في الذكريات موعظة (03)

 

الأستاذ الخضر التّهامي الورياشي ، قاص تعرفت عليه في الملتقى الثالث للقصة القصيرة جداً في مدينة الناظور. أعجبت بإلقائه القصصي. و مواضيعه الجريئة ، و طرائقه في الكتابة السّردية .. كانت قصصه من نوع القصة القصيرة .

بعد عودتي إلى أغادير ، أخذ يراسل صفحة “غواية السّرد القصير ” و ينشر قصصه في ” منشورات الصفحة” و ما دامت هذه الآخيرة تخص (ق ق ج) نصحته أن يشتغل على السّرد القصير جداً ، و كنت على علم أنني أطلب منه أن يبذل جهداً ليس باليسير ، و هو الذي ألف الاسهاب و الاطناب …فاستجاب متردداً ، و ربّما تلبية لرغبتي فقط …كانت المحاولات الأولى متعثرة ، يغلب عليها طابع و أسلوب القصة القصيرة ، و لكن بدأت تظهر له بعض الاشراقات من حين لآخر ، ما شجعني ، أن اطمئن لاقتراحي …فأوليت نصوصه عناية خاصّة من اهتمامي و وقتي…
و الذي ساعدني على ذلك ، تقبّل الأستاذ الخضر التّهامي كلّ اقتراحات النّقد بصدر رحب ، و رغبة في المزيد … وذاك لعمري هو المبدع الذي يسعى للإرتقاء ، لا الذي يحتفي، و يرغب، و ينصت للتّعليقات اللامسؤولة، في المنتديات و الفايسبوك …من قبيل ( روعة ، رائع ، جميل ، أبدعت …) و لا روعة، و لا رائع ، و لا جميل، و لا إبداع .. إنّما ضحك على الذقون.
الصديق الخضر التّهامي الذي تعامل مع نبضات النّقد بالانصات، و التّفهم و التّصحيح ..استطاع أن يكتب نصوصاً تستحق الاعجاب .. و أن يخرج بفهم جيد مفاده أن هذا الفن الجميل صعب المراس ، و لا يعطي نفسه بسهوله كما يعتقد البعض .. لهذا كتب لي يوماً ـ كما هو في منشورات الصفحة ـ قائلا :
” … على رغم أنّها قصيرة جداً، ولعلَّ قِصَرَها (اللاَّبُدَّ) هو سببُ تعبي؛ فقد توهَّمتُ أنَّ سطوراً قليلةً تكفي لكتابتها، وموضوعاً كيفما اتفق يَرْسمُ حكاياتها…
وفَرِحْتُ أني سأقتصدُ في الورق والقلم، وسأقصُّ في أيام وليالٍ معدودةٍ (ألف قصة وقصة قصيرة جداً)، غير أنني فوجئتُ أني أقصُّ الأوراق بكثرةٍ، وأفتشُ عن الأقلام بوفْرَةٍ… ثم لا أكتب إلا قصة أو اثنتين، بِجُهْدٍ وعَناءِ، تُعْجبُ قوماً، ولا تعجبُ قوماً آخرين…
فكي تنالَ (القصيرةُ) إعجاباً كبيراً وكثيراً عليها أن تأتي بما لم يأت الأولون والآخرون، وتستَهْوي الألبابَ والأفئدةَ والأذواقَ، وتلك مُهمَّةٌ ليست سهلةً؛ فهي تحتاجُ إلى مهارةٍ، وذكاءٍ، وسِحْرٍ في التصوير والبيان.
ومن جانبي، كلَّما ظننتُ أني أمسكتُ بتلابيبها، واقتربتُ من سراويلِها، تنفلتُ منِّي، وتتوارى في دهاليز موحشةٍ، لا أكتشف مداخلها ومخارجها بسهولةٍ، وإنْ عثرتُ على أثرِ لها، أَشُكُّ في العنوان، وأحتارُ في شكْلِ القُفلِ؛ فأعودُ القهقرى، وأفكرُ طويلاً…
أفكر طويلاً… !!
يا للعجب؛ أتفكيرٌ طويلٌ من أجل (قصة قصيرة جداً) ؟!
نعم، ذلك هو الشرط، وهو السِّرُّ، وهو الذي يضْطَرُّ كلَّ من يتصدَّى للقصة القصيرة جداً، أَنْ يَخْضعَ له، ويطولَ همُّهُ وتعبُهُ…
والتفكيرُ الصحيحُ لا يبدأُ إلاَّ بعد الاطلاع على نصوص الآخرين، والاستفادة من تجاربهم وملاحظاتهم، وتقبل النقد من آباء القصة، وتقديم المتاع الذي يُتَقَبَّلُ، وإذ ذاك فقط تطولُ الدَّهْشةُ والمُتْعةُ…
أرجو أن تنالَ هذه القصص بَعْضاً من إعْجابِكم، أو على الأقلِّ أنْ تُقدِّروا طولَ فكري وتعبي…”

حقا أستاذ الخضر التهامي ، أقدر تعبك ، و صبرك ، و فوق هذا ارى في كتابتك القصيرة جداً …فتحاً قريباً ….

تحياتي / مسلك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.