قراءة لقّصة قصيرة حدًا (الوجيز) للقاص مهدي الجباري

قراءة لقّصة قصيرة حدًا (الوجيز) للقاص مهدي الجباري

إن عملية التّخييل ( Fiction) عملية تميّز النّص السّردي القصصي عن غيره. فكلّما كان المُتلقي يعيشُ تخييلا ما، كان في قلب الحدث، و الأجواء المحيطة. و كلّما عاش اللاّ تخييل، انتابه شعور بأنّه يقرأ تقريرًا ليس إلا. فنص ” الوجيز ” الذي تحن بصدده دال على مدى تعامل القاص مهدي الجابري و مصطلح التّخييل الذي المراد به فعلُ الخيال (Fantaisie ) .

نص : الوجيز

سرقت النوم منه بلا رحمة حاول انتزاعها من عقله. استدرجته بلسانها المعسول:

ــ لماذا أنت مستاء مني حبيبي؟

ــ أنتِ شغلي الشاغل.

ــ إن كنت تحبني لماذا لا تعلنه أمام الملأ ؟

ــ لا أستطيع ذلك خوفا من القصة القصيرة.

1 ــ العنوان : الوجيز.

الوجيز: صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من وجُزَ، و كلامٌ وجيز: قصير، سريع الوصول إلى الفهم، أسلوب وجيز: معبِّر بقليل من الألفاظ عن كثير من المعاني.

و من ذلك مصطلح “الأدب الوجيز”، و يتضمذن مجموعة من الأجناس، لا يجمع بينها إلا قِصرُ الحجم كالمقامة ، و الشذرة و الطرفة ، و الهايكو، و شعر الومضة ، و المثل و (ق ق ج) ، و الحكمة ..) و عموما و كما أسلفنا في كتابة سابقة ، فهو مصطلح ملتبس، و غير دقيق دقة المصطلح. و بخاصّة حين أصبح لا يعني عند البعض إلا ال (ق ق ج) كما هو في النّص.

2 ــ المحتوى :

النّص اعتمد خاصية التّخييل فأنْسَن َ، ال (ق ق ج)، فأصبحت الحبيبة التي تنال من راحة صاحبها، فتحرمه لذّة النّوم ، رغم محاولته المقاومة ،عسى أن ينتزعها من عقله بدون جدوى. استولت عليه بسحر لسانها، و اشتكت من استيائه فما كان منه إلا أن أعربَ لها عن انشغاله بها. فلم يُرضها ذلك بل طالبته أن يعلنَ على الملإ حبّه لها، فاعتذر بأنّه لا يستطيع خوفا من القصّة القصيرة.

و هكذا جمع التّخييل واقع الخيال ( ق ق ج ) / الحبيبة ، و الوا قع (القصّة القصيرة )

3 ــ المفارقة :

المفارقة دائمًا و ابدًا تشكّل عصبَ الصّراع الدرامي في ال (ق ق ج). فأحيانا تأتي بينة ظاهرة، و أحيانًا يلفُّها السياق، فتصبح أداة تختفي بين السّطور القليلة، لا تنكشف ُإلا من خلال قراءة استنباطية تحليلية… أماّ في هذا النّص فهي واضحة :

حب و انشغال =/= استياء و عدم إعلان على الملأ

فكيف لعاشق مُستهام، أن َيستاء و يُفكرَ في انتزاع هذا الهَوسِ الغَرامي من عَقله ؟ تناقض صارخ. و مفارقة مُمعنة في التَّضاد. فكما هي حيرة لدى البطل، فكذلك هي حيرة أخرى لدى المُتلقي. لكن سؤال العشيقة/ الحبيبة ال (ق ق ح)، عمّق المُفارقة :

ــ ” إن كنت تحبني لماذا لا تعلنه أمام الملأ ؟”

فجاء الرّد مُفاجئا، و غير منتظر ضاعف من حيرة المتلقي:

ــ” لا أستطيع ذلك خوفًا من القصّة القصيرة. “

فما دخل القصّة القصيرة ؟ و أي سلطة تمارسها في حقّ البطل؟ و لماذا يَخافها؟ تلك هي الأسئلة التي تحد قيمةً النّص القرائية . و ترمي بظلالها على ذِهنية المُتلقي فينشغل بالتَّأويل عساه يَطمئنُّ لتفسير ما..فإذاعادَ لإبداعات القاص سَيجد أنَّه بدأ بالقصّة القصيرة . و له منها مجموعتان:

ــ غناء القصب/ 2021

ــ شمس تشرين /2022

ثمّ بعدَ ذلك جاءت مجموعتا القصة القصيرة جدًا.

ــ أتوا على قميصنا بدم كذب/ 2022

ــ جراح تنزف حبرًا / 2024

فالبطل / القاص ممزّق بين القصيرة ( الحب الأوّل ) و القصيرة جدّا (العشق الطاّرئ ). فهو حين يعلن خوفه من القصّة القصيرة، إنّما يترجم معاناته في معايشة مفارقة لا يَستطيعُ استيعابها ،أو الفصل فيها، فيترك نفسه لعبة أهواء قديمة و جديدة. كمن يعاشر زوجة /أمُّ الأولاد. و يلهو بغرام في الخفاء..حتْما سيعيش عُصاب الَخوفِ و القلقِ و الاضْطراب..

و برؤية أخرى، و قراءة مُختلفة ، في إطار تنازع التّأويلات.. فإنَّ النّص بِخرْجتَه المفاجئة قدْ يعبِّر عنْ تناقضات عصرنا الحاضر.( Paradox of our times) إذ نجد فائضًا في كمية الانتاج ِ، و نقصا في النّوعية. ( Quality)

4 ــ لغة النّص:

تمتح من لغة المجاز التي تناسب ال (ق ق ج)، و تحافظ على كثافتها اللّغوية. فضلا عن الاستعارة المكنية: ( سرقت النوم منه بلا رحمة حاول انتزاعها من عقله. استدرجته بلسانها المعسول) مع توظيف الحوار..و إن كان نادرا في ال( ق ق ج) إلا أنّ القاص مهدي الجابري وظّفه حريصًا على الدّقة و ذكر ما يخدم الفكرة، و قد جاء مُهيمنا على النّص، متحاشيا اللَّفظ الزَّائد.مُنسابًا في تركيب بَسيط و لغة واضِحة..و ذاك من خصائص لغة الحوار.. و هكذا زاوج النّص بين لغة المجاز (Allegory ) في تصدير النّص، و انتهى بحوار ببنية لغوية ظاهرة.

القاص مهدي الجابري من خلال هذا النّص، و نصوص أخرى من مجموعته الأخيرة ” جراح تنزف حبرا”أبان على أنّه على وعي بفلسفة ال (ق ق ج)، سواء من حيث الّلغة القصصية، أو بناء الفكرة/الحدث.، أو الاهتمام بنَسج المُفارقة، و اعتمادها لِضمانِ اسْتمرار الصِّراع إلى الخرجة، التي تنفتح على أسئلة قد تعيد ترتيب الأشياء ، و تخرق أفق انتظار المتلقي ..

* مسلك *

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.