخييل…
فالقاصّة فاطمة الشيري لم تهتم في مجموعتها بما يستهوي البعض من رموز إغريقية ، أو رومانية، أو فرعونية، أو أشورية ،أو بابلية … عدا ذكر ” شهريار و شهرزاد ” في نص : ” تطور” ص/83 فيما عدا ذلك ، جعلت رمزيتها النصّية تتبلور في نطاق لغويّ يسهل تأويله و فهمه بدون عناء، و بخاصّة لكلّ ملم بصنوف التّعبير، و ضروب البلاغة. فالقاصّة استعانت برمزية التّعبير، وعلامة التّركيب، و التي هي علامة لسانية. ذات حمولة فكرية ثقافية فنّية تصورية… في إطار الدّال و المدلول. الشيء الذي ينجم عنه التمثل الذّهنيّ، و الاستيحاء و التّخيل…و بذلك لا يخرج الرّمز عن دائرة العلامات الدّالة. باعتباره يشترك و ما يرمز إليه في خاصية معينة.

4 ــ التناص :

التناص (intertextualité) في المجموعة، أو جملة الاقتباسات كلّ ذلك لم يأت حِلية، أو عرَضاً، بل وظفته القاصّة لبناء النّص، و دعم فكرته، و ما تنوع ذلك من عدّة حقول دلالية، و موضيع مختلفة إلا دليل سعة المثاقفة التي تخدم أبعاد الحكي، و تفسح المجال للتّأويل الأنسب، و القراءة المجدية التي تتيح عمق الاطلاع، و فسحة الاستقراء و الاستنباط .. و من ذلك :
ــ من القرأن الكريم :وهنت العظام ص/7 و..المعصرات ص/50 و..تذروه الرياح ص/51 ليل جعله الله لباسا ص/51 و..إن غدا لناظره قريب.ص/64 و.. المال و البنون ص/85 ــ ــ من الحديث الشريف:خذ الجنة من تحت قدمي ص/90 إشارة “الجنة تحت أقدام الأمهات”
ــ من الشريعة: فرض كفاية ص/28
ــ من الأثر : كلّ يغني على ليلاه ص/13 و .. انقلب السّحر على السّاحر ص/26 و.. أيصلح العطّار ما أفسده الدّهر ص/ 93 و ..اختلط الحابل بالنابل ص/69
ــ من الأسطورة : بغلة القبور ص/81
ــ من الشعر: سقط القناع، قصيدة لمحمود درويش. و يا مسهرني زجل أحمد رامي/أم كلثوم المعاملات التجارية : انتهاء الصّلاحية .

5 ــ التّبئير:

التبئير (Focalisation) إذا كان المراد به جعل العنصرأو المكوّن بؤرة في الكلام
((Focus كما هو متعارف عليه فإنّ التّبئير في مجموعة :”ظل طيف”، يدخل في إطار التّبئير الخارجيّ، أي سرد الوقائع كما تبدو للسّارد الخارجي، بحيث هيمن ضمير الغائب في الحكي، و انعدم وجود التّبئير الدّاخلي ، أو تبئير الصّفر. و بذلك تدخل النّصوص في إطار القصّ الموضوعيّ (0bgectif) إذ يعايش المتلقي الحدث من خلال تصرف الشّخصية أو الشّخصيات، التي لم يُمكّنه السّارد من معرفة مشاعرها أو رغباتها أو نفسيتها..إنّما أفعالها تترجم المَسكوت عنه، أو تثير ذهنية المتلقي و تحْمِلها على التّخييل… فالشّخصية مصدر البؤرة .بمعنى أنّ السّارد يلعب دوراً محايداً كما هو في جميع النّصوص الواقعية. و معرفته أقلّ من معرفة الشّخصية التي يَحكي عنها، فهو أقرب من الملاحظ منه من الشّاهد أو العالم بذات الأمر. الشّيء الذي جعل نصوص المجموعة ذات نسق تشويقي يغري بالقراءة.

القاصّة فاطمة الشيري، في كلّ كتابتها القصيرة، تحاول أن تلامس الواقع بالإشارة، لا أن تفصّل القول بفائض الكلام.و كأنّي بها تحترم ذكاء المتلقي، فتلزم ساردها بالحياد،و الاكتفاء بإيماءات قابلة للتّأويل، مُفسحة المجال لتعدّد القراءات، و تنوع الفهم. و ما مجموعتها الجديدة
” ظل طيف”إلا لمحة فنية تشهد على ذلك، و تتيح القراءة الممتعة، في نسق التّخييل و التّدبير، والتّأمّل والتّفكير..
د مسلك ميمون / أكادير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.