مدّاحات النّبي

  رحلة مع الفرق النِّسائية للإنشاد الدِّيني في العالم العربي

 

دلال الحاج صالح- مجلة ميم

 

جمعهنّ حبّ رسول الله -عليه الصلاة والسلام- والمدائح و الأذكار والإنشاد وجمال الصوت البشري، فتشاركن في تأسيس أوّل فرقة للإنشاد الديني في مصر.

“حُور” هي مجموعة متكوّنة من 25 صوت نسائيّ، تقودهنّ المنشدة نعمة فتحي، وقد سعيْن إلى إثبات أنّ الإنشاد الديني وأداء التواشيح الدينيّة ليس حكرًا على الرجال فحسب، وأنّ هناك نساء قادرات على الإبداع فيه.

 الإنشــــــــــاد الدّيـــــني

يعود تاريخ الإنشاد الديني إلى زمن النبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وهو أحد الطقوس الروحيّة الّتي ترتكز في مضمونها على المدائح النبويّة، وتصِفُ روح الرسول وأخلاقه وتعاليمه وسيرته، وأحيانًا تمدح آله وأصحابه وتصف بعضًا من سيرهم وأعمالهم.

يُعدّ فنّ المدائح والأناشيد من أهمّ التعبيرات الوجدانيّة والروحانيّة بعد الأذان وترتيل القرآن. ويرتكز عمومًا على قوّة صوت المنشد وجماله، وتعدّد طبقاته ومعرفته بالمقامات الشرقيّة وحسن اختياره لما يناسب القصيدة من هذه المقامات. كما أنّه فنّ يعتمد على الحناجر البشريّة أساسًا، في ظلّ محدوديّة دور الآلات الموسيقيّة فيه، فيكفي قليلها كي يُضفي لمسة جماليّة على أصوات المنشدين وقصائدهم.

ورغم أنّ الإنشاد الديني كان حكرًا على الرجل منذ نشأته، إلّا أنّ المؤرّخين والباحثين أكّدوا على الدور التاريخي للمرأة في هذا المجال، مُشيرين إلى أنّ النساء بدأن بمدح الرسول، ومن ثمَّ الإنشاد في زفّة العروس وزفّة العائدين من الحجّ، كما أنشدوا في المآتم مواعظ غايتها التذكير بالآخرة.

أصـــوات نســائيّـة تـــبدع في العــــالم العـــربي

 

تتألّق “الحضرة الشفشاونيّة” أو مجموعة “ارحوم البقالي المغربيّة للفنّ الصوفي”، وهي أوّل فرقة فنّية نسائيّة في المملكة المغربيّة تعمل على تلقين فنّ الحضرة الشفشاونيّة للفتيات المغربيّات، وتحفيظهم المديح والسّماع.

تتميّز الشفشاونيّات بأناقة ملابسهنّ التقليديّة الخاصّة بمنطقة “شفشاون”، وبالأداء الفنّي الغنائي هادئ النبرة ومهارة استخدام الآلات الإيقاعيّة مثل البندير والتعريجة والدربوكة والطبل والدفّ والرّق، إضافة إلى ما تحتويه الصورة الفنّية المتوازنة شكلا ومضمونا من الأداء الرفيع واللحن التراثي الشعبي المتقن القائم على تكرار الترديد والجمل الموسيقيّة.

أمّا في تونس، فقد برزت “تيجانيّة السيّدة المنّوبيّة”، وهي مجموعة تؤدّي مدائح تُمجّد الرسول عليه الصلاة والسلام، وأناشيد سريعة الإيقاع تتغنّى بالأولياء الصالحين.

ويعود أصل فرقة التيجانيّة إلى الوليّة الصالحة “عائشة المنّوبيّة”، أو كما يدعوها التونسيّون “للّا المنّوبيّة”، وهي سيّدة تونسيّة عُرفت بالتواضع والبركة والعفّة. وُلدت في محافظة منّوبة (غرب تونس العاصمة)، ويُقال إنّ أباها علّمها القرآن الكريم، فأحسنت حِفظَهُ، ومن ثمَّ لاحت عليها علامات الزُهدِ والصلاح، فأراد أبوها تزويجها بأحد أقاربها، فلم تقبل وبقيت على عزوبيّتها. وتفرّغت للعبادة والعمل الصالح، حتّى رُوي عنها أنّها ختمت القرآن الكريم ألف وخمسمائة وعشرين مرّة في حياتها.

مـــن الجــــدّة إلــــى الحــفــــيدة

نجحت ستّ سيّدات فلسطينيّات من ثلاثة أجيال مختلفة، ومن العائلة نفسها، في تأسيس أوّل فرقة نسائيّة للإنشاد الديني في فلسطين، تحت إسم “العـقاب المقدسي”.

وتأسّست هذه الفرقة عام 2000، وكانت منشداتها يطمحن للوصول إلى معظم جمهور الإنشاد الصوفي عبر تأليف أغانٍ خاصّة بهنّ وتلحينها. كما أنشدن بعديد اللغات الأجنبيّة كالإنجليزيّة والإسبانيّة تعبيرًا منهنَّ عن ضرورة التعايش السلمي، وسعيًا إلى تمثيل أوسع للإنشاد الدّيني النسوي في مختلف المحافل العالميّة.

وفي الأردن، نجد الفرقة الهاشميّة للمدائح النبويّة الّتي تأسّست سنة 1994، وهي فرقة تابعة لجمعيّة الثقافة العربيّة الإسلاميّة، وتنقسم إلى فرعيْن، فرقة رجاليّة تضمّ 60 عضوا، وأخرى نسائيّة تضمّ 50 عضوا.

وترتدي العناصر النسائيّة زيًّا تقليديًّا موحّدًا، ويمتلكن أصواتًا شجيّة تتغنّى بصفات النبيّ وتنشد القصائد الصوفيّة من التراث الأردني والتراث العربي القديم.

 

 

 تميّــــز العنصر النّســــائي في مدح النّبـــي

أثار إنشاد المرأة للمدائح والأغاني الدينيّة عديد المواقف المتباينة، فمنها من يعتبر أنّ صورة المرأة عورة، ومنها من يتعارض مع ذلك ورغم عديد الصعوبات والعراقيل الّتي واجهتها، إلّا أنّ المرأة أصرّت على التطوّر والابداع في أداء أشكال مختلفة من الذِكر والإنشاد الديني، مثل تلاوة القرآن والمديح النبوي والدعاء.

ولماذا لا تنشد المرأة هذا النوع من الأناشيد ما دام يدخل البهجة في قلوب الناس ويذكّرهم بالسيرة الحسنة للرسول والصحابة؟

لم تُثنِ العادات العربيّة والفتاوى نساء وفتيات عربيّات كثيرات عن تحقيق غايتهنّ. فأنشدن وغنّين وأسّسن فرقًا أثْرت الإنشاد الديني، وساهمن في تجديد التراث العربي وحمايته من التلاشي، وتغيير بعض وجهات النظر المتطرّفة والمجحفة في حقّ المرأة في العالم العربي.

دلال الْحَاج صالح

الوسوم