رابطة الق الق ج باليمن في الإجابة و الرّد د مسلك ميمون
ــ الجزء الأول ــ
س1 من الصّعب تقيّيد الققج بعدد من الكلمات، لكن ما هو الحجم التّقريبي للحد الأقصى ؟
ج / كلّ فنّ له نصيبه من الصعوبة، و في ذلك متعة و لذة الإبداع. لو كانت الأمور ميسرة ، و في متناول الجميع، لعمّم الإبداع. و صعوبة هذا الجنس السّردي، في أن يقول النّص أشياء كثيرة ،و لكن بقليل من الكلام . وهذا يعني أنّ القاص مجبر أن يكون ملماً بضروب البلاغة، و بخاصّة الإيجاز، و الاستعارة، و التّكثيف اللّغوي، و الحذف ،و الإضمار، و التّضمين، هذا فضلاً عن التّناص و الرّمز..فلا يمكن أن نكتب الق الق ج كما نكتب القصة القصيرة ، أو القصّة ، أو الرواية..فكلّ جنس له لغته الخاصّة، و نَسقية تركيبها.. و مكوناتها الوظيفية .لهذا نلاحظ أنّ الشعراء الذين أحبوا الق الق ج و أقبلوا عليها كتابة و إبداعاً .. لم يجدوا كبير عناية فيما يتعلّق بالحجم، لأنّهم اعتادوا لغة الشّعر المكثفة ، و الإيحائية ، و المركّزة، على عكس الذين ألفوا الكتابة المسرحية، أو الروائية.. فقد ألفوا الإسهاب، و الإطناب ..
أمّا من حيث الحجم فهي محكومة بلفظة (جداً) فقد نجدها في بضع كلمات: كالذي نجده في قصة ” الديناصور ” للقاص الغواتيمالي ، أوغوستو مونتيروسو :
[ عندما استيقظ كان الديناصور لا يزال هناك .]
و هذا يذكرني بنص لإ رنست همنغواي قصير جداً : [For sale: baby shoes, never worn ] [ للبيع حذاء طفل لم يلبس قط ].
و عموماً و حسب الكتابة القصصية العربية ، فالق الق ج تنحصر بين سطر أو سطرين إلى نصف صفحة، وقد تغطي صفحة كاملة. إلا أنّنا نرجّح ثلاثة أسطر إلى خمسة .. فكلّما استرسل القاص في الكتابة، قلّ التّركيز والإيجاز، وأصبح النّص مفتوحاً أمام المباشرة ..
س 2 ــ هل اللّغة الشّعرية تؤثر سلبا”على سياق الققج .. التي يعتبرها البعض كذلك فقرة مهمة.
ج/ لا شك أنّ اللّغة الشّعرية، تضفي على العمل الإبداعي رونقاً فنيّاً ، و متعة قرائية ..أمّا بالنسبة للقصّة القصيرة جداً أقول : نعم و أقول لا .نعم إذا كان النّص يستوجب اللّغة الشّعرية ، و القاص متمكن و مقتصد، و مدرك لأدواته البلاغية و اللّغوية و أقول : لا ، إذا كان العكس هو المهيمن ،بمعنى أن يكون همّ القاص اقتناص التّعابير الفنّية ، و الصور البلاغية ، و الأنساق الأسلوبية.. على حساب فكرة النّص ، و التّركيب القصصي، فينبهر المتلقي باللّغة و الأسلوب، و لا ينشغل بالقصّ و تبعاته..و هذا يحدث كثيراً مع الأسف . و الأحسن من هذا و ذاك أن يترك الأمر تلقائياً، دون تفكير، أو تحسب، و ترصد.. ثمّ لا ينبغي الخلط بين اللّغة في الخاطرة و اللّغة القصصية.فالأولى تسعى سعياً لاقتناء اللّغة الشّعرية، لأنّها تناسبها، بينما اللّغة القصصية و إن كانت تستفيد من اللّغة الشّعرية ،و لكن ينبغي أن يكون ذلك بحذر و اقتصاد ..
س3 ــ هل نستطيع القول إن الققج جنس أدبي، منفرد، يعتمد مكونات، و خصائص متفق عليها” عالميا”؟
ج / في مسألة التّنظير لهذا الفن السّردي وقع اختلاف بين من يرى الق الق ج جنسا سرديا كما يرى ذلك د جميل حمداوي ، ينظر مقاله :
http://www.diwanalarab.com/spip.php?article7191
و هناك من يعتبرها نوعاً سردياً، و لكن الجميع يتّفق أنّ لها مكونات خاصّة تميّزها و إن كانت تتقاطع مع أجناس أخرى. علماً أنّ النّوع أخصُّ من الجنس، فالجنس عامّ، والنّوع خاص.
س4كيف يمكنني أن أصبح بارعة في كتابة الققج؟
ج / البراعة شيء مرهون بذات الشّخص :
إذا توفرت القدرة على الكتابة، le pouvoir d’écrire و الموهبة، و صقلت بالدّراسة و البحث ، و كثرة الاطلاع على النّصوص القصصية ،و الاستئناس بالنّقد التّنظيري و التّطبيقي، و اكتساب قواعد اللّغة،و ضروب البلاغة، و مداومة الكتابة.. فكلّ ذلك يمهد الطريق للإبداع في هذا المَجال.
س5 ــ ممكن أن تشرح لنا معنى الإضمار في القصّة؟
ج / الإضمار من أَضمرَ يُضمرُ الشّيء ، إذا أخفاه لسبب ما . فالقاص لا ينبغي أن يوظف سارداً ثرثاراً ، يقول كلّ شيء . فهو إن فعل تصبح القصّة تقريراً ليس إلاّ . و لكن كلّما سكت عن أشياء و تلاعب بالبياض و الفراغات .. كلّما أصبح العمل فنّياً يسمح بالتّأمل و التّساؤل و التّأويل فتتعدد القراءات ..و تلك وظيفة الإضمار ..
س6 ــ لكلّ قصّة جمهور قراء (محدّد) تروقه .. إذا شاركتُ في مسابقة للققج كيف سأبهر بها من لا أعلم مقاييس الجمال لدية ؟:…
ج / ينبغي أن نطمئن أنّ الق الق ج لا تملك لباسا واحداً، لا تُرى إلا به فقط .. و تعدّد ألبستها لا يغير في الأمر شيئاً، بل يثريه معنوياً و شكلياً ..أمّا الجوهر الأساس أي السّرد و الحكي، قوام العملية برمّتها. فقد تُحكى لك حادثة من طرف ثلاثة أشخاص مختلفين . الحادثة واحدة، و لكن الحكي مُختلف . فلو طلب منك الاختيار لاخترت الحكي الذي يجاري ذوقك، دون أن يُخالف الذّوق العام، و الذّوق الشّخصي مهما اختلف من شخص لأخر.. فهو دائماً أسير ما هو رائج و عام ..و إلا سيكون ذوقاً شاذاً. لهذا كلّما توفرت مكونات القصّة القصيرة جداً، و أحْسن القاص اختيار أسلوب العرض. كلّما كانت نسبة الإبهار و الرضا متوفرة ..
س7ــ إضافة لعنصري القصر ،والإيجاز ثمة خصائص أخرى تتحدد في الق.ق.ج هي:-حضور عنصر الدهشة.
– العلاقة بين العنوان والحبكة والنهاية، فالعنوان أو الحبكة القصيرة للنص القصير جداً يجب أن يقدما للقارئ مؤشراً نصياً له علاقة بالنّهاية. السّؤال هل ممكن تشرح لنا ما سبق؟
ج / جاء السؤال متضمناً للجواب ، و لكن أحُثّ على أنّ النّص ينبغي أن يتضمن عنصر الدّهشة/الصّدمة ، و إلا سيكون فاتراً كأي تقرير خبري . و لخلق عنصر الدّهشة ينبغي لأسلوب الكتابة، و لغة القصّة، أن يكونا مختلفين عن الكتابة العادية ، و اللّغة المعيارية لبناء قفلة هادمة لما يُنسج في خيال المتلقي أثناء القراءة.
أمّا العنوان كعتبة ، ينبغي ألا ينطبق عليه: ” الرسالة تُقرأ من عنوانها ” أو أن يكون ملخصاً للنّص ، أو كاشفاً لمغزاه و دلالته .. و هذا لا يعني أن يكون منفصلا عن النّص، بل دائماً نشعر بأنّ هناك خيطاً رفيعاً رابطاً،قد يقول أو يوحي بأشياء لا يأتي ذكرها في النّص، و لهذا اعتبره النقد نصاً موازياً .
س8- تركيب الجمل داخل النّص يتميّز بتوظيف جمل قصيرة قطعية.
– اجتناب الشرح أو التوسع. تنوع النهاية….وضح لنا ذلك؟
ج / فعلا حجم الق الق ج لا يسمح بالجمل الطويلة . بل لا يسمح إلا بجمل قصيرة ، تشعر القارئ بأنّها ليست جملا عادية ، و لا إخبارية ، و لا وصفية …بل جملا تنطوي على مقولات، و معاني و دلالات..لا علاقة لها بما هو معجمي أحياناً كثيرة .
بل هي جمل ملغّمة، تشي بمكنونها الرّمزي عن طريق التّأويل, و من تمّ كانت لغة القصّ القصير جداً أقرب ما تكون من لغة الشّعر.
و جمل بهذا القصر و هذه المواصفات ينتفي فيها الشّرح و التّفسير و التّوسع و الاستطراد …و هذا يَنعكس على القفلة و تنوعها ..
س9ــ كثُر كتّاب القصة الق. ج وكثُر النقاد ولم نعد نميز بين ماهو قصة وما هو ألغاز وهذيان وخربشات نرجو توضيحاً منكم ما الق.ق ج هل من منهج للق. ق. ج وضح لنا طريقة نستطيع من خلالها تميز ما نكتب في هذا الفن؟
ج / صحيح أن الق الق ج أغرت الكثير من الأدياء، بل هناك أدباء عرفوا بأجناس أدبية أخرى كالرواية و الشعر و المسرح .. تركوا مجالهم و توافدوا على هذا الجنس المستحدث. فوقع تراكم إبداعي،فيه الغثّ و السّمين . لأنّ البعض اسْتسهل هذا الجنس دون دراية أو دراسة.
و زاد الطين بلّة غياب النّقد المتخصّص،و انتشار الكتابة اللا مسؤولة، كتابة المحاباة و المجاملات ، و بخاصّة مع انتشار وسائل الاتّصال الاجتماعية. الشّيء الذي جعل المُتلقي في حيرة.. و أقول بكلّ مسؤولية نقدية أغلب ما يكتب في الق الق ج لا يمثّ لها بأيّ صلة: فهو إمّا خاطرة ،أو لقطة هايكو ، أو قطعة من الشّعر النثري، أو شذرة تأمّلية .. و الكاتب لا يعرف هذا من ذاك ، بل يرى ما كُتب إنّما هو ق ق ج .. و لكن على أي أساس ؟ الله أعلم . لهذا، كنّا و مازلنا نطالب عشّاق هذا الجنس أن يقرؤا ما كُتبَ عنه من تَنظير، و نقد تَطبيقي . فبدون دراسة و اطلاع ..ستستمر “اللّخبطة ” و الفَوضى ..
س10ــ نقرأ لبعض النقاد مايلي:
-القصة جاءت بطريقة تقريرية إخبارية .
مع عنوان لخص المضمون ، و كشف كلّ شيء…سؤالي هل من طريقة واضحة لق. ق. ج و كيف نكتب قصة ق. ج ناجحة ؟
ج /التّقريرية أو المباشرة مرض جميع الفنون . و يُستحسن بل يَجب تجنّبها .
فهناك فرق بين الجملتين : ” الجوُّ حارٌّ ” و ” أغرقُ في عَرقي ” الجملة الأولى مباشرة إخبارية . الجملة الثانية و إن كانت تعني نفس المعنى إلا أنّها جاءت بطريقة غير مباشرة، و فنية، سمحت للخيال أن ينشط و يصور عملية الغرق في العرق .. و هي صورة ذهنية .. أمّا العنوان وقد سبق الإشارة إليه، يستحسن ألا يكون ملخصاً للنّص أو كاشفاً لفكرته. فحين أقول لك مثلا : “إذا عرفت ما في سلتي أعطيك منه عنقوداً ” الإجابة أصبحت سهلة، و المعرفة تمّت حتّى قبل أن تكشف ما في السلّة
أمّا كتابة ق ق ج فهذا موكول لصاحب الرغبة في أن يبذل جهداً في معرفة مكونات هذا الجنس ،و أن يطالع لكبار كتاب القصّة قصد الاستئناس..
س11:بعض القصص يجعلها تفقد حرارة التّأثير . و تنتهي بانتهاء قراءتها. و كأنّها معلومة قيلت ،و فهمت، و انتهى الأمر..؟ ما تفسيرك لما سبق؟
بعض النصوص تعتمد اللغة الدلالية .. ما معنى العمق الدلالي والإطناب والتّأمل في الق. الق. ؟ وضح لنا نموذج لقصة ق. ج مكتملة الأركان مع قراءة مختصرة لها لنعرف ايجابياتها ؟
ج/ سؤال تضمن الجواب و مع ذلك أقول: كلّ قصّة تنتهي بانتهاء قراءتها .فهي مجرد خبر ليس إلا. الق الق ج الحقيقية ، تلك التي تبدأ من نهايتها لأنّها تخلق قلقاَ معرفياً، و خيالياً ذهنياً .. يصاحب المتلقي فترة من الزّمن لأنّ القفلة و أسميها الخرجة ،غير المنتظرة تدعوه للتّساؤل، و التّأمّل ..و لربّما إلى إعادة القراءة، و قد يحدث أنّه في كلّ قراءة يفهم القارئ فهماً جديداً، و يشعر بلذّة مختلفة.
و ما دمت طلبت نصاً قصصياً. أقدم هذا النّص القصصي النّقدي للوعي الشقي عند البعض .. و لا أشرحه أكثر، لأنّه بسيط ، و لكن يحقّق المُبتغى :
……………………………
أراد سائقاَ للأسرة و ألحّ في الطّلب .
ــ حَظكَ منَ السّماء. هذا سائقُ سيارةِ أُجرة في كَزابلانكا .
سيرته وردٌ وفُل ، و أَوراقُه جاهزة ..
اقْتحَمهُ بِعينين كبيرتَين مُحمرّتين :
ــ لا أُريدُ عربياً ، أريدُ بَنغاليا .
ــ لماذا بنغالياً بالضَّبط ؟ !
ـ عندي حُرمة و بَنات يا رَجل ! ” خلِّ عِندك نَظر !“
ــ …………………؟
س12ــ هل للقصة الق. ق ج حبكة؟
ج / نعم لأنّها قصّة، و لا قصّة بدون حبكة .
س13ــ هل يمكن حصر ثيمات الق. ق. ج ، وضح لنا ذلك؟
ج / لا ،لا يمكن ذلك ، فهي تتسع لكلّ الثيمات رغم حجمها الضّئيل .
س14 ــ ما رأيك بمن يكتب ق. ق. ج ذات لغة شاعرية ويعتبرها قصة؟
ج/ أجبنا عن هذا السّؤال أنفاُ،و نضيف اللّغة الشّعرية لا تنتج قصّة بل لا بدّ من العوامل الأخرى .
س15ــ ما الصّفات التي تميّز الق. ق. ج عن غيرها؟
ج/ أهمّ صفة أنّها بكلمات قليلة تؤثر تأثير رواية . و هي هنا تشبه الصّورة المعبّرة بمقابل المقالة المطولة . ألا ترى أنّ رسماً كاريكاتورياً قد يغنيك عن مقالة سياسية ؟
س16ــ فعلية الجملة هل شرط لازم للق. ق ج؟
ج/ ليست شرطاً لازماً ، و إن كان البعض يجعلها كذلك .و لكن للجملة الفعلية دورها في النّص لما تحدثه من ديناميكية و حركية لا نجدها في الجملة الاسمية .. و لكن أرى أنه يُستحسن توظيف الجمل حسب ما يتطلبه النّص و الفكرة …
س17ــ تكرار العنوان داخل النص هل يضعف القصّة؟
ج/ كلّ شيء يتكرر يفقد تأثيره ، و يدخل في حكم العادي و المباشر، و لقد تحدثنا عن العنوان سابقاً. و هناك من يستغني عنه بوضع نقط ….. و يترك للمتلقي حرية وضع العنوان الذي يراه مناسباً، و يوافق فهمه و استنتاجه. كما هو الأمر في النّص الذي استشهدنا به سابقاً .. فالعنوان جاء عبارة عن نقط ..
س18ــ كيف يمكن صياغة عنوان الق. الق. ج؟
ج/ من الصّعب جداً اختيار عنوان مناسب و ملائم . شخصياً أجد مشكلة في اختيار عناوين قصصي، و أحياناً أتركه للقارئ، أو أضع ترقيماً لنصوص المجموعة..
و لكن يبقى المعيار الأساس ألا يُفشي العنوان مضمون النّص ..
س19ــ ممكن توضح لنا عناصر ال. ق. ج. وهل يجب توفرها كاملة في النص؟
ج/ عناصر الق الق ج ليست جديدة فقد نجدها في القصة القصيرة ،الفرق هو الحجم.
البعض يميزها بالقفلة و كما قلت أسميها الخرجة ،و أرى أنّ أجناساً أخرى فيها القفلة حتّى القصيدة الشّعرية نفسها بله السّرديات . و حين نذكر الحجم فهذا رهين بعمليات منها : الحذف ، و الإضمار، و التّضمين ، و لغة الإيجاز ،و التّكثيف .. و ليس من الضّروري أن نجدكلّ مكونات القصّة المذكورة آنفاً في النّص ..فأحياناً يوظف القاص الرّمز حين يجده ضرورياً، و أحياناً يعوضه بالأسطورة، و أحياناً أخرى يستغني عنهما معاً و يعتمد الايجاز و التّكثيف اللّغوي ..و هكذا دواليك ..