كلّما حاولت الكتابة عن عمل إبداعي.. أحاول قدر الإمكان نسيان أو تناسي صاحبه ، و كأنّ النّص كَتبَ نفسَه بنفسِه, و هكذا استطعت أن أكتب مقالات و دراسات مجرّدة من العواطف و النّزوات، و إنْ أغضبتُ الكثيرَ من المبدعين ،الذين كانوا ينتظرون: مجاملةً و كلاماً لطيفاً لا يستحقه نتاحهم . و لا أنكر أنّ تلك الجُرأة، أو الصّراحة النّقدية جاءتني بمتاعب كثيرة ..
و ذات لقاء أدبي في الدار البيضاء ربيع سنة 2006 سلّمني صديق قاص من إحدى دول الخليج مجموعة من كتبه، و من فرحتي و ابتهاجي وعدته يومئذ بالكتابة عنها . و اقترحَ علي أن أكتبَ كتاباً حولها ، و يتكلّف بِنشره . فرحبت بالفكرة ، ما دامت المجموعات في سياق جنس واحد : القصّة القصيرة جداً .
فبعد القراءة و الاطلاع، ندمت أنّني تَسرّعت و وعدتُ بكتابة كتابٍ حول إبداعه ..و ازداد ندمي و تدمّري لمّا أصبح في كلّ لقاء ، و لو على النّت ، يُلحُّ و يذكرني بوعدي.
لكن المجموعات الأربع ، كانت بين يدي عبارة عن كومة ورق مَصقول، و إخراح طباعي جَميل، و منها ما زيّن بصور داخلية.. و لكنّها في أغْلبها .. لا تَمتّ للقصّ القصير جداً بأية صِلة … مجرّد خواطر، و تَهويمات ذاتية ،..
ففكرتُ أن أكتبَ، و أن أنسى الصّديق القاص ، كما أفعل دائماً .فكان الكتاب في حوالي تمانين ورقة .لمّا قرأته بعد شهر أو يزيد من كتابته، وجدتُ أنّه لن يُرضي الصّديق القاص . الذي ــ و لاشكَّ ــ كان ينتظرُ التَّنويه بكتابته . فحرتُ في أمري . فكتبتُ له رسالة، أهمّ ما جاء فيها :
” .. لقد وعدتك أن أقرأ المجموعات الأربع، و قد فعلت، و وعدتك أن أكتب عنها كتاباً و قد فعلت . إلا أنّي أخْتلف معك كثيراً حول القصّة القصيرة جداً . فما كتَبتُه أيّها العزيز، يدخل في نطاق النّقد التّطبيقي ، و هو نقدٌ يكشف جماليات النّص و اختلالاته ..فإن وجدتَ ما يُفيدك، و يرضيك فهذا سيسعدني و يُشجعني أن أدعوكَ لنَشره ، و إن وجدتَ فيه غير ذلك فاقرأه و انْساه، فلا أنا كتبتُ نقداً، و لا أنتَ قرأته ، و الخلافُ لا يُفسد للودِّ قضية… “
فبعثت له مسودّة الكتاب . و انتظرت طويلا ، فلم يرد ، و لم يعد يسأل عنّي في النت …فأدركتُ أنّها النّهاية .
فشعرت بحسرة و غضب ..و لكن بداخلي، كان هناك ما يُطمئنني و يَسألني :
” لماذا تقلق و تغضب ؟ أرأيتَ لو أنّك جاملتَ صديقك القاص،ماذا سيكون منك ؟ إنّك إذاً ستَحزنُ طوال العمر عن كلّ كلمة كتبتها لا يستحقها نتاجه .”
و مرّت الأيّام (على رأي أم كلثوم ). و نُشر حوار مع صديقي القاص في مجلة تصدر بالإمارات بمناسبة إعداد ملفٍ حول القصّة القصيرة جداً .
و إذا بصديقٍ من السعودية يتّصل بي عبر النّت و يكتب :
“اطلع على المجلة…الحوار الفلاني مع القاص الفلاني .. شيء يهمك … ”
بحثت عن المجلة، و في ذهني نية سيّئة، لعلّ صاحبي فضّل أن يردّ على نقدي، و على الملأ .. تُرى ماذا كتب عنّي؟
و إذا بالحوار الذي يهمّني كان كالتّالي :
”
ــ هل تعرضَ انتاجُك القصصي لنقد أغضبك ؟
ــ كُتب عن إنتاجي ما أسعدني، و منه ما أغضبني . و لكن دعني أحدثك عن نقدٍ آخر، لأنّه أغضبني و أسعدني في نفس الوقت، إنّها مفارقة أليس كذلك ؟
لقد كتب عن مجموعاتي الأربع د مسلك ميمون من المغرب، فغضبت مدّة لصراحته التي تشبه وخز الإبر .. ثمّ عدت إلى نفسي بعد مدّة فتمنيتُ لو أنّني لم أنشر المجموعات الأربع دفعة واحدة، و لو أنّني تريثت في النّشر ، لكان أحسن ..حتّى أطّلع على الصّدى الذي يعقبُ نشر المجموعة الأولى، لقد تسرّعت ، و لكن الآن تداركت أمري، و غيرّتُ من طريقتي و أسلوبي.. فشعرت أنّ ما كتبه عن انتاجي د مسلك ميمون قبل سنة، و إن أغضبني، فقد صَدقني و أسْعدني .. فمنذ ذلك الوقت تعلّمتُ كيف أصبر لوخز الإبر …”
قرأت الفقرة مرّة، أو اثنين، أو ثلاثة ..لا أدري كم ..!! و أرسلت زفيراً حاراً ، ظلّ مكتوماً في صدري أكثر من سنة .
تحياتي / د مسلك ميمون