إن هذا الفن من الأدب هو جديد على الأدب العربي إذا نظرنا إليه بالمنظار الفني الاصطلاحي المعاصر، إلا أن القصصَ معروفٌ في تاريخ الحضارة العربية وآدابها منذ العصر الجاهلي مروراً بالعصر الإسلامي؛ فإلى جانب أيام العرب وأخبارهم والحكايات التي كانت تدور على ألسنتهم، جاء القرآن الكريم وقص علينا أخبار الأوائل والقبائل والأمم والأنبياء؛ فحفلت سور البقرة ويوسف ومريم والنمل والكهف وغيرها بقصص شائقة فيها العبر والدروس والأخلاق والدين والعقيدة.
ثم ظهرت الكتب المفردة ذات الاتجاه القصص الوعظي التأملي أو النقدي التهجمي الساخر، من ذلك كتاب (كليلة ودمنة لابن المقفع) في القرن الثاني الهجري، وقد عَرَّبَهُ عن الفارسية التي نقلته بدورها عن الهندية، وكان أغلبه رمزياً على ألسنة الحيوانات.
وقرأنا للجاحظ (كتاب البخلاء)، وهو عبارة عن أقاصيص ونوادر عن أهل الجمع والمنع في القرن الثالث للهجرة، وكذلك الشأن مع بديع الزمان الهمذاني في القرن الرابع للهجرة في مقاماته الشهيرة، ومع أبي العلاء المعري في (رسالة الغفران) التي أملاها سنة 424 هجرية.
إلا أن العرب لم يعرفوا القصة ولا الرواية على النحو الذي يقصده النقاد المعاصرون اليوم؛ باعتبار القصة تتناول قطاعاً واسعاً من الحياة الإنسانية يمتد فيها الزمن وتتشعب الحوادث وتتعدد الأشخاص، ويعتني فيها الأديب بالتفاصيل والجزئيات؛ فيعطي صورة كاملة لبيئة من البيئات أو مجتمع من المجتمعات أو فرد من الأفراد.
وقد حدد عز الدين إسماعيل في كتاب (الأدب وفنونه) ماهية القصة القصيرة وشروطها وفقاً لما قال عنها (إدغار ألان بو) من أنها غالباً ما تتحقق فيها الوحدات الثلاث التي عرفتها المسرحية الفرنسية الكلاسيكية، وهي: الحدث الواحد، والوقت الواحد، والشخصية المفردة أو الحادثة المفردة أو العاطفة المفردة.
عرف أدبنا العربي فن القصة القصيرة مترجمة، وذلك في أواخر القرن التاسع عشر، وبدأ الكُتَّاب العرب في كتابتها منذ أوائل القرن العشرية، ثم بلغت مرحلة النضج على أيدي أدباء المدرسة الحديثة ومشاهير كتابها، أمثال: محمود تيمور، ومحمود طاهر لاشين، ويحيى حقي، وغيرهم.
ويمكن اعتبار أول قصة قصيرة عربية هي قصة (رمية من غير رامٍ) لسليم البستاني (1847 – 1884 ميلادي) نشرها في مجلة الجنان اللبنانية سنة 1870.
ثم ظهر رواد القصة الحقيقيون أمثال مصطفى لطفي المنفلوطي صاحب (النظرات)، و(العبرات) و(الفضيلة).
وكذلك جبران خليل جبران صاحب (الأرواح المتمردة)، و(الأجنحة المتكسرة)، و(عرائس الموج).
وميخائيل نعيمة في قصصه (كان يا ما كان)، وغيرها.
كما أن البداية الحقيقية لفن الأقصوصة في مصر كانت مع محمد تيمور في (ما تراه العيون).
عن bahthoarabia
د

