من ذكريات المكتبة.
ذلك اليوم من أواخر مارس، كان يوما مختلفا عن سائر أيّامنا في المكتبة. أوّل مرّة و منذ سنتين و نيف. تزور المكتبة فتاة. لم نتعود على هذه الظّاهرة. كان عدد الفتيات اللّواتي يدرسن محتشم جدًا أوائل الستينيات أذكر في فصلي الدّراسي لم تكن إلا فتاتين فقط: بنت مدير المدرسة، و بنت أحد المعلمين.
لهذا لفتت انتباه رواد المكتبة الزّائرة الغريبة، بأناقتها، و وسامتها ، و لباسها الأوروبي.. فبدأ الهمس و الوشوشة، و هامت العيون تتابع تنقلاتها بين رفوف الكتب، و انقطع حبل المطالعة..
أخذتْ كتابًا بالفرنسية و عادت إلى قاعة المطالعة تبحث عن كرسي. فقام ثلّة من الرّواد يعرضون كراسيهم دفعة واحدة. فأشرق وجهها بابتسامة شكر و امتنان. فتنبه قيّمُ المكتبةفجاءها بكرسيه، و عاد ليجلس على جانب المكتب. كنت رغم صغري، أتابع ما يجري بفضول و اندهاش…أعتقد ألاّ أحد قد طالع شيئًا تلك العشية . عدا تلك الزّائرة التي لاحظتُ أنّها ملأتْ ورقة ببعض المعلومات التي استقتها من الكتاب. ثمّ انصرفت تلاحقها عيون شاردة مستلبة..
في البيت أخبرت أمي بأن فتاة زارت المكتبة اليوم.
فتبادلت أمي نظرات غريبة مع زوجة عمّي و همهمت:
ــ (كفاش؟!) صار هكذا..
ــ ……………..؟!