ـ قراءة لـ (ق ق ج ) ” آل فرعون ” للقاصة غفران سليمان كوسا / سورية


القاصة السورية غفران سليمان كوسا
سفيرة السلام والحريّة عالميا من قبل هيئة الصداقة الدولية

       ــ قراءة لـ (ق ق ج ) ” آل فرعون ” للقاصة  غفران سليمان كوسا / سورية

القاصة السورية غفران سليمان كوسا


    إنّ أحداث سورية المأساوية طوال سبع سنوات أو تزيد، أفرزت لواحق و تبعات في مختلف المجالات. ففي السّرد، و القصّة القصيرة جداً بخاصّة ، أينعت نصوص ، و أزهرت، و امْتلكت قيمة فيما أدّت و عبَّرت. منها نص “أل فرعون” للقاصّة السورية غفران سليمان كوسا. نص يعود لسنة 2015 حيث كانت الأحداث قد تفاقمت بشكل مريب.واختلط الحابل بالنّابل، فضاعت الصّورة الواضحة في خضم قتام الحرب…  

1 ــ النّص:  آل فرعون
لم تنجب إلا عمرو، ارتحل وأصدقاؤه إلى السماء.أخذهم فقه يحلم بالحصول على تذكرة دخوله منتجع حوريات الجنة. تشيطنت الحرب، أصبحت مدينتهم كومة ركام. ركبت مع زوجها على متن قارب الهجرة، لم يتحمل اللعين ثقل قصص رواده، هبط إلى قاع المحيط، ولم ينشق البحر.!!

2 ــ النّص يتكون من سبعة مقاطع و ثلاث و أربعين كلمة:

2/1 [لم تنجب إلا عمرو،  ] جملة خبرية، يطلعنا من خلالها السّارد العليم / المهيمن، أنّ البطلة/الزّوجة لم ترزق إلا ابنها الوحيد :عمرو.
2/2 [ارتحل وأصدقاؤه إلى السّماء.أخذهم فقه يحلم بالحصول على تذكرة دخوله منتجع حوريات الجنة. ] المقطع الثّاني اهتم بالابن عمرو، الذي استشهد و أصدقاؤه في المدرسة/في الحي .. بسبب فتوى فقه ظلامي يَعد أتباعه بالجنّة حيث منتجع الحوريات. و في ذلك تلميح للمذاهب المتطرفة الضّالة، واعتناقها من طرف الشباب المغرر بهم.
2/3 [تشيطنت الحرب] الصّراع الذي كان داخلياً، أهلياً ، حول أمور وقضيا ذات بُعد محلي و وطني، سرعان ما تشظى ، و كثرت التّدخلات، و اختلط ما لا يقبل الخلط ، فلم تعد القضية بين سلطة و معارضة، بل اكتست بُعداً دولياً..
2/4 [ أصبحت مدينتهم كومة ركام ] ذاك ما آلت إليه معظم مدن سورية، دُمّرت المباني: مؤسسات، و دور عبادة، و مساكن.. بسبب القصف و القصف المُضاد ، و بخاصّة، حين تكالبتْ قوى الشّر وِفْق ( أجندة) الدّمار الشّامل…
2/5 [ركبت مع زوجها على متن قارب الهجرة ] لذلك، في وضع غير آمن، و خوف مُستديم، و موت يَكمنُ في أيّ جانب.. قرّرت البطلة/الزّوجة أن تهجر رفقة زوجها على متن قارب عبر البحر، بعد أن ضاع الولد ، و انْدكّ المنزل، و لم يعد هناك ما يتطلّب البقاء…
2/6 [لم يتحمّل اللّعين ثقل قصص رواده، هبط إلى قاع المحيط ] المقطع السّادس أنهى سلسلة العذاب، إذ غرق القارب في المحيط بصورة مأساوية،وانطفأت  شعلة الأمل في الخروج من الوطن، و الهروب من أتون حرب ظالمة أتت على كلّ الأحلام و الأماني، و فتحت جراحاً لن تندمل بِسهولة، دون أنْ تخلّف آثاراً عميقة في الأجساد ، و النّفوس، و الذّكريات…
2/7 [ولم ينشق البحر.!! ] بمنعى لم يكتب الفراج المنشود. كما كان الشّأن لموسى و بني إسرائيل الذين خاضوا البحر و هو رهوا فانشق لهم طريق النّجاة، فنجوا.. و أطْبق الموجُ على أل فرعون فأغْرقوا.

2 ــ النّص فنيــاً:

2/1 ـ العنوان : “آل فرعون ” جملة اسمية ، آل :بمعنى: أقرباؤه وحاشيته وأتباعه. فرعون لقب: لملك مصر في التاريخ القديم ، وأصله بالمصرية [ َرْعو ] بغير نون ، ومعناه : البيتُ العظيم . و هو أيضاً لقب يُطلق على كلّ طاغٍ متمرّد.
و عموماً، و إن جاء العنوان تقريرياً و مباشراً. فإنّه في إطار معطيات النّص يُصبح إشْكالياً. لأنّ السّؤال الذي يتبادر إلى الذّهن : منْ همْ آل فرعون من خلال النّص؟
ــ هل أصحاب الفقه المُتطرف الذي قضى على عمرو و أصدقائه؟
ــ  أم  من شيطنوا الحرب، و ألّبوا على البلاد قوى خارجية؟
ــ أم من أدرم النّار بداية  فتسبب في هول الدّمار، و اللّجوء، و الاغتراب ،و الموت غرقاً ؟  
   أسئلة لا شكّ تستوقف القارئ.

2/2 النّص اعتمد ثلاث صور سردية، يجمعها هاجس الحرب و ما أفرزته من مآسٍ فظيعة :
(أ) ــ الصّورة الأولى : الإبن الوحيد عمرو، و أصدقاؤه ، و كيف ذهبوا ضحية فكر متطرف، يعتقد أنّه الحلّ و الخلاص. وأنّ أتباعه سيفوزون  برياض الجنان، و ما فيها من حور عين. إذ يصبحون  أداة جهلٍ و دمار، لا يرون الحياة إلا حرباً و خرابا، و سفكاً للدّماء.. في صورة من المغالطات، و الجهل بالقيم الإسلامية  النبيلة.
(ب) ــ الصّورة الثّانية ،شيطنة الحرب، إذ تشعّبت، و أصبحت أياد خارجية تخوض فيها، و تملي، و تسيّر، و تموّل… فبعد أن كان الخلاف بين السّلطة و المعارضة، أصبح كالتّنين برؤوس متعدّدة..و أصبحت المسألة رهينة التّدويل.. و في ذلك رمز لانعدام الحكمة، و عمى البَصر و البصيرة  إذ يُفسحُ المجالُ للتّدخلات الأجنبية، التي تزيدُ الطّين بلة . و تجعل الحلّ مُستعصياً كما هو الأن .
(ت) ــ الصّورة الثالثة،الإقدام على الهجرة، هروباً من وطنٍ مُشتعل، غير آمن. و في ذلك رمز للاجئين، ضحيا الفتنة الكبرى، الذين تاهوا بَرّاً، و غرقوا بحراً، في ظروف قاسية، مُلتمسين النّجاة بأنفسهم ،و صغارهم، تاركين كلّ مُمتلكاتهم، و ذكرياتهم و أحلامهم…و لكن الموتَ الذي فرّوا منه، كان مُلاقيهم إذ فتك بالكثير منهم.

2/3 فضلا عن الإشارات الرّمزية، ورد في ختام النّص، لمحة تناصية (Intertextuality)  و قصة موسى و بني إسرائيل و آل فرعون في سورة الشّعراء: (فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66)) فهذا يُقابله في النّص بصورة مختلفة [هبط إلى قاع المحيط، ولم ينشق البحر.!!]   فإن كان موسى عليه السّلام قد نجا و بني إسرائل حين انشقّ لهم البحر.ثمّ انطبق على فرعون و جنوده فكانوا من المغرقين. فإنّ النّص القصصي ينتهي بعبور بحري في قارب، و لكن لم يكن هناك بر نجاة. بل تعمّقت المأساة بغرق الهاربين من أتون الحرب.فالصورتان مختلفتان مضموناً. فإن كان في القصة القرآنية فراج و نجاة للمظلومين. فإنّه في النّص يقع العكس.لأنّ القارب إنّما هو رمز للوطن، فإذا غرق سيغرق الجميع.

2/ 4 لقد عمدت القاصّة غفران سليمان كوسا إلى توظيف السّارد العليم (Omniscient) ، يَعرف كلّ شيء، و يُخبر بكلّ شيء، ما ساعد على وضوح النّص .قد يدافع البعض على هذا النّوع من السّارد، الذي يكتسب مشروعية وجوده من الرّواية الكلاسيكية التي اشتهرت به . إلا أنّه أصبح قليل التّوظيف حتّى على مستوى القصّة القصيرة، و الرّواية نفسها. أمّا بالنّسبة للقصّة القصيرة جداً، فيُستحسنُ عدَم توظيفه. لما يتطلّبه جنس القصة  القصيرة جدا من تركيزٍ، و تلميح، و تأمّل، و تساؤل…

2/5  استعانت القاصّة بلغة المجاز، تجنباً للتّقريرية، واللّغة المعيارية، و رغبة في فسحة من التّخييل الفنّيّ، ومن ذلك [ارْتحل وأصدقاؤه إلى السّماء]،[أخذهم فقه يحلم ]،[منتجع حوريات الجنّة ]، [تشيطنت الحرب ]، [ثقل قصص رواده]..

2/6 اعتماد النّص الجمل الفعلية المنفية و الثّابتة . و هذا أصبح شائعاً في النّصوص القصيرة جداً :[لم تنجب..]، [لم يتحمل]، [ لم ينشق ]، [ ارتحل، أخذهم، يحلم، تشيطنت، أصبحت، ركبت،هبط ] ، و المسوغ هنا أنّ النّص يفترض الحركة ..إلا أنّه ينبغي التّذكير أنّ الجمل الفعلية ليست خاصية ثابتة، فكلّما تنوعت جمل النّص أبعدته عن الرتابة والنّمطية .. و فسحت المجال للمبدع ليفتنَّ في أسلوبه و تراكيبه، و صوره السّردية …
 
2/7 تعمّدت القاصّة غفران سليمان كوسا الصّفة السّلبية للشّخصيات: فالزّوجة لظروف ما، لم تنجب إلا طفلا واحداً.فلم تكن ولوداً. وابنها الوحيد عمرو سرعان ما لقي حتفه جرّاء أعمال التّطرف. الزّوج كقائد الأسرة و حاميها لا نجد له فعلاً يستحق الذكر، و الزّوجان  معا ، فشلا في أن يحافظا على بيتهما، و ممتلكاتهما، و فضلا الهروب، ثمّ الموت غرقاً .
وهو الإحساس العام الذي لفّ الوطن منذ اندلاع الحرب.

       نص ” آل فرعون ” رغم بساطته السّردية، إلا أنّهُ عامل إيقاظٍ للشّعور،  بما آلت إليه البلاد من أوضاع مؤسفة.يتحمّل تبعاتها الجميع كلّ حسبَ موقعه و مَسؤوليته .. حقّاً عقارب الزّمن لا تعود للوراء. ولكن ليس من المفيد إغفالُ ما يُمكن تداركه،  من أجل الحاضر و المُستقبل.. و من أجل هذا يَمتلك النّص قيمتهُ الموضوعية فضلاً عن لمحاته الفنّية…فهنيئاً للقاصّة غفران سليمان كوسا بهذا النّص المؤثّر الذي زاوجت فيه بين متعة السّرد، و طريقة البِناء و الأداء..


القاصة السورية غفران سليمان كوسا
المجموعة القصصية: “عيون تنتظر الفجر” / للقاصة غفران سليمان كوسا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.