الآن تكون قد مرّت سبعة عشر عاما كاملةعلى زيارتي لبيروت، التي صادفت السابع أبريل من سنة 2001 للمشاركة في ملتقى اللّغة العربية للنّاطقين بغيرها .
فبعد إلقائي لمداخلتي ، و في بهو الفندق، اقترب منّي و حياني بحرارة، أثنى على المداخلة و ما جاء فيها .. ثمّ أخبرني أنّه يتابع كتاباتي حول القصّة القصيرة جداً ،.و أنّه نشر مجموعة قصصية و ندم لأنّه تسرّع في النّشر، و النّقد لم يحفل بها . و سألني هل أسمح بالاطلاع على مجموعته الثّانية قبل النّشر. فرحبتُ كعادتي، فما كان منه إلاّ أن أخرج المجموعة مرقونة من محفظته ، و هو يقول : “منذ علمتُ أنّك ستأتي بيروت، و تشارك في الملتقى، و المجموعة لا تفارق محفظتي ..” سعدت بهذه التّقدير و الكلام الطّيب، و وعدته أن أطّلع على المجموعة بعد عودتي إلى المغرب و أزوّده بما أرى..
بعد عودتي ، مرّ شهر كامل، و صادف الأمر موسم الامتحانات ، فلم أطلع على المجموعة لكثرة مشاغلي في تلك الفترة .. فراسلني يستعجلني ، لأنّه لا يريد أن يُضيع فرصة نشر غير مكلفة …فبحثت عن المجموعة بين كتبي، و مسوداتي… فلم أجد لها أثراً.. بل قضيت صباح يوم كامل في مكتبتي أبحث حتّى في الأماكن التي لا يمكن أن أضع فيها مثل تلك المجموعة . فشعرت بحرج كبير…و في المساء أخبرته أنّني افتقدت المجموعة فلم أجدها.
فأذكر أنه سخر متهكماً و قال :” لعلّ حاستك النّقدية نفرت منها فتركتها في الفندق سهواً ..”
المهم أنّه بعثها من جديد .فأردت أن أتدارك الوقت، فأجّلت بعض أعمالي، و تفرّغت لقراءتها… المشكلة، لم أجد في كلّ ما قرأت أثراً للقصّة.. فكلّ ما في المجموعة حكايات، و خواطر، و طرائف ..بلغة عادية صحفية مباشرة ..فيها الكثير من الهينات و الهَفوات اللّغوية و النّحوية ..و المشكلة الآعظم، أنّه يطلب منّي مقدمة للمجموعة !!
فمكثت يومين أفكر : ما عساني أقول للرّجل ؟
و كما هو طبعي ، لا أجامل في مثل هذه الأمور. كتبتُ إليه أن يؤجّل النّشر ،و يهتمّ بما سينشره.. فعمدت إلى تصحيح النّصوص حتّى استقامت ، و اخترت أقلّها مما هو قريب من روح (ق ق ج ) و طالبته أن يعيد النّظر في الباقي على ضوء ما بدا لي من توجيهات يومئذ …
و عمدت إلى أربعة نصوص طويلة نسبياً فاختزلتها، لأوضح له فقط أنّ هذا الفنّ يعتمد لغة الاختزال و الحذف و الاضمار …
انقطعت صلتي به قرابة السّنة ، هو لم يسأل ، و أنا أخذتني مشاغل الحياة .إلى أن كانت المفاجأة في صندوق بريدي ، و جدتُ ظرفاً من بيروت، بداخله مجموعة قصصية بطباعة جيّدة . كانت هي نفسها المجموعة التي اطلعت عليها، بنفس النّصوص التي صحّحتها لغوياً و نحوياً و لم أرض عنها فنياً..بل الأدهى و الأمر ، وجدتُ النّصوص الأربعة التي اختزلتها فقط للتّوضيح وُضعتْ كما اختزلتها !!! و أنّ المجموعة بتقديم كاتبة لا داعي لذكر اسمها، لم تجد ما تستشهد به فنياً إلا نصّين ممّا اختزلت للتّوضيح …
لهذا كلّما تفحّصت أرشيف مكتبتي الخاص بالمجموعات القصصية، و وقع نظري على هذه المجموعة، أشعر بجسمي يتكهرب..