عبد الباري عطوان
كنت وما زلت، أتمنى لو ان السيدة كريستينا فيرنانديز دي كريشنر، واحفظوا هذا الاسم جيدا، زعيمة للأمة العربية كلها دون استثناء، فبينما ينشغل قادة ووزراء خارجية دول عربية بتقبيل أيادي السيدة تسبي ليفني وزيرة “العدل” الإسرائيلية، احد ابرز مجرمي الحرب الثانية والثالثة على قطاع غزة، ويتمسحون بها تبركا، ويتنافسون على إظهار “اعتدالهم” وحرصهم على السلام والتطبيع، وربما تقديم التهاني لها ولجيشها على المجازر في قطاع غزة، تقف هذه المرأة الشجاعة على منصة مجلس الأمن الدولي لتتحدث عن تناقضات السياسة الأمريكية وتفضح أكاذيبها، وتكشف وجهها العدواني القبيح وأنيابها المتعطشة لسفك الدماء، دماء العرب والمسلمين على وجه الخصوص.
السيدة كريستينا هاجمت سياسة الولايات المتحدة العدوانية التي تتغطى بغطاء الحرب على الإرهاب، وقالت بالفم الملآن ودون تلعثم وبلغة قوية: “كنتم تدعمون المعارضة الذين قلتم لنا أنهم ثوار واليوم نجتمع في هذا المجلس لمحاربة هؤلاء الثوار بعد أن تبين أنهم إرهابيون، وأصدرتم قرارا بمحاربة تنظيم “القاعدة” بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، واستبحتم بلاد وقتلتم مئات الآلاف من أبنائها تحت هذه الذريعة في العراق وأفغانستان وما زالت هاتان الدولتان تعانيان من الإرهاب بالدرجة الأولى”.
وذهبت هذه السيدة إلى ما هو ابعد من ذلك عندما انتصرت لضحايا الإرهاب الإسرائيلي في قطاع غزة، وهو ما لم يفعله أي زعيم عربي، عندما قالت “غضضتم النظر عن فداحة الكارثة التي ارتكبتها إسرائيل وموت العديد من الضحايا الفلسطينيين وركزتم كل اهتمامكم بالصواريخ التي سقطت عليها والتي لم تؤثر أو تحدث أي خسائر في إسرائيل”، وأضافت “اليوم نجتمع هنا لإصدار قرار دولي حول تجريم “الدولة الإسلامية” ومحاربتها وهذه الدولة مدعومة من دول انتم تعرفونها اكثر من غيركم ، وهي (الدول العربية) حليفة لدول كبرى أعضاء في مجلس الأمن”.
***
قطعوا عنها الترجمة حتى لا تصل كلماتها إلى العالم بأسره، والقنوات الفضائية التي كانت تبث وقائعالجلسة على الهواء مباشرة، وادعوا ان هذا الانقطاع، الذي لم يحدث مطلقا في تاريخ مجلس الأمن، جاء بسبب خلل فني، فالأخ الأمريكي الأكبر لم يعجبه قطعا هذا الكلام، فلجأ إلى أساليب الإرهاب الفني والتقني لحجب الحقائق عن من ينتظرون سماعها.
الزعماء العرب الذين اعتلوا منبر الجمعية العامة للامم المتحدة القوا كلمات باهتة، مملة، تقطر نفاقا لأمريكا، وتسهب في إبراز خطورة إرهاب “الدولة الإسلامية” والإسلام المتشدد، ولم يعرج إلا القليل جدا منهم، وعلى استحياء شديد، للإرهاب الإسرائيلي.
امريكا لا تستطيع “توبيخ” رئيسة الأرجنتين لأنها وقفت في خندق الشهداء والجرحى واليتامى في قطاع غزة، لأنها رئيسة منتخبة، وتتزعم دولة تحرص على سيادتها، وتحترم شعبها، وقبل كل هذا وذاك تنحاز لقيم العدالة وحقوق الإنسان والكرامة في العالم بأسره ولا تخاف أمريكا، فالخوف لا مكان له في ثقافتها وتراثها.
نعم إنهم يحشدون الطائرات من أكثر من أربعين دولة، لمواجهة “الإرهاب الإسلامي” وليس الإرهاب الإسرائيلي، ويفتخر طيارون يقولون أنهم عرب، وينتمي بعضهم إلى اسر حاكمة، بأنهم يدمرون آبارا نفطية عربية، بينما يجتمع قادتهم، أو وزراء خارجيتهم، بالسيدة ليفني على مائدة العشاء لتوثيق العلاقات وتكريس التطبيع، والإشادة بالسياسات الإسرائيلية الحضارية في تدمير قطاع غزة.
***
نكتب بغضب لأننا نشعر بالقهر والخذلان ومرارات الهزيمة، ونحن نرى أفعال حكامنا، وكيف تنهب ثرواتنا أمام أعيننا، وكيف تزهق أرواح المزيد من أبنائنا بقذائف طائراتنا المقاتلة التي لم نر أي منها في الحروب مع إسرائيل وربما لن نراها جنبا إلى جنب مع نظيراتها البريطانية والأمريكية.
بسبب هذا الهوان والتفريط وانعدام الوطنية يتدفق الآلاف من الشباب العرب إلى سورية والعراق للانضمام إلى صفوف جماعات الإسلام السياسي المتشدد، وقطعا سيزداد هذا التدفق مع كل طلعة جوية للطائرات العربية أو الأمريكية في البلدين.
أقول شكرا للسيدة كريستينا.. شكرا على شجاعتها.. وشكرا على أنوثتها التي تفوقت على رجولة من يدعون إنهم رجال، شكرا أنها نطقت بالحق دون ان تخشى أمريكا، وطائراتها وصواريخها وأساطيلها، وهنيئا للزعماء العرب تمسحهم بالسيدة ليفني، واستجدائهم لرضاها، واذا كانت الشعوب لن تحاسبهم، وهذه قمة المأساة، فان التاريخ لن يرحمهم.
هذه الشعوب التي أنجبت كاسترو وتشافيز وموراليس وجيفارا ليس غريبا عليها أن تنجب هذه “النمرة” كريستينا ولا عزاء للجبناء.
*- رأي اليوم
http://www.alalam.ir/news/1636585