لمّا كتبتُ هذه القصة القصيرة جداً كان ذلك في مطلع التسعينات، ربّما سنة 1992 إن لم تخني الذّاكرة . و أذكر أنّني كتبتها في الصّباح، و بعثتها للجريدة مع نصين آخرين في نفس اليوم ..
بعد الظهر عدت إلى هذا النّص . فتمنيت لو أنّني لم أبعثه. بل تمنيتُ ألا يُنشر، لكن طلع الملحق الثّقافي للجريدة و فيه النّصوص الثّلاثة القصيرة جداً.فانشغلت عن هذا النّص بالنّصين الآخرين . و اطمأن قلبي بعض الاطمئنان ،عساهما يَشفعان لي عند القارئ و النّاقد بخاصّة..مر ّأسوعان ، و لم يظهر في الملحق الثّقافي أيّ تعليق حول نصوصي . فلم أهتم ،و كأنّني كنت أرغب في ذلك .
و لكن ذات صباح. رنّ هاتف البيت.أخبرني صديق أنّ تعليقاً في الجريدة يخصّ نصوصي القصصية الثّلاثة . لا أدري كيف اجتزت الطريق إلى الكشك؟! و لا كيف اقتنيت الجريدة؟! و لا كيف عدت إلى البيت ؟! كنت مضطرباً جداً . لمّا تأملت المقالة و وجدتها طويلة، شعرت بنبضي يتضاعف، و عرق بارد يندي جبيني، لم أكن أعرف الكاتب ، و لكن تعرّفت عليه بعد سنتين من ذلك، كان فلسطينياً مقيماً في المغرب .
تناول بالتّحليل النّص الأول و الثّاني بعجالة ،إذ خصّ كلّ واجد منهما بفقرة أو فقرتين و لكنّه وقف طويلا عند هذا النّص ، و كان تحليله سيميائياً ينمّ عن خبرة في التّحليل و النّقد…
و ما أريد أن أخلص إليه . كيف أنّنا لا نرتاح لبعض كتاباتنا الإبداعية.و في ذات الوقت يحتفي بها الآخر. و كيف أنّنا نرتاح كلّ الارتياح لبعض كتاباتنا.. في الوقت الذي لا تنال حظّها الأوفي عند الآخر.. هذا إن لم يجدها دون المستوى..
الغريب بعد أربع مجموعات قصصية و عشرات النّصوص في الجرائد والمجلات ، و المواقع الإلكترونية .. لو جمعت لشكّلت مجموعات تربو عن ثلاث .. بعد كلّ هذا .. يراسلني قاصّ سوري من كندا عبر الخاص ليقول لي ( في كلّ ما قرأت لك نص واحد حفر عميقاً في ذاكرتي.. حتّى كدت أحفظه عن ظهر قلب و هو :
” دعيني أقرأ لكِ قصّة .
تبدأ من لقائنا الأوّل. و تمتدّ في الزّمان إلى حيث لا أعلم و لا تعلمين ..
لا تندهشي،.! إنّها مجرّد قصّة قصيرة جداً. “ )
أيعقل هذا ؟!
بعد كلّ هذه السّنوات ، يبقى هذا النّص ــ الذي ندمت أنّني نشرته ذات يوم ــ
حياً يحفر في الذّاكرة ؟!
تحباتي / مسلك