الأستاذ عبد الرحمن الخرشي / مراكش
البحث والدراسة لحظتئذ في أمر القصة القصيرة جدا أو ما أطلق عليه البعض”بدعة العصر الفنية ” في المغرب يفضي إلى نتائج جد مقلقة، وربما أحال على نتائج لا يرتضيها الدارس والباحث من عمله وهو يحاول أن يحكم خيوط الدراسة والبحث بما يعري إشكال القصة القصيرة جداً باعتباره أمراً/جنساً لم يتم الحسم فيه، ومن الأجدر بالدارس والباحث في هذا الجنس- واقعا وتأملا – أن لا ينخدع بما يحاول البعض أن يسوقه في الواقع العملي باعتباره فتحا من الفتوح المعتبرة لهذا الجنس الأدبي المنفوخ فيه- لغاية الاقتناع بوجوده وبنتائج البحث والدراسة التي أنجزت إلى حد اليوم فيه !!. من هذا المنطلق وجدتني مضطرا إلى التصريح- غير مجامل – بالقول: إن واقع هذا الجنس في الطفرة الكمية التي تُحْسَبُ عليه لا يبشر المشتغلين عليه اليوم- إبداعا، نقدا، دراسة، وتتبعا– بخير.. فهؤلاء وإن كان ظنهم أنهم يشاركون في بناء فن ذو قيمة عالية، ويحتمي بالجمال، ويثير الحواس، ويستفز الذهن، ويعمق الفكر، ويلهب المشاعر الإنسانية، ويشبع حاجات الإنسان الضرورية، فهم في ظنهم واهمون !. قلت هذا لما وجدت كتاباًسخروا كل جهودهم للكتابة في جنس القصة القصيرة جدا لا يبغون دونه أي جنس آخر من أجناس السرد الأخرى، تلك التي وجدتها خارج اهتماماتهم. كما وجدتهم يكتفون بكتابة نصية يكتبونها ويقيمونها- هم ومن يحسنون الصنعة – بـميزان( الخردة )، ويزاحمون بما يكتبون الكبار والصغار. وكل ما كتبوه لم يصل عندهم إلى مستوى مقبول من النضج.
د مسلك ميمون
ومن منطلق قوة الحضور، ومن انعدام الشرعية الفنية، وقبل الاستئناس بضوابط محددة باعتبارها تشكل ميثاق الإبداع والنقد، وجدنا أن كتابة هؤلاء سلكت طريقا غير ممهد؛ فمن مدعي أنه يطرح نظرية جديدة في القصة القصيرة جدا- والمولود لم يكتمل في النضج – إلى سالك في كتابتها سبيل السهولة، والتسيب، والغثاثة، والميوعة، والإسهال في الكتابةالمحملة بما يجعلها تلقى حتفها بمقاييس الإبداع الحق.. وقبل أن تجد من الرضا والقبول- عكس ما يتوهمه البعض – فإن هذا الجنس لحد الساعة لم يُشرع نوافذه في مجال الإبداع والكتابة الأدبية النثرية. كما أن القصة القصيرة جدا لم تحظ بكثير من الاهتمام- من حيث القراءة – كما كان الأمر في طفولة القصة القصيرة والرواية – وأؤكد أن القصة القصيرة جدا بالصورة التي هي عليها اليوم لن تحظى بالقبول والتواصل العفوي من قارئ مهتم أو غيره مادامت دار لقمان على حالها؛ تربكها العشوائية والفوضى؛ فوضى اللغة، وفوضى التجنيس، وفوضى الانفتاح على التجريب، والشعرية المزيفة… وهي بما هي عليه لن تحقق إضافة نوعية، أو رسالة كونية أو اجتماعية، أو حياتية كما الأجناس الأدبية الأخرى…
ومما تأكد لي كباحث في الأمر هو أن ما يعرفه إبداع القصة القصيرة جدا اليوم من فوضى شبيه به ما يعرفه نقدها ومتابعتها !!.. ودعني أسأل: أين المتابعة والنقد لغاية تصفية ما يكتب اليوم في هذا الجنس من الشوائب؛ شوائب طالت لغة” المبدع “، وكرست وهم تنظير” النقد ” المبالغ في حدوده. بل وهلهلت معطيات واقع هذا الجنس؟. فجل كتابها اليوم يكتبونها من أجل” مداعبة الورق بالحبر، وتبادل المجاملات على صفحات النت لا لخلود منشود لما يكتبون في الحياة كما الإبداع الحق في أجناس أدبية أخرى”.. أقول هذا وأستبعد قلة من المبدعين والنقاد اكتملت تجاربهم لما نهلوا من التراث، ونهلوا مما هو معاصر بناء؛ أستبعد قصاصين سبروا مناحي الحياة، وعكسوا رؤاهم الشخصية في تجارب واعدة بالعطاء والغنى.. وأستبعد من هذا الحكم- أيضا – مجموعة من النقاد لهم مني الإشادة على ما ذبجوا وما نشروا من بحوث ودراسات حصرت خصائص هذا الفن، وعرفت به، وبتاريخه وما طرح من إشكالات جدير بها أن تعرض- جديا – على مائدة الدراسة والبحث. أذكر منهاالدراسة المطولة” القصة القصيرة جدا بالمغرب: ببليوغرافيا وتأريخ”(1) لما لها من علاقة بما ذكرت؛ دراسة أذهلتني بما اختزنت من تجربة في البحث في الموضوع، كما أذهلني ما بذل فيها كاتبها من جهد. لكن ما حز في نفسي، وزاد من كربي، وضاعف من همي وغمي – أنا المتابع لجهود الدكتور ميمون مسلك أستاذ الأدب العربي والنقد وعلوم اللغة في مجالي الإبداع(2) والنقد والتنظير في القصة القصيرة جدا – أن هذه الدراسة وغيرها من الدراسات والبحوث المنشورة ورقيا وإليكترونيا لم تلتفت إلى ما قام ويقوم به هذا الكاتب الأنيق الجاد، وهذا الناقد الحصيف لجنس القصة القصيرة جدا؛ إذ حري به أن يدرج وما كتب مع الكتاب السوالف ومع الخوالف، وأن يكون محط عناية وتقدير المنصفين من الكتبة؛ كتبة هذه البدعة الفنية الجميلة دون حزازات. وهذا من بعض ما جعلني أعتقد بعدم مصداقية ولا جدوى ما كتب عن هذا الجنس المثير للريبة، والجدل !!.
فمن يكون يا ترى الدكتور ميمون مسلك، وما مكانته التي يجهلها بعض الدارسين؟.
وصفته كاتبة سعودية معاصرة ومهتمة بـكونه” وحيد زمانه في فنه(3) “، كما اعتبره كاتب مغربي بأنه” صاحب مدرسة “، أما الكاتب الجزائري- عبد القادر بوميدونة – فقد اعتبره” فلتة من فلتات زمن النقد القصصي..! “.. أما الكاتب أحمد المدهون فقد اعتبره صاحب” مبضع في التحليل، وإزميل في التعبير لا أسنّ ولا أشحذ “. كما نوه به وبجهوده في النقد، والإبداع كتاب مغاربة كبار في مجال القصة القصيرة جداً؛ أذكر منهم: القاص الأنيق الواعي بفنه في” ندف الروح ” إسماعيل البويحياوي، ومشرف سرديات في منتدى مطر القاص عبد الرحيم التـدلاوي… وقد أجمع هؤلاء- المشارقة والمغاربة – كلهم على أن الدكتور مسلك ميمون يؤسس اليوم مع المؤسسين لهذا الجنس؛ إبداعا، ونقدا، وتنظيرا، وتوجيها، وتنويرا، واحتضانا للمبدعين؛ يحسسهم بالقواعد والأصول، ويدعوهم إلى انتهاج طريق التريث والتكوين، ويساعدهم على انتهاج سبيل المعرفة، ويدعوهم إلى الانخراط فيما يطرح هذا الجنس من موضوعات وإشكالات؛ بل وينبههم عما يوجد في الطريق من مطبات لا ينبغي القفز عليها !.
ومما له علاقة أذكر أنني وجدت الدكتور مسلك ميمون يستميت في إذكاء الشرعية على حضور القصة القصيرة جداً في منتديات لا تقول إلا بما هو شعر أثيل أو كل ما هو” سرد خالص “. بل وهو عند من يعرف قدره من المشارقة جدير به أن يدرج في( أجندة ) المسابقات العربية المنتظمة تكريما لعطائه الوفير، ولجهوده الجبارة. لذلك نظمت جائزة مادية في هذا الجنس باسمه، وشارك فيها كتاب كبار من الوطن العربي، وفاز بها في مجال النصوص الإبداعية الكاتبان المغربيان عبد الحميد الغرباوي عن قصته” عزلة “، وحسن برطال عن قصته” نار الجنة “، والقاص الخليجي والسعودي حسن علي البطران عن قصته” ظنون “. كما فاز بالدراسات النقدية كتاب مغاربة هم الدكتور عبد المعطي الزياني عن دراسته” الماكرو تخييل في الق ق ج بالمغرب ” – 2009 -. والأستاذ عبد الحميد ركاطة عن مقالته” بين بلاغة الإضمار وتكثيف الحكي التي هي عبارة عن قراءة في المجموعة القصصية” طوفان” للقاص المغربي إسماعيل البويحياوي- 2009 -. وممن فاز بها أيضا الدكتورة سعاد مسكين عن مقالتها” التجنيس في القصة القصيرة جداً ” – 2012 -.
ماذا عن مقاربات الدكتور ميمون مسلك في القصة القصيرة جداً؟
إن رصد مقاربات وجهود الدكتور ميمون مسلك حول القصة القصيرة جدا؛ أي النظر فيما كتب وكله منشور مرة واحدة أو معاداً في مجموعة من المواقع الإليكترونية، ثم محاولة تحليله واستخلاص نتائجه لمعرفة أوجه تصوراته، ومدى بناء مشروع عمله النقدي. فهو من تلك القلة القليلة من النقاد الذين توفقوا في التواصل مع المبدعين والنقاد من الشرق العربي، ومن المغرب العربي؛ لغاية التفاعل والتواصل وفق تصوره النظري والتطبيقي الخاص؛ فاتحا بذلك المجال للتحاور، والمناقشة، والتعليق، والردود، والملاحظات؛ وهو فوق ذلك يشحذ الهمم، ويشجع المواهب، ويرسخ العلاقة بينه وبين البعض إلى حد دونه علاقة الشيخ بالمريد !!.
وسوف أعرض الآن جهود الدكتور مسلك ميمون حول جنس القصة القصيرة جداً من خلال:
1 – جهوده في مجال التنظير:
في هذا الإطار يمكننا وضع موضوعات الدكتور ميمون مسلك، وعروضه، ومقالاته، وتصوراته النظريةالمحملة بهمومه حول جنس القصة القصيرة جدا؛أذكر من هذه العروض العرض الذي ألقاه في المهرجان الأول للشعر والقصة بمدينة بني ملال المغربية(4) تحت عنوان” القصة القصيرة جداً ومعضلة الإبداع عند الشباب”. ومقالته” القصة القصيرة جداً بين النقد و اللا نقد “، ومقالته” التكثيف في القصة القصيرة جدا “، ودراسته” النص الموازي في مجموعة( وثابة كالبراغيث ) لجمال الدين الخضري “، ومقالته” مكونات الإبداع في القصة القصيرة جدا “…
فالدكتور مسلك ميمون/ حينما كتب عن القصة القصيرة جداً في هذه القراءات كتب عنها من منظور العالم بها في الحاضر عربيا وعند الغرب، وكتب عنها وهو عالم بأسرارها الظاهرة والخفية، لذلك انطبعت كتابته عنها بما تحمل من رسالة تعبد طريقها؛ لذلك وجدناه يدعو الكتاب بعامة إلى تحصين ذواتهم ضد ما نزل بتجاربهم إلى الحضيض؛ وقد قصد بذلك ما لمح له من صفات: الاستعجال، وانفتاح ما يكتبون على التفاصيل الدقيقة، والحشو، والتفسير، والتمطيط، وتقديم الموعظة، وتجاوز المراهنة على الكَـم المنتشر كالفطر في الساحة الأدبية، في شكل كتابة بيضاء فارغة من الدلالة، ومن عناصر الفن، والجمال. معتبراً ما يكتبون كتابة لا تكتسب شرعيتها باعتبارها” عملا إبداعيّا فنيّا ” إلا إذا اعتمدت شرط الإبداع ومعاييره؛ أعني اعتماده:” دقّة اللّغة، وحسن التّعبير الموجز، واختيار الّلّفظ الدّال، المتّسم بالـدّور الوظيفيّ fonctionnel والتّركيز الشّديد في المعنى. والتّكثيف اللّغوي الذي يحيل ولا يُخبر. ولا يقبل الشّطط، ولا الإسهاب، ولا الاستطراد، ولا التّرادف، ولا الجمل الاعتراضية، ولا الجمل التّفسيرية… ويستهدف المضمون الذي يقبل التّأويل، ولا يستقر على دلالة واحدة. بمعنى يسمح بتعدّد القراءات، ووجهات النظر المختلفة “.
بهذه التحديدات الصارمة يكون الدكتور ميمون مسلك قد حدد لهذا الجنس حدوده وتخومه، ورد إليه الاعتبار مما لحقه من أدعياء الكتابة فيه باعتباره جنسا عالما وذكيا، لا يحذق الكتابة فيه إلا من تشرب بفنه، وعلم بمكوناته، وحاز قسطا مهما من الذكاء.
نعم بهذه المعايير الدقيقة، وبهذه الروح الشفيفة، وبهذه الشجاعة الفائقة، وبهذه الصراحة المتناهية ألجم الدكتور ميمون مسلك بعض الأقلام المسيئة لجنس القصة القصيرة جدا، فهو يضع هذه الأقلام السائبة أمام حقيقتها الصادمة؛ وهي: أن هذه البدعة الفنية الذكية لا تأتي إبداعا إلا من حاذق امتلك مكونات اللغة والفن. وامتلك مقومات الكتابة السردية أيضاً.
ومما يعزز هذا عنده ما نقف عليه من( النصوص ) المكتوبة في بعض المجاميع القصصية القصيرة جدا، أو تلك المعلقة على صفحات بعض المنتديات الرائدة مشكلة ما عبر عنه- حفظه الله – بـ” تلال من القصص الغثاء ” تعضدها” تعاليق فجة مليئة بالمجاملات والرياء “؛ فهذا قارئ يلبس إهاب الناقد يشيد بالقفلة، دون أن يدري ما القفلة؟ وذاك يشيد بالتكثيف في نص هزيل، دون أن يدري ما التكثيف؟ وغيره ينظر لشعرية القصة القصيرة جدا بالمغرب وهو لا يدري لمن ينظر ولأجل ماذا وكيف؟. وفي واقع الأمر إن ما يكتبه الكتبة قصة قصيرة جدا ليس إلا كتابة إنشائية بسيطة وخواطر عادية كتلك التي يكتبها التلاميذ ويأتون بها لمعلم الفصل يصلحها لهم مما فيها من وهن اللفظ وهزال التركيب وغموض المعنى وهلهلة المبنى !.
ولهذا فإنني أجزم- بعد القراءة المتأنية – أن الدكتور مسلك ميمون قد دُفع إلى الاشتغال على هذا التنظير المفتوح على التنقية بما هو عملي تطبيقي، لمواجهة هذه الظاهرة لكن بهدوء. ولغاية رد الاعتبار لهذا الفن الصعب في تصوراته، وفي بنائه، وفي تشكيله الفسيفسائي الدقيق. ومشاركة منه في توضيح أهم خصائصه أو ما أطلق عليه هو:” مكونات الإبداع في القصة القصيرة جدا ” التي لا تستقيم إبداعا إلا متى ما كانت إنتاجا جديدا، نابعا من التفاعل بين المبدع وبين ما اكتسبه من خبرات، أو ما استطاع أن ينسجه على غير مثال سابق. ومما له علاقة أنني وجدته ينتقد ظاهرة استسهال الكتابة في هذا الجنس؛ بدعاوى التجريب ممن لا يختزن أصول التجربة القصصية القصيرة جدا، أو الشعرية في( نص )؛ لأن القوم أوهموه أن ما كتبه قصة قصيرة جدا وهو لا يدري حجم المأزق الذي وضع فيه نفسه .
2 – جهوده في مجال النقد التطبيقي:
نقصد بذلك أن الدكتور مسلك ميمون قد تعامل مع جنس القصة القصيرة جدا بالدراسة، والتحليل، والمناقشة، والتقييم، والتفسير؛ وذلك في مقالات، ودراسات، وتعليقات، وردود اعتمادا على نظرية الأدب، وعلى مدى رسوخ كعبه في توظيف مفاهيم مناهج نقدية حديثة محددة، وعلى سعة اطلاعه على علوم ودقائق لغة يعرب بن قحطان، وعلى ذوقه، وفكره، وشفافية روحه، وصفاء ذهنه للكشف عن مواطن الجمال فيها، وربما للكشف عن قبح ما في أعمال قصصية كثيرة؛ وذلك بطريقتين مختلفتين مباشرة عُـرضت عليه من كتابها، وغير مباشرة استدعاها هو لمقاربته لها إفادة لأصحابها، وتعميما لفائدتها.. وتحتفظ له خيوط الشبكة العنكبوتية الإليكترونية بذلك كله، وهي مشفوعة بتدخلاته وتعليلاته المنطقية الدقيقة، وبأحكامه العلمية، والمعرفية، والثقافية المسددة، وكذا تأويلاته المبنية على أصول التأويل المعتبرة، وعلى الذوق، وقدر وافر من التبصر والاستنارة، وهو ما جعل لأحكامه النقدية قبولا وتقديرا عند أغلب المبدعين الدين حظيت نصوصهم بهذا الجهد.
والدكتور مسلك ميمون في نقده ذاك يترسم خطى العلم، والدقة، ويتحرى النقد الانطباعي، أو الوصفي إلا ما استدعى الوصف بالضرورة.. وقد وجدته يتعدى الوصف فيستجير بالتفسير، والتأويل، والكشف، والتحليل، والتقويم. وهو في أسلوبه النقدي يستأنس بحسه العلمي والتربوي، ولا يجعل وكده الأساس في نقده تصيد هفوة/هفوات لغوية أو نحوية أو بلاغية فيما يعرض عليه من جنس القصة القصيرة جدا بل هو يصدر عن” وعي ” نقدي عميق؛ نظري، ومنهجي، أقصى غاياته تكريس القول:( النقد فعلُ إبداعٍ مضاعف ).. يمزج بين مفاهيم وأدوات النقد العربي الأثيل، ومقاييس ومصطلحات النقد الحديث. وقد جاءت جهوده النقدية مؤسسة على نظرية التلقي، وعلى مناهج نقدية تأويلية خارجية كالمنهج النفسي، والمنهج الاجتماعي، والبنيوية التكوينية، والمنهج التأويلي (الهرمونيطيقي)، وكأني به يسعى إلى منهج تكاملي يقنع من خلاله المبدع أنه استكنه الدلالات والبنيات الجمالية والشكلية لنصوصه وفق تصور نظري متكامل؛ سواء تعلق الأمر بعشرياته القصصية الفريدة، أوفي تنشيطاته القصصية المتميزة التي تمثل ورشات تطبيقية في حقل الـقصة القصيرة جدا حري بكثير من كتاب هذا الجنس أن يتعلموا منها اليوم:
1- العشريات القصصية:
قراءة في عشر قصص قصيرة جدا لمجموعة من كتابها من المغرب ومن العالم العربي؛ المغاربة منهم:( عبد الحميد الغرباوي، حسن البقالي، إسماعيل البويحياوي، إبراهيم أبويه، مالكة عسال… ).. أما العرب فهم: السوريون الأربع:( محمود عادل با دنجكي، نزار بهاء الدين الزين، نضال الشوفي، هيمى المفتي ). والمصريون الثلاث:( مخلص أمين رزق، د. شريف عابدين، د. محمد فؤاد منصور ). والكاتبة السودانية:( فاطمة محمد عمر العتباني ). والكاتب الجزائري ( عبد الرشيد حاجب ). والكاتب اللبناني:( سعيد أبونعسة ). والكاتب التونسي:( إبراهيم درغوثي ). والكاتبة السعودية:( د. وفاء خنكار )…
2- التنشيطات القصصية:
ورشة تطبيقية وفق ما حددها الدكتور ميمون مسلك؛ الغاية منها كما يؤكد:” خلق روح من الحوار البناء، وهو يقصد حوار على الموقع.. مما يساعد على فهم هذا الفن الجميل في الكتابة السردية “.. وهذه التنشيطات في العد سبعة عشر تنشيطا، تقوم على أساس الانتقاء؛ انتقاء الدكتور ميمون مسلك لها باعتبارها لأحد الكتاب/”الأعضاء ” وجعلها متاحة للحوار بين المهتمين في المنتدى ولمدة أسبوع. يمهد لها بأسئلة يقترحها محددا للقارئ مواضع تدخله ناقدا ودارسا لهذه النصوص من قبيل:
1- دراسة العنوان ومدى ملاءمته للنص.
2- طريقة بناء النص وتركيبه.
3- علاقة الاستهلال بالقفلة. وهكذا…
وقد سلك الدكتور ميمون مسلك في هذا طريقة إجرائية؛ ذلك أنه التزم في دراسته ونقده لتلك النصوص على الخطوات والإجراءات الضرورية الآتية: المناقشة، التحليل، التعليق، مضيفا أنه” كلما مر عشرة معلقين أنه سيقوم بتعليق شامل إلى أن ينتهي الأسبوع “؛ وهو ما يعني إتاحة الفرصة له ليتدخل تدخله التقويمي والتوجيهي العام. وقد استهل هذه التنشيطات بنص للدكتور عبد الرزاق محمد جعفر من العراق تحت عنوان( أستاذ جامعي ))5). وأنهاه بنص لأحمد الحاج محمود الحياري تحت عنوان( نـَـظـَّـارَة ٌ).. ولما لاحظ أن الردود تتشابه أو تتكرر في تنشيطاته عدل منهجه الأول بسؤال تأملي مفتوح، باستطاعة المعلق أن يستدعي أدواته، وأن يتحرر فيه، وهو:” كيف تجد هذا النص على ضوء ما تعرف عن مكونات القصة القصيرة جدا؟ “. ولعله بذلك يعلن عن تقدم مستوى المتابعين لهذه التنشيطات، وبلوغها الأهداف المنشودة.
3 – جهوده في مجال التوجيه:
قصدت بكلمة” التوجيه ” دلالتها على الإرشاد، والإخلاص في النصح تلميحا وتصريحا، والأداة التي استعمل الدكتور مسلك ميمون أسهل الألفاظ وأحسنها موقعاً في النفس، وأجمل العبارات وأقدرها على التأثير في المتلقي؛ وهي عملية أساسية أولاها أهمية في العملية النقدية لأنها كما يرى ترمي إلى استئناس المبدع مع الإبداع قبل تأطيره، وتدريبه، وتكوينه، وتوجيهه الوجهة الصحيحة، والسليمة، من أجل وصوله إلى المبتغى المنشود، والدفع به إلى الاستنارة، والاستزادة في التعرف على خصائص القصة القصيرة جدا. ومساعدته، ودعمه، وصقل موهبته وطاقاته، وقدراته الذاتية، والمهارية، للإمساك بتلابيب هذا الفن الجميل، حتى لا يختلط في الأذهان؛ أذهان المشتغلين عليه مع أجناس أخرى( كالومضة والقصة القصيرة مثلا ).
وكم كان الدكتور مسلك ميمون مسددا وهو يعالج ما اعتبره “معضلة الإبداع “؛ لما نبه كُتابا كثرا حادوا عن سبيل الإبداع الحق، وبخاصة لما اغتروا بالنفخ من لدن من احترفوا النفخ في الكير. هؤلاء الذين نفخوا فيما كتبه هؤلاء وهو هزيل، وقد رد الدكتور ميمون مسلك ذلك إلى أسباب منها:
ا – استسهالهم الكتابة تحت ذريعة ضآلة حجم القصة القصيرة جدا.
ب – عدم مراعاتهم ضوابطها الدقيقة.
ج – ضعفهم في اللغة، وعدم تمكنهم من خصوصياتها، ومن قواعدها، ومن البلاغة وضروبها…
د – ثورة المعلوميات وما يسرت لهؤلاء من” فوضى الإبداع “، وما أخفت من بريق جمال هذا الفن إلا عند الأكفاء- وهم قلة – مما ضبب صورة النقد وفتح المجال للفوضى تحت طائلة الشللية، والمحاباة، والمجاملات، والنفخ في الكير، وغض الطرف عن المساوئ والهنات الكبرى والهينات؛ وهو ما غيب الدراسة الرصينة والعميقة تلك الممهورة بالكدّ والجَـهْـدِ، والسعي لضبط خصائص هذا الفن الذكي المتمنع إلا عمن أوتي موهبة، وعمن حاز علما باللغة، وبمفاتيح هذا الفن، وترسخت قدماه في الإبداع الحق…
إذن ماذا بقي من الإبداع القصصي في القصة القصير جدا عند أشباه الكتاب هؤلاء؟.
الدكتور مسلك ميمون يثمن غير هائب: لا شئ بقي عندهم. غير” صورة مبسطة ساذجة “. وغير أنهم داسوا على مراحل تشكل الإبداع الأربع(6)؟.
إن المتتبع لتوجيهات الدكتور مسلك ميمون لكُـتـَّاب القصة القصيرة- ومنهم الكبار – يجده ناصحا أمينا للجميع بتواضعه الجم، وعلمه الغزير، وأدبه الفياض، وفنه المتنوع المتجدد، وموسوعيته في التكوين، وموهبته الأثيلة الفريدة، وذوقه السليم وبإحساسه المرهف والشفيف؛ نراه يتلذذ الجمال في زوايا كمونه، وفي مضانه الخفية. كما نراه يصدر الأحكام الدقيقة الناضجة، الغنية بالعطاء. ونجده يجيد التصويب. ويجيد الثناء متى ما وجب الثناء، وله في التشجيع طرقه الخاصة به. فهو- حفظه الله – لا يتعصب لكونية أو قطرية في التعامل مع الكُـتـَّاب، كما نجده يركز اهتمامه على النصوص الإبداعية دون غيرها بحيادية وتجرد.
4 – جهود في تعميق الحوار وإذكاء الشرعية على القصة القصيرة جدا:
وضع الدكتور مسلك ميمون أساس هذه الجهود في أعماله التنشيطية، وفي تطبيقاته العملية لأحكامه النقدية الرائدة في النقد المغربي المعاصر؛ تلك المؤسسة على مبدأ تعميق الحوار في تنشيطاته، يقول:” ما زلت أؤكد أن الهدف الذي نسعى إليه من وراء هذا التنشيط هو خلق روح من الحوار البناء الذي يساعد على فهم هذا الفن الجميل في الكتابة السردية “. وهي أيضا زبدة مجموعة من إبداعاته النصية التي تنتظر الطبع في مجموعته القصصية التي وعد بطبعها قريبا.. وقد نشر بعض هذه التنشيطات في مواقع دون عناوين، وبأرقام. وقد أطلق عليها اسما طريفا هو( المرقمات )(8)، وقفت منها على ذوات الأرقام:( 8. 11. 13. 16. 35. 48. 51. 52. 53 ).
وقد دعا القارئ إلى التفاعل معها وبخاصة قارئ امتلك مقومات القارئ النبيه، والمهتم. وقد قصد من كتابته لها كما يقول:( دراسة بعض الظواهر التي تسكننا، وتميزنا، وتحدد سلوكنا.. ونحن في غفلة عنها… ). كما فتحها على الإفادة؛ إفادة المتلقي. لذلك سلك في كتابته لها أسلوبا جعله” يبسط المعرفة بشكل يسهل من هضمها واستيعابها “(7). كما انتهج فيها سبيل الحوار مع المشتغلين على هذا الجنس وذلك وفق قاعدة افتراضية تحمل القارئ على وضع افتراضات، أو أسئلة، وحمله على متعة الكشف، والتأمل، وخلخلة اهتماماته، أو استفزازه؛ وتلك الغاية فرضت عليه التعبير وربما التواصل ببساطة فنية أساسها الاقتدار، والتمكن، والتبليغ بالسهل الممتنع.
ومما هو مثير للتوقف عنده في هذا المجال عند الدكتور ميمون مسلك أنه في نصحه وفي إرشاده للمبدعين وتقييمه لجهوده هو أنه لبس جلباب التواضع الجم- شبيه به تواضع العلماء والصالحين – وبخاصة لما وصف أعماله التنشيطية هذه بـكونها” محاولات متواضعة “، وهي في واقع أمرها عظيمة القدر، جليلة القيمة.
ومما أعطاها قيمتها أكثر أنها تعبر عن قناعاته الفكرية، والقومية، والدينية، والإنسانية، كما أنها تعبر- عميقا – عن استعداده الدائم لحوار هادئ مع المبدعين والنقاد والباحثين بكثير من السرور، والتفهم، والتفاؤل، وهو وإن فعل كل ذلك فبروح الكاتب الساخر، المنتقد للمجتمع !!…
وتحضرني هنا صرخته المذوية ودفاعه المستميت في أحد المواقع الأدبية الرصينة والأثيلة(7)، لما انبرى يحاور إدارة الموقع والمتعاونين معه قصد إقناعهم جميعا برأي ظل مخلصا له في حياته العملية.. لكن لما أصم الموقع الأذن في شأن اقتراحه فيما يتعلق بفصل ركن القصة القصيرة جدا عن ركن مادة( سرديات ) ومطالبته أهل المنتدى بتخصيص ركن خاص بالقصة القصيرة جدا معزولا.. وكم كان الدكتور مسلك ميمون متحمسا ومشاكسا- في لين – لما هدد أصحاب الموقع بالتفكير في( ربيع قصصي ) على شاكلة( الربيع العربي ) إن هم لم يقتنعوا برأيه المنتصر والداعم لهذا الجنس الأدبي المتمنع إلا عمن امتلك آلياته بالفطرة، وبالعلم والذكاء الخارق وهم خلق قليل !!!.
5- أما بعد:
لا شك أن الناقد الفذ مسلك ميمون يصدر في تنظيراته للقصة القصيرة جدا عن ثقافة رصينة، وعن وعي لغوي وفني عميق، ودراية منهجية صارمة. وهو في مجال إبداعه لها علامة بارزة لا يغفل عنها إلا من في قلبه مرض. وإن تجاهل دور هذا الرجل في هذا الجنس في بعض الكتابات ليعكس أزمة جنس” القصة القصيرة جدا ” عند المشتغلين عليها نقدا ودراسة وتحليلا، وإن كنت لا أعفيه من المسؤولية في فرض الذات على هؤلاء لكونه اكتفى بالتواصل النتي لا بغيره وبخاصة الكتابة الورقية التي كانت ستقيه هذا التجاهل !!.. وحري بمن تجاهل جهود الدكتور مسلك ميمون صاحب الأفضال على القصة القصيرة جدا- عربيا – أن يذكره: منظراً، وناقداً، ومبدعاً، وموجهاً، وناصحاً، ومرشداً، ومحاوراً.. وإن كان لي من عتب عليه فهو أنني لاحظت تبنيه ومناصرته لظاهرة الكتابة باللّغات الأخرى وبالحروف العربية( كازابلانكا ) لمدينة الدار البيضاء، ( البلايستيشن ) لأنظمة ألعاب” الفيديو “. وكذا تسويغه لغاية فنية استعمال(المزج المتجانس المحبب اللّطيف بين الفصحى واللّغة اليومية للإنسان العاديّ )(9)، واستعماله في الكتابة للمثل المصري الدارج، وكذا اللهجة الخليجية من مثل( عندي حرمة وبنات يا رجل ! خلّ عندك نظر !.) و(الجوعان يحلم بسوق العيش )، و( اللخبطة )، و( شد حلك )، ومما له علاقة التسامح عند التوجيه والملاحظة في تمرير لغة المنتديات الهابطة وبخاصة تشتيت وبعثرة حروف الكلمات بشكل لم تعرفه لغة الضاد ولا تستسيغه( هههههه مثلا ). وأدعو لأخي بالتوفيق والسداد، كما أدعوه إلى الاعتداد بنفسه فدوره مشهود، ومكانه في الريادة محفوظ. وأدعوه أن لا ينتظر شهادة ما على منزلته في مجال القصة القصيرة جدا وبخاصة ممن احترفوا الشللية، والركض وراء السراب والوهم وهم في حلم اليقظة سادرون!!!.
—————————–
(1) للدكتور جميل حمداوي منشورة على النت على الرابط:
http://www.doroob.com/archives/?p=45283
(2) وقفت على ترجمات لبعض أعماله إلى التركية( المترجم: هيثم الزهاوي ) وإلى الإنجليزية( المترجم: شريف عابدين ) وإلى العبرية( المترجم: عبد الوهاب محمد الجبوري ).
(3) تقصد كتابته النقدية وإبداعه في القصة القصيرة جدا.
(4) بتاريخ 27 / 28 نونبر 2010.
بتاريخ 29 / 8 / 2010. (5)
(6) إعدادا، فاحتضانا، وإلهاما، فتحققا.
(7) شريف عابدين:
http ://www.wata.cc/forums/showthread.php?92770-ظ‚-ظ‚-ط¬-(35)
(7) منتدى القصيدة العربية.
(8) كما رسائله التي يتحف بها محبيه صباح كل جمعة( الميمونيات ).
(9) كما هنا:
http://www.saddana.com/forum/blog.php?b=240
المصدر : موقع مطر ــ http://www.matarmatar.net/articles/32/