احترف كتابة الرواية (1)

كنا قد أجرينا استفتاء بخصوص الطريقة الأفضل لتقديم دورة في كتابة الرواية، وكانت المُفاضلة بين تقديمها في صورة مقالات، أو في صورة ملفات فيديو
وجاء التصويت في صالح المقالات؛ وهذا أمر بديهي فالكاتب هو قارئ في المقام الأول، لو أنه غير قادر على القراءة فلن يكون قادر على الكتابة.
لكن الأصوب هو أن يتم تقديم هذه الدورة في صورة مقالات وملفات فيديو معاً حتى يستفيد منها أكبر عدد ممكن بحسب الطريقة الأفضل له.
لذا بداية من اليوم وأسبوعيا سيتم نشر مقال كمرحلة أولى، تُتبع بمرحلة ثانية وهي تحويل هذه الدورة إلى فيديو وكتاب.
وكلها مجانية بالطبع عسى أن يكتبها الله علم يُنتفع به
وجدير بالذكر أنها محمية بحقوق النشر، وبرخصة المشاع الإبداع، أي يجوز إعادة نشرها دون الرجوع إلينا شرط ذكر المصدر #دار_لوتس_للنشر_الحر
لنبدأ بسم الله الرحمن الرحيم.

مقدمة عامة
هذه الدورة هي دورة تطبيقية وليست نظرية فقط، بمعنى أننا سوف نتناول عملية كتابة الرواية تفصلا بمثال ونموذج حي، لذا إن تابعتها ففي نهايتها ستكون قد أنجزت رواية بإذن الله.
ولكن قبل بدء الدروس التطبيقية؛ هناك كلام نظري لابد من معرفته حتى تكون قدميك على أرض صلبة قبل خوض غمار هذا البحر المتلاطم.. بحر الرواية.
ولا مناص من تلك المقدمة النظرية مهما بدت مملة، فالله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه، وإتقان هذا العمل لا يمكن أن يتأتى دون هذه المقدمة والتي هي للأسف طويلة بعض الشيء لكنها من الأهمية بمكان، لدرجة أن هذه الدورة تم تقسيمها إلى قسمين رئيسيين هما؛ القسم النظري، والقسم التطبيقي.
إلى جانب قسم ثالث هو القسم العملي؛ وفيه سوف نتحدث عن طريقة كتابة الرواية وتنسيقها وإعدادها بشكل جيد، ومراحل النشر، والطباعة، والأمور الفنية المترتبة على ذلك.
مرة أخرى؛ لا تتجاهل المقدمة النظرية، لأن العلم معرفة وتطبيق وممارسة، احضر قلماً وكراس واكتب ما تتعلمه، ولا تكتفي بالمُطالعة فقط إن كنت تريد تعلم حرفية كتابة الرواية بالفعل.

بداية قد تبدو الرواية للوهلة الأولى عمل سهل، فكلنا نعرف كيف نحكي عن مواقف وأحداث تمر بحياتنا، وبالتالي من اليسير أن أكتب هذا الحكي باسترجاعه من الذاكرة وإضافة الخيال إليه.
على سبيل المثال؛ أستطيع أن أحكي قصة زواج أحمد بحبيبته منى، أو كيف قتل إبراهيم صديقه محمود، أو لماذا سرق أشرف جاره محسن.. وهكذا.
لكن من أهم مبادئ العمل الروائي بشكل عام هو (الحبكة الدرامية)
وماذا تعني الحبكة الدرامية؟
هي اللي شرحها أحد النقاد الكبار وهو ” إدوارد مورجان فورستر” بجملة بسيطة للغاية:
“إذا قولنا مات الملك، ثم ماتت الملكة؛ فهذه حكاية.
لكن إذا قلنا مات الملك ثم ماتت الملكة حزنا عليه؛ فهذه حبكة”
أي باختصار الحبكة هي الأسباب المؤدية للنتائج، ولابد أن تكون أسباب منطقية تؤدي لنتائج منطقية.
ولكن هل هناك فرق بين الحكاية والحبكة؟
بالطبع..
أحمد تزوج بحبيبته منى.
كيف تقابلا وأين؟ هل هم أقرباء؟ جيران؟ هل كانت هناك عقبات في سبيل إتمام زواجهما؟
هذه هي الحكاية.
ولماذا تزوج بها؟
لأنه يحبها.
وهذه هي الحبكة؛ فبسبب حبه لها تزوجها.
إبراهيم قتل صديقه محمود، ولا يُعقل أن يقتله هكذا دون سبب، إذ من المؤكد أن هناك سبب قوي جعله يُقدم على إتيان هذا الفعل.
ثأر قديم، خلاف على ميراث، صراع على صفة تجارية.
وربما قتله لأنه أكل طعامه فأراد أن ينتقم منه.
ولو أنك تظن أن تلك الجملة الأخيرة هي على سبيل الفكاهة والتندر؛ فظنك ليس في محله، ولكنها للفت انتباهك إلى أمر آخر مرتبط بالحبكة، وهو قوة الحبكة.
فليس من المنطقي أن يقتل شخص صديقه لأن هذا الصديق أكل طعامه، هذه حبكة ضعيفة جداً لا يباريها في الضعف سوى استخدام الصدفة مراراً وتكراراً لبناء الأحداث والهيكل الدرامي للرواية.
إن الحبكة تُبنى على بعضها بإحكام، أي لابد أن تكون هناك أسباب قوية تدفع الأحداث نحو مجراها المرسوم في خيال الكاتب، وكلما كانت الحبكة قوية ومعقدة، كانت الرواية متماسكة وعميقة.
أي كلما كانت الأسباب قوية ومتشابكة، كانت الرواية ثقيلة ومُقنعة.
ولك أن تأخذ على سبيل المثال روايات “أجاثا كريستي” لترى كيف كانت الحبكة فيها قوية ومعقدة لدرجة أنه ربما حدث في بداية الرواية يكون له تأثير ضخم على حدث آخر في نهاية الرواية.
حسناً، لقد أسهبنا في الحديث عن الحبكة وهذا ليس وقته، فسوف نتناولها بإذن الله بتفصيل أكثر، ولكن هذا الإسهاب هو لتبيان أهميتها الشديدة في العمل الروائي، وكيف أنها العمود الفقري الذي يحمل جسد الرواية، فإما أن يكون جسداً يافعاً قوياً، وإما أن يكون جسد هزيل ضعيف.
وإجمالاً يمكن القول بأن عملية كتابة الرواية ليست بالأمر السهل، وليست بالأمر المُعقد، هي فقط تحتاج معرفة، وترتيب أفكار؛ وهذا ما نقدمه لك.
أما الموهبة فهي منحة من الله لا يستطيع أحد تعليمها لأحد، لكن الخبر الجيد أن كل البشر رواة، وكل البشر شعراء، الفرق الوحيد أن هناك من يعلم، ويعلم أنه يعلم، ويملك الأدوات لتحول هذا العلم إلى عمل أدبي، وهناك غيره لا يعلم.
باختصار؛ كل إنسان يستطيع أن يكتب رواية، وأن يدرب خياله.
.
ونستكمل إن شاء الله في المحاضرة القادمة مع البداية الحقيقية لاحتراف فن كتابة الرواية بشكل صحيح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.