في الذكريات موعظة (02)

 

في صيف سنة 2011 جمعتنا غرفة الفندق في بلد عربي، و كنا معاً من المغرب، نحضر ملتقى عربيا في القصّة القصيرة .

الغريب أنه كان بيننا بعض الجفاء.مصدره انتقادي لمجموعته القصصية، فهو يرى: أنّني” تحاملت على مجموعته.”حاولت فيما مضى أن أفهمه وجهة نظري فيما كتبت،و لكن ظلّ يعتبر المقالة كلّها” عدائية بلا مسوغ … “فاستمرت فترة الجفاء بينا سنوات ، إلى أن جمعتنا غرفة الفندق مصادفة،فتناسيت الذي حدث، رغم كلّ الجفاء ، و ما قال عنّي و عن نقدي ..و فضلت ألا أنكأ الجراج، و تحدثنا طوال أيّام الملتقى الثلاثة في أمور أدبية و ثقافية عامّة. إلى أن كانت اللّيلة الأخيرة.
كنّا نجلس في بهو الفندق ، فقال لي :
ــ أتدري .. العلاقات البشرية تكشف الحقيقة . أنت مثلا : في الحياة ، لست أنت في النقد ، فشتّان بين مسلك ميمون الإنسان و مسلك ميمون النّاقد !
اندهشت ، و شعرت أنّه يستدرجني للمواجهة .. فلازمت الصّمت ..
و لكنّه فاجأني مرّة أخرى:
ــ لقد مضى على مجموعتي التي انتقدتَها سبع سنوات ..فحين أعود إليها أتمنى لو أنّني لم أنشرها بل لو أنّني لم أكتبها ..
قلت مواسياً :
ــ لا بأس البدايات تكون متعثرة ، و من منّا يرضىه كلّ انتاجه ..
ففاجأني بردٍّ زادني غرابة و اندهاشاً .
ــ لا تفهمني خطأ . أنا لا أتبرأ مما كتبت منذ سبع سنوات . و لكن أقصد أنّ تلك المجموعة جاءت سابقة لأوانها , لهذا لم يفهمها النقد ، و لم يستوعبها النّقاد . فكلّ الذين كتبوا عنها لم يفهموها .
فلازمت الصّمت ، فمضى يشرح لي النّقد و أنواعه، و ضروبه و مدارسه، و نظرياته ..و يستعرض أسماء نقاد الغرب، و بعض أقوالهم.. و كان في كلامه خلط كثير .. فلم أشأ أن أصلح شيئاً ، و لا أن أتدخّل ..مخافة تعميق الجفاء… و مع ذلك لم أسلم من قوله :
ــ أرأيت لو كنتَ تكتب.. لكنتَ ناقشت كلّ هذا ، و أبديتَ رأيك ، لهذا قلت لك : أنتَ في الحياة غير أنتَ في الكتابة .
لحظتها كنت على وشك أن أردّ عليه ، و لكن جاء صديق يدعونا لوجبة العشاء، في مطعم الفندق ، فقمنا و حاولت أن أنسى الذي كان…
و لكن ماذا كنت سأرد عليه ؟
هل أصلح معلوماته عن النّقد ؟ أم أصلح الأقوال التي استشهد بها في غير محلها ؟ أم ترى أرجع كلّ ناقد ـ ذكره ـ لمدرسته ، و أنسب كلّ نظرية ـ جاء بها ـ لصاحبها ؟ أم أعود إلى ما قبل سبع سنوات و أناقشه في مجموعته، التي أغلب نصوصها لا تمت للقصّة بأيّ صلة ..أم أفهمه أنّ النّاقد يحاور النّصّ لا صاحبه … حمدت الله أنّني لم أرد عليه ، و إلاّ لما ترافقنا في طائرة العودة .

تحياتي / مسلك

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.