الردّ على ما ادّعاه الأستاذ أحمد الطانطوي

  أعتقد أن للنقد أخلاقيات، و معاملات. فبين الناقد و المبدع، ميثاق أخلاقي، أساسه التعاون و الاحترام، فإذا انتفت روح التعاون و قلّ الاحترام . لم يعد هناك نقد بنّاء ، بل يصبح الأمر شئا آخر مختلفا. قد يصل إلى الإهانة، و الحط من المكانة الأدبية و زرع الاحباط . أما حين يكون نقد النقد فالأمر يزداد تشدداً و حرصاً على فهم رؤية الآخر.ففضلا عن مبدأ التعاون و الاحترام .. الإيمان الرّاسخ أنّ لا أحد يملك الحقيقة الكاملة، و في هذا تواضع للعلم و طلبه، و تحفيز على استمرارية الاجتهاد الدّائم و باستمرار، كلّ في مجاله ،باعتبارهما رؤيتان مختلفتان: مدرسياً، و ابستمولوجياً، و تكوينياً … فضلا عن التّعدد الثقافي ( Multiculturalismel) و التداخل العلاقاتي (Interrelation) فهذا يحتم أنَّ الرّؤية النّقدية، و وجهة النّظر تكون حتما مختلفة و متباينة.بين الناقدين . و لكن الغريب رغم الاختلاف و التباين من حيث زاوية الرّؤية ، أو المنهجية المتّبعة.. فالآراء و الاجتهادات تصبّ في مصلحة النّص، أو تِبيان الحقيقة المُستهدفة.
     أقول هذا لأنّنا أحياناً نصادف آراء نقدية ليس من ورائها إلا استفزاز الآخر بالدّرجة الأولى. وكلّ ذلك بداعي البحث عن الحقيقة. فبئست الحقيقة إذا كانت بعملية تبخيس عمل الآخر جملة و تفصيلا، و ذلك بِلَيّ عباراته ، أو الإتيان بها مبتورة من سياقها، أو تقويلها بما ليس فيها من مَعنى..
***   ***   ***
الأستاذ حمد حجي كتب في صفحته على الفيسبوك التالي:
“إن كتابة القصّة القصيرة جدّا من الفنون المستعصية ابداعا وقراءة ..
ما من شك امتازت كتاباتها بالسّهل الممتنع، فمن حيث لابد ان نجيد اقتناص الفكرة، فعلينا بالان نفسه ان نبدع في ضرب فن الإدهاش ونبني الحكائية والقصصية على ادراك المفارقة واللجوء إلى إبراز تناقض ما وتعارض ما ،لاحداث تقاطب ما بين المنظومات الموضوعيّة و البنى الفنيّة التّي تشكّل المتن النصي لتعميق الإحساس بالظّاهرة سواء ادركها القاص او اقتنصها القارئ الحاذق ذلك ان الكثير من النّقاد ( نكر في هذا المضمار الناقد الموسوعي Ahmed Tantawy ود. ميمون مسلك والناقدة الجزائرية الصديقة الدكتورة مريم بغيبغ) أكّدوا على أنّ نجاح القصة القصيرة جدا متوقّف على انجاح هذه الخاصّية .. وحتى نكشف عنها لزاما علينا ان نبحث عن الشّكل الفني والموضوعي للمفارقة وما دلالاتها..؟  “

***   ***   ***
فانبرى الأستاذ أحمد الطنطاوي يجيب من خلال ناقدين مغربيين: جميل حمداوي و مسلك ميمون.حبذا لو استعرض الأفكار و حلّلها فقط من وجهة نظر صاحبيها بكلّ أمانة. بل هو يدّعي أنّه لم يفهمها لغرابتها وغموضها ..و بخاصّة ما يتعلّق بأفكاري و لكن هذا لم يمنعه من نقدها . فإنّ من الطبيعي أنّ الشيء الذي لا نفهمه، منطقياً نسأل عنه، أمّا أن ننتقده، و نحن نجهله و لا نفهمه  فهذا عين الغرابة و اللاّ منطق!

ــ مسألة تعريف جنس القصة القصيرة جدا كجنس مستحدث ..
1 ــ هو سرد قصصي.
2 ــ على خلاف القصة، و القصة القصيرة ، فهو قصير جداً.
فالذين نعتوا هذا الجنس بالقصّ ، و نعتوا هذا القصّ بأنّه قصير جداً.كانوا يدركون حقيقة الأمر، و يعون ما يقولون ..فلم  يفلسفوه، أو يسقطوا عليه ما ليس فيه. و ما دام الأستاذ أحمد الطنطاوي يقرّ بهذه النظرة و بأنّها كما يقول :(تكاد تكون نظرة سائدة بين الأساتذة النّقاد ) فهل نترك ما هو سائد، و شائع ، و معروف.. و نتشبث بالشّاذ ؟ رغم أنّ الشّاذ لا حكم عليه .
أمّا قول الأستاذ أحمد الطانطاوي:(القصة القصيرة جدًا بالتأكيد ليست مجرد تصغير فى الشكل إنّما هى نمط حداثى جديد فى فعل الكتابة أصطُلح على تسميته _ إلى الآن _ بمسمى { القصة القصيرة جدًا } نمط كتابى مغاير تمامًا أكثر اتساعًا و عمقًا و باطنية و فلسفة من ارتباط النسب بأنواع سبقته فى القص).
ــ و من يا ترى  يعارض هذا  حتى تثير النّقاش حوله ؟ الحجم وحده لا يحقّق القصّ ، و إنّما عناصر القصّ الأخرى متشابكة ،متداخلة ، منسجمة في نسق فنّي هي التي تحققه، و ما الحجم إلا الإطار الجامع ، و الشّكل الخارجي المباشر. فهل نحن في حاجة لنذكر بهذا؟ إنّ هذا من بدهيات عملية القصّ ، طال الحجم أو قصر..
و لكن دعنا نرى كيف يرى الأستاذ أحمد الطانطاوي  القصّة القصيرة جداً، يقول في تقديمه لمجموعة الأستاذة رجاء البقالي ” البعد الرّابع ” ( تعد القصّة القصيرة جدا أحد تجليات الحداثة، وأحد مظاهر ألغاز التّعبيرية السّردية بأجنحتها الثلاث: الشعرية، الحدس الاستشرافي، المشهدية.

ّعالم فيزيائي، معادلاته تتصل بعالم الاحتمالات والنسبية، وبالنتائج المدهشة لنظرية الكم.. عوالم موازية تدعو للانسلاخ من ظاهر الاعتيادية عبر إشارات تضع الحقائق بين أقواس في رحلة البحث عن اليقين كما فى المنهج الفينومينولوجي. )

أتساءل كمهتم بالسرديات منذ أربعة عقود، هل هذا الكلام يخصّ نصّاً سرديا هو القصة القصيرة جداً .أم ترى يخصّ نظرية علمية فلكية هندسية..؟ هل هذا الكلام نعتبره تعريفاً للقصة القصيرة جداً؟ فليس منه إلا القول: (تعد القصّة القصيرة جدا أحد تجليات الحداثة) أمّا الباقي مجاله مجال آخر، كالفلسفة و العلوم التّجريبية والسيبرنطيقا  (cybernetics )..

أمّا القول:(السردية بأجنحتها الثلاث: الشعرية، الحدس الاستشرافي، المشهدية) و التي يكررها الأستاذ أحمد الطنطاوي في كل كتابته كأنّها كشف جديد ، فهذه خصائص مشتركة، توجد في جميع الأجناس، بل نلمسها  في المسرح،و أفلام السينما و في الفن التّشكيليّ.. فلماذا يخصّ بها الأستاذ أحمد القصّة القصيرة جداً ؟ إنّه كمن يقول : “مرَّ من هنا إنسان بعينين.”
و هل هو وحده من يملك عينين ؟!
ها أنت ترى أستاذ أحمد أنّك تتحدث عن مجال، بمصطلحات إمّا لا تخصّه، و إمّا هي مشتركة بين أجناس مختلفة، و تريد عنوة أن تخصّ بها جِنساً بعينه .

أمّا قول الأستاذ أحمد الطنطاوي: (و أنا لا أعرف ما هو تصور أستاذنا الدكتور مسلك للومضة ؟) ثم يتدارك و يأتي بقولة لي حول الومضة و يعلّق بالتالي:(و هو كلام شديد الغموض _ ناهيك عما قيل أنّ القصة القصيرة جدًا هى اختزال و تكثيف مبالغ فيه للقصة القصيرة لذا نجدها تحمل جلّ ملامحها [ و هو ما لا نتفق معه فيه جملة و تفصيلا , فلا صلة على الإطلاق بين الجنسين فى تقديرنا] و لا أعرف كيف تكتفى الومضة (بعرض) الحدث و كيف هو مادة خام لا تعرف تطورًا و لا تحليلا ؟؟ )

ـ  ما دام الأستاذ أحمد الطانطاوي لم يعرف تصوّري للومضة ، رغم أنّه قرأ ما قلت عنها أوَّضّح ما هو واضح :
البعض يخلط بين القصة القصيرة و الومضة، و بخاصّة من يعتبرهما جنسين سرديين لأنني شخصياً اقتنعت بأنّ الومض خاصية فنّية نجدها في مختلف الأجناس السّردية، بل توجد في الشّعر أيضاً، و الشّعر الحديث مليء بالومض.
و لكن و للذين يكتبون الومضة و يعتبرونها قصّة . فهنا نقطة الخلاف. لأنّ القصّة القصيرة عملية تطور للحدث و الانتهاء بما أسميه “خَرجَة “، تحفظاً على مصطلح “القفلة” كمثال على ذلك: نجد في مجموعة رجاء البقالي” البعد الرابع” هذا النص:
توق

أهداهما كأسه ومضى..

تلكما النحلتان،

لو نبأتاه فقط،

ّكيف كان اللقاء.
الحدث في النص:” أهداهما كأسه ومضى..” و المهم ” أهداهما كأسه ” هل وقع تطور في أمر الهدية؟ ، هل قبلتا الهدية ؟ هل امتنعتا؟ هل؟ ..هل ؟ لا شيء و هذا ما أسميه الحدث الخام ، الذي لا يتطور . لأنّ ما جاء بعده لا يخصّه في شيء “تلكما النّحلتان، لو نبأتاه فقط كيف كان اللّقاء.”
إذا ، هذا النص يشكل ومضة. كالذي هو شائع الأن عند البعض.

نص آخر لنفس القاصة رجاء البقالي:

شهريار يحكي..

جلس شهريار عند قدمي شهرزاد.. أمسك بطرف ثوبها

الأخضر، يعبق بعطر لطالما سحره سِّحرَ حكاياها.. طبع قبلة

على يدها الباردة.. نظر إليها طويلا ثم قال مستمتع ا بدهشتها:

أراكِّ تعانين وأنت تمطين الحكاية خوفا من النهاية.. أشفق –

عليك، فأنا منذ البداية، أعرف مسار الحكاية.

ومن حينها، لم تُمسِّك شهرزاد عن الحكي، خوفا من مصرع

شهريار عند قدميها.

الحدث هنا:”هو جلوس شهريار عند قدمي شهرزاد” و لكن هل تطور هذا الجلوس؟ أم ترى بقي على حاله  ليس إلا ؟ الملاحظ أنّه تطور إلى أشياء أخري:
جلس شهريار ← أمسك بطرف ثوبه  ← ..عطر لطالما سحره سحر حكاياها ← طبع قبلة على يدها ←.. نظر إليها طويلا ← قال أراك تعانين و أنت تمطين الحكاية ← أشفق عليك
← أعرف مسار الحكاية ← من حينها لم تمسك شهرزاد عن الحكي.

إذاً . عملية الجلوس كانت لها تبعات، أدّت في النّهاية إلى اقتناع شهرزاد بعدم التّوقف عن الحكي ” خوفاً من مصرع  شهريار عند قدميها.”
فبغض النّظر عن المضمون ، فالنّص قصّة متكاملة الأركان.
هكذا أفهم الومضة ، و هكذا أفهم القصّة بدون فلسفة، و لا مصطلحات لا صلة لها بالسّرد كالتي وردت في تقديمك لمجموعة ” البعد الرّابع ” مثل : (الفيزياء الروحية، ولوغاريتمات الإشراق،  و معادلات اكتشاف…)

 و لا أظن بعد هذا التّبسيط هناك تبسيط أخر..
ــ أما انتقادك لما ذهبت إليه (القصة القصيرة جدًا هى اختزال و تكثيف مبالغ فيه للقصة القصيرة لذا نجدها تحمل جل ملامحها ) فأجبني بربّك :
ــ هل يمكن للقاص أن يحول قصّة قصيرة إلى قصة قصيرة جداً ؟
 من جهتي  نعم، يُمكن  ذلك، كما يمكن العكس…و الكثير ممن أعرف كتبوا قصصا قصيرة و سرعان ما حولوها  إلى قصص قصيرة جداً، استهواء للجنس المستحدث (ق ق ج ) . وانسياقاً وراء صيحة التّجديد فقط . و حتّى لا نختلف ، الطّرائق متنوعة، و بنية النّص عند هذا ليست كما هي عند الآخر. و كلّ و أسلوبه و نمط كتابته ..

ــ هل تحمل القصّة القصيرة جل ملامح القصة القصيرة عدا الحجم ؟
 نعم، كلاهما يحتوي على حدث متطور، كلاهما يحتوي على شخصيات و قد يحتويان على زمان و مكان، و قد يستغنيان على ذكر أحدهما أو كلاهما، كما أنّهما معاً  يوظفان اللّغة القصصية..على اختلافها و تنوعها : تركيباً و أسلوباً…
و أعود و أقول الخلاف في الحجم و طريقة التّعامل، لأنّ ما تسمحُ به القصة القصيرة لسعتها نسبياً ،لا تسمح به القصة القصيرة جداً لضآلة حجمها. و لا أظنّني أقول شيئاً جديداً ، فهذا ما هو سائر في النّقد، وعُرفه .. و أنت حرّ في رأيك .

ُو يقول الأستاذ أحمد طانطاوي متسائلاً : (و نتساءل هل اعتماد الدهشة و المفاجأة يلغى الدّعوة إلى التأمل بحيث يكونان فى موقع مجابهة و تقابل و تفاضل بينما هما مرتبطى التّسلسل ؟ فالدهشة و المفاجأة تؤديان غالبًا إلى التفكر والتأمل كما فى التغريب البريختى)

ــ وأتساءل بدوري، هل وجدتني يا أستاذ أحمد  أقول:” اعتماد الدهشة و المفاجأة يلغى الدّعوة إلى التّأمل”؟ ها أنت  تقوّلني ما لم أقله، و تذكرعني  ما لم أكتبه.. لحاجة في نفسك…

و يقول الأستاذ أحمد الطنطاوي أنني اعتبرت نصين للقاصة السورية دعد يونس  ومضتين و هما حسب رأيه لا ومضتين و لا قصتين و إنّما خاطرتين.
 النصّان هما :

* وكـــان حبـــــاً…
اليوم على هذا الشاطئ المهجور
ظهر…شاحباً ….نحيلاً ….من أعماق كيانها
أيقنتْ أخيراً أن بهذا الحب كان هلاكها
و
*راحة وسكينة
دخل وجلس على الأريكة مثقلاً ..
بنظرة منها نفض غبار الأسى عن وجنتيه
وبصوت هامس قالت له: (أحبك )

النصان معاً لا يستوفيان أركان القصّة القصيرة جداً، و إذا كنت منذ عقدين من الزّمن أو ما يفوق ذلك  في موقع (واتا ــ wata) اعتبرتهما و مضتين فلأنّ الحدث فيهما ساكن و غير متطور. في النّص الأول : (اليوم على هذا الشاطئ المهجور ظهر…شاحباً ….نحيلاً …) و كل شيئ انتهى فيما يخصه . أمّا النّص الثّاني : (دخل وجلس على الأريكة مثقلاً ..بنظرة منها نفض غبار الأسى عن وجنتيه) و ماذا بعد فيما يخصّه كفعل ؟ لا شيء.
و لقد علقت يومئذ قائلا: (” فنياُ :كان التأثر ، و الاستيحاء واضحاً .. و كان من المفروض توظيف المفارقة، و الاهتمام بالقفلة Résolution في حالاتها المتعددة أهمها المفاجأة . حتّى يكتسب النّصّ صبغة الومضة الكاملة ، و يحيد عن أسلوب الإخبار و التّقرير ، و الانعكاس،أو الإسْقاط المباشر .”  )
و كلامي هذا واضح، بحيث لم أصنّف النّصين بالومضتين الكاملتين. بمعنى كنت متحفظاً . و لكن الأستاذ أحمد الطنطاوي (غاوي ) مُشاكسة ، و لَي كلام الأخرين حسب هواه…
فإذا كنت لا أعتبرهما قصتين قصيرتين، و أتحفظ في اعتبارهما ومضتين كاملتين فالأستاذ أحمد الطنطاوي يعتبرهما خاطرتين فيقول مستغرباً : (و هذا غريب , و كما قلنا أنّ النصين _ كما هو ظاهر _ خاطرتان و ليستا ومضتين أو حتى قصتين قصيرتين جدًا )
أريد ، و أريد فقط من الأستاذ أحمد الطنطاوي أن يبرهن نقداً أنّهما خاطرتان ؟
فإذا لم يستطع، و لن يستطيع قطعاً ، فليعترف  بمشاكسته، و تحامله، و ليه عنق كتابتي كما يشاء، لغرض في نفسه. لأنّني لا أستطيع أن ألتمسَ له عذراً، بعد كلّ ما كتب .
و من أشكال لي عنق كتابتي ، و إخضاعها لفهمٍ خاطئ ، و تحليل مُتهافت هو ما عقّب به عن أقصوصة اعتبرتها القاصة السّورية هيمى المفتي قصة قصيرة جداً و جاءت بها في ثلاثة مقاطع ما جعلها أقصوصة  كاملة في نظري ، فاكتفيت أن نبهتها لذلك أن تعمل على تهذيبها لتصبح في حجم القصّة القصيرة جدًا ذات لغة مكثفة، و إلا فهي أقصوصة، و ليست قصة قصيرة جداً.
فهل في هذا ما يَستحق التّعليق و النّقد  ؟
الأستاذ أحمد الطنطاوي و بدافع لا أعرفه، تسرّع و كتب : ( و أيضًا _ فى إطار التعريفات المختلطة المثيرة للدهشة _ تعريف الدكتور مسلك للثلاثية القصصية Trilogy, أنّها أقصوصة بينما الأقصوصة وحدة متكاملة و ليست أجزاء ثلاثة trio ( منفصلة \ متّحدة ) كما هو فى وحدة متكاملة و ليست أجزاء ثلاثة trio )
سامحك الله أستاذ طانطاوي، و الحمد لله أنّ نص ( عملاق الطوابق العليا ) مازال في عشرياتي بموقع ( واتا ــ wata ) و يمكن للجميع الرجوع إليه ، و لم أعتبره قصّة قصيرة جداً بل اعتبرته أقصوصة،و يمكن للأقصوصة أو القصة القصيرة أن تكون شذرية متشظية . و طالبت القاصّة هيمى المفتي إن أرادت من نصها  أن يكون قصّة قصيرة جداً فعليها أن تهذبه, و لكن الأستاذ أحمد يجعلني عكس ذلك أنني اعتبرت النص قصة قصيرة جداً فيقول : ( أقصوصة و مصنفة فى إطار القصة القصيرة جدًا ؟؟!! و هو ما لا أفهمه صراحة ..لقد عرَّفوا الأقصوصة أنّها ( القصة القصيرة ) , فكيف يكون _ حسب الدكتور مسلك إن اعتمد هذا التّصنيف _( أن تكون ” الأقصوصة في حاجة إلى تهذيب . ما دامت مصنّة في إطار القصة القصيرة جدا “)
أستاذ أحمد أنا لم أصنف كما تدّعي تحاملاً ، و إلا ما كنت لأطلب القاصّة بتهذيب نصّها.
فالقاصّة بعثت لي بعشرة نصوص لأدرجها في قراءة. و منها هذا النّص الذي اعتبرته أقصوصة ( عملاق الطوابق العليا ) و كان عليك أن تتحرى، لا أن ترمي الكلام على عواهنه.
***
و أصل إلى النقطة الأخيرة في سلسلة التّحاملات التي صبّها علي الأستاذ طنطاوي…
يقول  ( كما أنه من الأمور المثيرة للدّهشة التّعريف الأحادى للقصة القصيرة جدًا الذى يقتصر على مظهر واحد فقط هو اللّغة و البيان , و هو ليس عنصرًا مميزًا لها يفصلها عن غيرها من أجناس الأدب .)

ــ جيّد ، أستاذ أحمد، ما دمت تستهين باللّغة القصصية  احذفها و دلني على ما تبقى لديك ؟
أنا لا أقصد اللّغة المعيارية،  بل الفنّية القصصية الخاصّة بهذا الجنس، و التي لا يملكها إلا القلّة القليلة، من الموهوبين لذلك قلت : (” فالقصة القصيرة جداً عمل إبداعي فنّي . يعتمد دقّة اللّغة ، و حسن التّعبير الموجز ،و اختيار الّلفظة الدّالة ، التي تتسم بالدور الوظيفي fonctionnel. و التركيز الشديد في المعنى . و التكثيف اللّغوي الذي يحيل و لا يخبر . و لا يقبل الشّطط و لا الإسهاب ، و لا الإستطراد و لا الترادف ، و لا الجمل الاعتراضية ، و لا الجمل التفسيرية .و المضمون الذي يقبل التأويل ، و لا يستقر على دلالة واحدة . بمعنى يسمح بتعدد القراءات …و وجهات النظر المختلفة …
إذا كانت القصة القصيرة جداً بهذه المواصفات ، فحتما لن يكتبها غير متمرس خبير باللغة . قاص بارع في البلاغة : متقن للغة المجازية langage figuré متنبه لكمياء الألفاظ ، و فلسفة المعنى ، و عمق الدلالة . قاص لا تتحكم فيه حلاوة الألفاظ فيقتنصها لحلاوتها ، بل لما يمكن أن تخدم به السّياق المقتضب . قاص لا يغتر بالقصر المجمل لقصره . أو الإٌسهاب المطول لإسهابه، ولكن يهتم بالمعنى على أن يقدَّم بنسق لغوي فني في غاية من الاقتصاد . ليمكن القاريء الشّغوف بفن القصّ القصير أن يقرأ داخل اللغة intra – l’lnguistique لأنّ القراءة السّطحية لا تجدي نفعاً إزاء هذا النوع من القص .إذ لا بد من قراءة ما بين السطور القليلة. و خلف الكلمات المعدودة. فهناك لغة التّضمين homonymique )

جيّد ، تصور أستاذ أحمد  أنني لم أقل هذا . دلني كيف ستكتب قصة قصيرة جداً  بدون لغة قصصية منتقاة و بدون هذه المواصفات ؟
و الغريب في الأمر تعيب علي اهتمامي بلغة القصّ و أهميتها، و أنت الذي تقول في تقديم :” البعد الرّابع “
” النص هنا بالضرورة يتغير فيه الفهم التقليدي للزمن والفعل بصيغه الثلاث المعروفة، في تعامل جديد وغريب مع اللغة استدعاء للمستويات الأخرى للوعي. ديناميكية النص تجعله كلا واحدا، ما يتطلب بالضرورة قارئا جديداً يعي هذا الفهم.

و هل قلتُ آنفاً غير هذا ؟!
فها أنت ــ أستاذ أحمد ــ تقول ما قلت أنا قبلك بعقدين و نيف، في توصيف لغة القص القصير جداً و أهميتها، و لم تشر لشيء آخر ذا أهمية،  غير اللّغة !!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.