رابندراناث طاغور شاعر وفيلسوف هندي. ولد عام 1861 لأسرة ميسورة في القسم البنغالى من مدينة كالكتا وتلقى تعليمه في منزل الأسرة على يد أبيه الذي كان مصلحا اجتماعيا ودينيا معروفا وأشقاؤه ومدرس يدعى دفيجندرانات الذي كان عالماً وكاتباً مسرحياً وشاعراً
كانت والدته سارادا ديفي قد أنجبت 12 ولدا وبنتا قبل أن ترزق بطاغور. ولعل كثرة البنين والبنات حالت دون أن يحظى طاغور, رغم أنه أصغر أشقائه سنا بالدلال الكافي. كانت الأسرة معروفة بتراثها ورفعة نسبها, حيث كان جد طاغور قد أسس لنفسه إمبراطورية مالية ضخمة, وكان آل طاغور رواد حركة النهضة البنغالية إذ سعوا إلى الربط بين الثقافة الهندية التقليدية والأفكار والمفاهيم الغربية. ولقد أسهم معظم أشقاء طاغور, الذين عرفوا بتفوقهم العلمي والأدبي في إغناء الثقافة والأدب و الموسيقى البنغالية بشكل أو بآخر, وإن كان رابندرانات طاغور, هو الذي اكتسب في النهاية شهرة كأديب وإنسان, لكونه الأميز والأكثر غزارة وتنوعا, وإنتاجاً.
لم ينتظم طاغور في أي مدرسة فتلقى معظم تعليمه في البيت على أيدي معلمين خصوصين, وتحت إشراف مباشر من أسرته, التي كانت تولي التعليم والثقافة أهمية كبرى. اطلع طاغور منذ الصغر على العديد من السير ودرس التاريخ و العلوم الحديثة وعلم الفلك و اللغة السنسكريتية, وقرأ في الشعر البنغالي ودرس قصائد كاليداسا, وبدأ ينظم الشعر في الثامنة. وفي السابعة عشر من العمر أرسله والده إلى إنجلترا لاستكمال دراسته في الحقوق, حيث التحق بكلية لندن الجامعية, لكنه مالبث أن انقطع عن الدراسة, بعد أن فتر اهتمامه بها, وعاد إلى كالكوتا دون أن ينال أي شهادة.
تزوج طاغور سنة 1883 وهو في الثانية والعشرين من العمر بفتاة في العاشرة من العمر, مرينا ليني, شبه أمية أنجب منها ولدين وثلاث بنات. أحبته زوجته بشدة فغمرت حياتهما سعادة وسرور.
توفيت زوجته وهي في مقتبل العمر، ولحق بها ابنه وابنته وأبوه في فترات متلاحقة متقاربة ما بين عامي 1902 – 1918، فخلف ذلك جرحاً غائراً في نفسه.
شهدت الثمانينات من القرن التاسع عشر نضج تجربة طاغور الشعرية, إذا نُشر له عدد من الدواوين الشعرية في عام 1890. وفي عام 1891 انتقل طاغور إلى البنغال الشرقية (بنغلاديش) لإدارة ممتكلكات العائلة, حيث استقر فيها عشر سنوات.
هناك كان طاغور يقظي معظم وقته في مركب (معد للسكن) يجوب نهر بادما (نهر الغانغ), وكان على احتكاك مباشر مع القرويين البسطاء. ولقد شكلت الأوضاع المعيشية المتردية للفلاحين, وتخلفهم الاجتماعي والثقافي موضوع متكررا في العديد من كتاباته, دون أن يخفي تعاطفه معهم. ويعود أروع ما كتب من نثر وقصص قصيرة تحديدا, إلى تلك الحقبة الثرية “معنويا” في حياته, وهي قصص تتناول حياة البسطاء بحس يجمع بين رهافة عالية في التقاط الصورة وميل إلى الفكاهة والدعابة الذكية, التي ميزت مجمل تجربته النثرية عموما.
لقد عشق طاغور الريف البنغالي الساحر, وعشق أكثر نهر بادا ما. الذي وهبه أفقا رحبا لتجربته الشعرية الغنية, وأثناء تلك السنوات نشر طاغور العديد من الدواوين الشعرية لعل أميزها “سونار ناري” (القارب الذهبي,1894) إضافة إلى مسرحيات عدة.
في عام 1901, أسس طاغور مدرسة تجريبية سعى من خلالها إلى تطبيق نظرياته الجديدة في التربية والتعليم, وذلك عبر مزج التقاليد الهندية العريقة بتلك الغربية الحديثة, وتحولت هذه المدرسة عام 1921 إلى جامعة فيشقا-بهاراتيا أو (الجامعة الهندية للتعليم العالمي).
قدم طاغور للتراث الإنساني أكثر من ألف قصيدة شعرية, وحوالي 25 مسرحية بين طويلة وقصيرة وثماني مجلدات قصصية وثماني روايات, إضافة إلى عشرات الكتب والمقالات والمحاضرات في الفلسفة والدين والتربية والسياسة والقضايا الاجتماعية, وإلى جانب الأدب اتجهت عبقرية طاغور إلى الرسم, الذي احترفه وهو في الستين من عمره, حيث أنتج آلاف اللوحات, كما كانت له صولات إبداعية في الموسيقى, وتحديدا أكثر من ألفي أغنية, اثنتان منها أضحتا النشيد الوطني للهند وبنجلاديش.
في عام 1912 سافر طاغور إلى إنجلترا, للمرة الأولى, منذ أن ترك الجامعة, برفقة ابنه. وفي الطريق, بدأ طاغور يترجم آخر دواوينه: “جيتنجالي” إلى الإنجليزية. وكانت كل أعماله السابقة تقريبا قد كتبت بلغته البنغالية, لقد قرر ترجمة المجموعة الأخيرة من باب التسلية, ولقتل وقت السفر الطويل بحرا دون أن يبتغي شيئاً من ترجمته.
عند وصول طاغور إلى إنجلترا, علم صديق مقرب منه ويدعى روثنستاين, وهو رسام شهير التقاه طاغور في الهند, بأمر الترجمة, وطلب منه الإطلاع عليها. وافق طاغور على ذلك, لم يصدق الرسام عينيه, لقد كانت الأشعار أكثر من رائعة, وبدا كما لو أنه وقع على اكتشاف ثمين, فاتصل بصديقه الشاعر دبليو.بي بيتس الذي دهش بتجربة طاغور, فنقح الترجمة وكتب مقدمة لها بنفسه.
ظهر ديوان “قربان الأغاني” باللغة الإنجليزية في سبتمبر عام 1912. لقد عكس شعر طاغور حظورا روحيا هائلا وحوت كلماته المنتقاة بحساسية فائقة جمالا غير مستهلك, لم يكن أحد قد قرأ شيئا كهذا من قبل. وجد الغربيون أنفسهم أمام لمحة موجزة وإن كانت مكثفة للجمال الصوفي, الذي تختزنه الثقافة الهندية في أكثر الصور نقاءً وبوحاً ودفئاً. وفي غضون أقل من سنة نال طاغور جائزة نوبل للآداب, ليكون بذلك أول أديب غربي ينالها. وفي عام 1915 نال وسام “فارس” من ملك بريطانيا جورج الخامس, لكنه خلعه في عام 1919 في أعقاب مجزرة أمريتسار سيئة الصيت, والتي قتلت فيها القوات البريطانية أكثر من 400 متظاهر هندي.
أمضى طاغور ما تبقى من عمره متنقلا بين العديد من دول العالم في آسيا وأوروبا والأمريكتين, لإلقاء الشعر والمحاضرات والإطلاع على ثقافة الآخرين, دون أن ينقطع عن متابعة شؤون مدرسته, وظل غزير الإنتاج حتى قبيل ساعات من وفاته, حين أملى آخر قصائده لمن حوله, وذلك في أغسطس من عام 1941 في أعقاب فشل عملية جراحية أجريت له في كالكوتا, وقد توفى طاغور عن عمر يناهز 80 عاماً.
من أقواله
الفشل هو مجموعة التجارب التي تسبق النجاح
شكراً للأشواك فقد علمتـني الكثير
ندنو من العظمة بقدر ما ندنو من التواضع.
الحب يلمع كلؤلؤة في ظلام القلب البشري.
آمن بالحب ولو كان مصدراً للألم ولا تغلق قلبك.
لا تستطيع أن تقلع عبير زهرة حتى ولو سحقتها بقدميك.
سأل الممكن المستحيل أين تقيم فأجاب : في أحلام العاجز.
في ابتسامة المرأة، عظمة الحياة وجمالها وفي عينيها، دهاؤها وعمقها.
متى أحبت المرأة، كان الحب عندها ديناً، وكان حبيبها موضع التقديس والعبادة.
إذا أغلقتم كل أبواب الأخطاء فإن الحقيقة ستظل خارجا.
الفيلسوف الهندي “طاغور” .. حياة بين العواصف وعشق للإسلام :
“مهما يكن من شيء فإني لن أرتكب الخطيئة الخطيرة: خطيئة فقدان الإيمان بالإنسان، والرضوخ للهزيمة التي حاقت بنا في الوقت الحاضر على اعتبارها نهائية وحاسمة” كانت هذه هي كلمات الشاعر الهندي العظيم رابندرانات طاغور والتي دونها بمقدمة كتابه “البيت والعالم” ترجمة د. شكري محمد عباد عن “دار الهلال”.
وفي شهر أغسطس تحل ذكرى طاغور حائز نوبل في الآداب لعام 1913، والذي قررت منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة “اليونسكو” تخصيص عام 2011 بمناسبة مرور 150 عاماً على ميلاده.
قال طاغور يوما في كتابه “الإسلام ورسوله في فكر هؤلاء”: “الإسلام دين عظيم، استطاع أن يشد إليه الناس في كل مكان، لذا فاعداؤه كثيرون، لكنه لبساطته القوية، سيظل رافعاً راياته”.
كما قال في قصيدة له : “سأحطم الحجر وأنفذ خلال الصخور وأفيض على الأرض وأملأها نغما، سأنتقل من قمة إلى قمة، ومن تل إلى تل، وأغوص في واد وواد. وسأضحك بملء صدري وأجعل الزمن يسير في ركابي”، وتشير هذه الكلمات لحياة طاغور بالفعل حيث تمكن من الوصول لكل بلاد العالم بشعره وأفكاره، وإيمانه القوي بالإنسان والطبيعة، ووصف نفسه من قبل بأنه “كالبخور لا ينتشر عطره ما لم يحرق”.
قصة حياة
ولد طاغور في السادس من مايو عام 1861 في قصر “جوروسنكو” بمدينة كلكتا فكان سليل أسرة هندية عريقة، وأصغر أخواته السبعة، أطلق عليه والده اسم “رابندار” ويعني “الشمس” تيمناً بأنه سيشرق كالشمس، وكان والده أحد أعلام نحلة “اليوبانيشاد” الدينية التي تركت في الهند أثراً صوفياً بالغاً.
وحرص الوالد على تعليم إبنه واصطحابه في رحلات كثيرة كان أبعدها أثراً في نفسه رحلته إلى جبال الهيمالايا، ثم جاء أثر رحيل الأم قاسيا على نفس طاغور، وظل يتذكرها ويشعر بفجيعة فقدها وهو لا يزال صغيرا . وربما هذا ما دفعه للتأمل المبكر في الطبيعة ويعتبرها رفيقه الجديد .
حينما أصبح صبيا، بدأ طاغور في التمرد على بعض التقاليد المتبعة ومنها الإكراه على الزواج وبدا ذلك في روايته “حطام السفينة” وحينما تزوج يقول عن زوجته ” لقد داعبت موسيقا الأشياء كلها أعضاءها لتمنحها إهاب الجمال، إنها زوجي … لقد أشعلت مصباحها في بيتي وأضاءت جنباته”.
ولكن السعادة لا تدوم فقد رحلت زوجته مخلفة ثلاثة أطفال وهي في ريعان شبابها، ولحق بها إبنه وابنته وأبوع في فترات متتابعة مما خلف في نفسه جرحاً عميقاً. ولكن طاغور يكتب في ديوانه “الهلال” يقول : “إن عاصفة الموت التي اجتاحت داري أضحت لي نعمة ورحمة، فقد أشعرتني بنقصي وحفزتني على نشدان الكمال وألهمتني أن العالم لا يفتقد ما يضيع منه”.
ونال طاغور بسبب ديوانه “جيتنجالي” جائزة نوبل للآداب وكان أول شاعر شرقي يفوز بها حتى قال الكاتب الفرنسي أندريه جيد “ليس في الشعر العالمي كله ما يداني طاغور عمقاً وروعة”.
في عام 1909 انشأ طاغور في إحدى ضواحي “كلكتا” مدرسة سماها “شانتينيكيتان” والتي تعني “مرفأ السلام” حرص فيها أن يتلقى الطلبة دروسهم إلى جانب التمتع بالطبيعة والمساهمة في المحافظة عليها والزيادة في تجميلها، وقد ألقى طاغور في هذه المدرسة العديد من المحاضرات التي جمعها في كتابه الشهير “سادهانا”.
جاء إنتاج طاغور غزيراً ما بين فلسفة وشعر ورواية وقصة ومسرح، نشر أولى محاولاته الشعرية في إحدى المجلات الأدبية الصادرة بكلكتا، وقد لقبه الزعيم الهندي المهاتما غاندي بـ “منارة الهند”، وجاء ديوانه الأول بعنوان “أغاني المساء” ونال تشجيع الأوساط الأدبية وثناء النقاد، وأعقب ديوانه هذا بديوان “أغاني الصباح”.
طاغور
ذكريات طاغور
في مقدمة كتابه “ذكرياتي” يكتب طاغور “الذكريات ليست تاريخاً، بل إبداعات أصيلة لفنان غير منظور”، وفي قصيدة يشرح فيها ما كان الخدم يفعلونه معهم وهم أطفال حين يرسمون بالطبشور دائرة لا يتعدونها في حركتهم ولكنه حينما كبر وجد أن الدائرة المقيدة محيطة به بشكل آخر والأفق بعيدا وليس في متناول يده ، يقول :
كان الطير الأليف في القفص والطليق في الغابة
شاء القدر أن يتقابلا يوماً
صاح الطير الحر “دعنا نطير إلى الغابة يا حبيبي”
همس طير القفص “تعال هنا، دعنا نعيش معاً في القفص”
قال الطير الحر “بين القضبان حيث لا مكان لنا لفرش أجنحتنا؟”
“واحسرتاه”
أجاب طير القفص “أنا لا أعرف أين أحط في السماء”
زار طاغور العديد من دول العالم كان أولها عندما أرسله والده إلى انجلترا لدراسة القانون ولكنه لم يوفق في ذلك، وبالرغم من أنه لم يعود إلى بلاده بالشهادة التي كان يتمناها والده إلى أنه تمكن من جمع حصيلة وافرة من المعلومات والتجارب التي أضافت لاهتماماته في مجالات الأدب والموسيقى، ثم قام برحلة ثانية إلى أوروبا زار فيها انجلترا مارا بفرنسا وايطاليا، كذلك قام برحلات أخرى حول العالم حققت له الكثير من الشهرة العالمية، حيث اتخذ منها جسراً يصله بكبار أدباء العالم، كما ساهمت في التعريف بأدبه ورسالته إلى أن رحل عام 1941 في الثمانين من عمره .
وكان قد منح تكريما من دول العالم، ففي الهند حاز الدكتوراه الفخرية، كما منحته الحكومة البريطانية لقب “سير” وهو اللقب الذي قام بإعادته للحكومة البريطانية عقب الأعمال القمعية التي قامت بها عام 1919 بإقليم البنجاب.
وقد تمكن عام 1921 بعد جهد كبير من افتتاح جامعته العالمية فيسفابهاراتي وهي التسمية التي استوحاها من أحد الأبيات الشعرية السانسيكريتية وتعني “المكان الذي يتحد فيه العالم”.
كلمات في الإسلام
اهتم طاغور بدراسة الاديان وكتابه “دين الإنسان” من أهم الكتب التي صاغها من فكره وقراءاته وفلسفته، يقول طاغور “إن كل طفل يولد في عالمنا هذا هو آية حية تقول لنا إن الله لا ييأس من بني الإنسان”.
وأكد على أن الإسلام “هو الدين الذي جعل للاديان التي سبقته قيمة، فهو الدين الذي لم ينكر دينا قبله، بل تحدث في كتابه الشامل عن الأديان، ومستقبل البشر، لم يكن محمد صاحب شهوة أو نزوة ولم يؤلف القرآن بل كان الوفاء والإخلاص، لذا لم ينكر قصص الأنبياء قبله، وتركها كما املاه الوحي، لتظل شاهداً على صدقه وامانته ووفائه وإخلاصه. لهذا كان الإسلام قوياً وسيظل قوياًن ما بقى القرآن يحفظه الله”
كذلك زار طاغور مصر عام 1936 ووقف على أهمية الأزهر في نشر الدعوة الإسلامية وأبدى إعجابه برعايته للإسلام وبالعلماء الذين درسوا الإسلام، وقال أن الأزهر قيمة عالمية يجب تقليدها في كل مكان، متمنياً أن يكون بالهند أزهر كأزهر مصر.