ذه المرأة تدعى هيباتيا، وهي ابنة الفيلسوف ثيون، كانت بارعة في تحصيل
كل العلوم المعاصرة، مما جعلها تتفوق على كل الفلاسفة المعاصرين لها، حيث
كانت تقدم تفسيراتها وشروحاتها الفلسفية، خاصة فلسفة أفلاطون لمريديها
الذين قدموا من كل المناطق، بالإضافة إلى تواضعها الشديد لم تكن تهوى
الظهور أمام العامة.
رغم ذلك كانت تقف أمام قضاة المدينة وحكامها دون
أن تفقد مسلكها المتواضع المهيب الذي كان يميزها عن سواها، والذي أكسبها
احترامهم وتقدير الجميع لها.
كان والي المدينة (اورستوس) في مقدمة هؤلاء الذي كانوا يكنون لها عظيم الاحترام.
كانت في صراع دائم مع الفلاسفة المسيحيين
وكان مشهد موتها مأساويا..
فى إحدى ليالى “الصوم الكبير” فى شهر مارس من عام 415 ميلاديا،كانت هيباتيا تجلس بداخل عربتها التي يجرها حصانان، لم تكن تدرى فاتنة الوجه، راجحة العقل،ان تلك اللحظة ستكون نهايتها، فجأة تقف العربة فى منتصف الطريق القريب من صحراء وادى النطرون، تمتد أياد فى الظلام لتمسك بالمرأة، تطرحها أرضا وبمنتهى القسوة تجرها جرا إلى صحن كنيسة قيصرون، يتمادى المتطرفون فى عنفهم،
يجردون “هيباتيا” من ملابسها تماما، يتقدم أحدهم لذبحها، ثم ينهال الباقون على تقطيع جسدها قطعة بعد الأخرى، تجمع القطع المتناثرة ويتم إحراقها بالكامل.
والتهمة تمسكها بوثنيتها، والخروج على مفاهيم الكنيسة بابتكار نظريات علمية تضلل البشر، وممارسة الفلسفة التى اعتبرت “سحرا” فى ذلك الوقت.
كان موت هيباتيا هو نهاية عصر التنوير الفكري و التقدم المعرفي الذي شهدته مدينة الإسكندرية لمدة 750 عامًا.
وبعد مقتلها، ترك العلماء المدينة إلي أثينا وإلى بلاد أخرى
وتم تخريب مكتبة الاسكندرية وحرق كتبها واستخدامها للتدفئة.
ويتهم الأسقف “سيرل” بالتحريض ضد هيباتيا، التى تعتبر أول شهيدة علم فى التاريخ، لأنه كان يدعو لبقاء النساء فى منازلهن لعدم أحقيتهن فى العمل، وحظر حتى التفكير عليهن أو الاستماع لآرائهن، وهو أول من أطلق لقب “ساحرة” على الفيلسوفة التى كان يتوافد عليها طلبة العلم من كل صوب وحدب.
كانت
هيباتيا ابنة أستاذ الرياضيات الشهير بجامعة الإسكندرية ثيون، وكانت أول
عالمة فى الفلك والرياضيات، عاشت فى فترة القرن الرابع الميلادى، ودرست فى
جامعة الإسكندرية على نفقة الدولة فى فترة الحكم الرومانى، وكان ذلك
استثناء لعبقريتها، بدأت التدريس فى الجامعة وهى فى سن الـ25.
خاضت
هيباتيا فى مجالات العلم التى كانت حكرا على الرجال فى ذلك الوقت، الذى
حرمت المرأة فيه من العديد من حقوقها واعتبرت “فتنة”، وكان لها وضعها بين
طلبة العلم لما امتازت به من ذكاء وعبقرية، وتعتبر “أما” للعلوم الطبيعية
الحديثة.
تميزت هيباتيا فى شرح الفلسلفة، فى مجالس العلم التى اكتظت بطالبى العلم الذين تعرفوا على رموز الفلاسفة مثل أفلاطون وأرسطو من خلالها، وكانت هذه المجالس بمثابة حلقات للتفكير والأسئلة والتطرق إلى كل ما ليس “مألوفا”، وانتمت إلى المدرسة الأفلاطونية الجديدة.
يعود إلى هيباتيا، بحسب الرياضيين، الفضل فى ابتكار طريقة جديدة فى “القسمة الستينية”، كما نقحت شروح أبيها فى علم الفلك، وكتبت تفسيرات لقوانين بطليموس الفلكية.
لم يكن قتل هيباتيا، من قبيل المصادفة فقد شهدت فترة القرن الرابع الميلادى فى مدينة الإسكندرية العديد من الممارسات العنيفة، كان من بينها اقتحام عناصر للجماعات المتطرفة لمكتبة الإسكندرية التى كانت صرحا من صروح العلم، والاعتداء على المعابد الإغريقية والرومانية، وهدم التماثيل وحرق الأبحاث العلمية والخرائط التى انتمت إلى العصر “الوثنى”، فى الوقت الذى حاول بعض أصحاب الدين الجديد “المسيحية” اثبات ولائهم لدينهم وتجنيب كل ما يمكنه تعكير صفو المؤمنين به.
وانتشرت فى ذلك الوقت أيضا دعوات الفتك باليهود والاعتداء على ممتلكاتهم وقتلهم، والتى تبناها الأسقف سيرل أيضا الذى حرض ضد هيباتيا.
المصدر : اليوم السابع ــ 07/ مارس/ 2020