في الذكريات موعظة (04)

 قلم الاكتابة

أواخر التسعينات حضرت المعرض الدولي للكتاب في الدار البيضاء.. فكان هناك لقاء قصصي حول مجموعة قصصية ، أثنى المتدخلون الثناء الأوفى على القاص و مجموعته، لما انتهى اللقاء قدمني صديق للقاص الذي كنت لا أعرفه، فمنحني مجموعته مشكوراً ، و بدوره قدم لي شخصا آخر و قال :إنه صاحب المطبعة التي طبعت المجموعة، و عاد صاحبي ليقدمني للرجلين على أنني ناقد مهتم بالسرديات ، فالتفت إلي القاص و قال بابتسامة عريضة :
ــ يهمني يا أستاذ أن اعرف ارتساماتك حول المجموعة بعد أن تطلع عليها .
بينما قال صاحب المطبعة :
ــ امنحني رقم هاتفك لربّما أحتاجك يوما ..
مرّت على ذلك عدة شهور، خلالها كنت أتمنى ألا يتصل بي القاص خاصة ، و لكنه اتصل يحثني أن أطلعه عن رأيي ـ و صراحة ـ تماطلت في الرّد عساه ينسى، و لكنّه زار أغادير صيف 1998 و أصرّ أن يلتقي بي ، لحسن الحظ لم أكن في المدينة ، بل كنت في زيارة أهلي في مدينتي وجدة .. فلمّا لاحظت إصراره أن يعرف رأيي، أعددت دراسة من سبع صفحات ، و بعثتها له ، و يبدو أنّ ما كتبت لم يرقه ..فكان ذلك آخر عهد لي به، إلى أن كان خريف سنة 1999 حيث اتصل بي هاتفيا ، و اخبرني أنّه أصبح عضوا في لجنة القراءة، و أن صاحب المطبعة التابعة له هذه اللّجنة سيتصل بي قريباً ، و عجبت كيف أنه لم يناقشني رأيي في مجموعته ، بل تجاهل الأمر تماماً.فخلت أنّه لم يتوصل بالدّراسة، فسألته عنها، فأخبرني بالتّوصل،بل وقال :
ــ تلك الدراسة الموضوعية جعلتني أقترحك على صاحب المطبعة.
فعجبت من كلامه و قد كنت أظنه غضب من صراحتي ، و آرائي، بل لحدّ السّاعة أظنّه جاملني و لم يبد رأيه فيما كتبت ، لأنّ المجموعة في واقع الأمر، كانت في كل نصوصها متوسطة جداً ، تغلب عليها التّقريرية و الاخبار ..
و لكن عجبي لم ينحصر في هذا فقط ، بل عجبت كيف يصبح عضوا في لجنة القراءة التي تبثّ في الابداع القصصي ــ و هو حسب رأيي ــ لا يميز بين التّقرير و القصّة ؟!
لهذا لمّا اتصل بي صاحب المطبعة اعتذرت ، فأصرّ أن أشارك في عمل واحد فقط ، فاستجبت ما دام الأمر كذلك ..
فأرسل لي مجموعة قصصية بدون اسم المؤلف ، و أخبرني إذا وافقت لجنة القراءة سينشرها على نفقته .فقرأتها و أعددت تقريري النّقدي و بعثته له . بعد شهر أو أكثر قليلا بعث لي رسالة كانت كالتاّلي :
” د مسلك ميمون
حياك الله و بياك ، لقد توصلت برسالتك القيّمة ، و كنت أنوي الرد ، و لكنني أجلت ذلك حتّى أتوصل بتقارير اللّحنة كاملة .
النتيجة أن أعضاء اللّجنة الثلاثة وافقوا على نشر المجموعة.. و لكن حججهم و أدلتهم لم تقنعني لأنها تعتمد الانبهار و الثناء ..و لا تركز على طرائق البناء.. أمّا دراستك فكانت تتغي النّص و مكوناته، و إيجابياته و سلبياته ، و ما دمتَ خلصت أن المجموعة في حاجة إلى إعادة نظر، و أنّ نشرها لا يضيف جديداً لما هو كائن …جعلتني في حيرة :
1 ــ إنّ رأي الأغلبية يرجح النشر ، و هو رأي غير مقنع .
2 ــ رأيك لا يرجح النشر إلا بعد إعادة النظر ، و هو مقنع .
3 ــ و هو الأهم عندي كناشر ،أن صاحب المجموعة الذي لم تعرفه و لا يعرفه الأخرون هو القاص المعروف وطنياً و عربياً : …….
فأنا في حيرة من أمري ،هل أقول للقاص الكبير أعد النّظر في مجموعتك ؟ أم أقول لك لو تكرمت أعد النّظر في نقدك ؟
و في جميع الأحوال ، أنا مضطر لنشرها ..أشكرك جزيل الشّكر على تلبية دعوة المشاركة . و أقول لك و مع ذلك : دراستك أقنعتني…”

فأذكر أنني كتبت له رسالة قصيرة جاء فيها :
” أحسنت صنعاً أنك بعثت المجموعة مجردة من اسم القاص ، فهذا يزيدني إيمانا بما كتبت، و إن كنت قد دُهشتُ لمّا عرفت اسم الكاتب فيكفيني قولك : ” دراستك أقنعتني” “

و نُشرت المجموعة بعد ذلك ، و لم يكن لها ذِكر يُذكر، و لكن صاحبها وصله رأيي حولها،فلمّح لي بذلك مرتين،خلال لقاءاتنا، فلم أرد عليه و كأنّ الأمر لم يعد يهمني..

تحياتي / مسلك

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.