خطاب العاهل المغربي في عيد العرش… نقد ذاتي وجرأة وكشف للسلبيات
بقلم/محمود معروف
August 2, 2014
الرباط – القدس العربي»: لاول مرة، ومنذ استقلال المغرب، يخرج الملك محمد السادس، عن الخطاب التقليدي لعيد العرش، الذي يلقيه ملك المغرب ليعدد انجازات سنة من عهده. هذا ما سار عليه جده محمد الخامس ووالده الحسن الثاني وسار عليه هو أيضا منذ توليه الحكم 1999.
العاهل المغربي أراد خطاب العرش، يوم الاربعاء الماضي، نقدا ذاتيا لتجربة التنمية البشرية، التي كانت تحت اشرافه مباشرة أو من خلال مستشاريه، وأعتبرت خلال السنوات الماضية، تجربة رائدة ومتميزة.
وحدد الملك المغربي خطابه بالذكرى الـ15 لتوليه العرش بانه «وقفة تأمل وتساؤل مع الذات، بكل صراحة وصدق وموضوعية، حول ما طبع مسيرتنا من إيجابيات وسلبيات، للتوجه نحو المستقبل، بكل ثقة وعزم وتفاؤل».وأضاف «أنا لا تهمني الحصيلة والأرقام فقط، وإنما يهمني قبل كل شيء، التأثير المباشر والنوعي، لما تم تحقيقه من منجزات، في تحسين ظروف عيش جميع المواطنين».
ويحرص ملوك المغرب على ان لا يعلنوا، بخطاب رسمي، خاصة بعيد العرش، سلبيات طبعت حكمهم، لانه خطاب عيد، والعيد فرح وإحتفال، لكن محمد السادس أراده نقدا ذاتيا قاسيا، أثار الاستغراب، أولا لخروجه عن المألوف ثانيا لقسوة النقد ودقه لناقوس الخطر من عدم عدالة توزيع الثروة المغربية وعدم تمتع المواطن العادي بنعيم هذه الثروة.
النقد الذاتي الملكي جاء على شكل تساؤلات طرحها الملك «هل إختياراتنا صائبة؟ وما هي الأمور التي يجب الإسراع بها، وتلك التي يجب تصحيحها؟ وما هي الأوراش والإصلاحات التي ينبغي إطلاقها؟» وأيضا «أما إذا كان الإنسان يعتقد أنه دائما على صواب، أو أنه لا يخطئ، فإن هذا الطريق سيؤدي به إلى الإنزلاق والسقوط في الغرور.»
وأضاف لتساؤلاته «هل ما نراه من منجزات، ومن مظاهر التقدم، قد أثر بالشكل المطلوب والمباشر على ظروف عيش المغاربة؟ وهل المواطن المغربي، كيفما كان مستواه المادي والاجتماعي، وأينما كان، في القرية أو في المدينة، يشعر بتحسن ملموس في حياته اليومية، بفضل هذه الأوراش والإصلاحات؟».
وقال انه «بطرح هذه التساؤلات، إنما نبحث دائما عن الفعالية والنجاعة، وعن أفضل السبل، ليستفيد جميع المغاربة من مختلف المنجزات، على حد سواء». لان «التساؤل وإجراء هذه الوقفة مع الذات، لا يعني الشك أو التردد، أو عدم وضوح الرؤية. بل على العكس من ذلك، فطريقنا واضح، واختياراتنا مضبوطة. فنحن نعرف أنفسنا، ونعرف ماذا نريد، وإلى أين نسير».
مصادر مغربية مطلعة قالت لـ«القدس العربي» ان مضمون ولغة الخطاب الملكي الناقدة جاءت بعد ان وضعت الأمم المتحدة المغرب بالمرتبة 129 بالتنمية البشرية لسنة 2013 وهو أثار غضبه لانه أولى ومنذ 2004 اهتماما خاصا لهذا البرنامج ولانه يدرك ايضا ان ما جاء في التقرير يؤشر على مخاطر قد تعرفها بلاده ولان «الوقوف على أحوال الأمة، يتيح لنا الفرصة لتحديد مدى التقدم الذي حققناه، وذلك باستعمال جميع الآليات المعروفة، لقياس هذه التطورات».
وفي تعداد للثروة المجتمعية قال ان الأمن والاستقرار، هما أساس الإنتاج والثروة والثقة والمصداقية هما عماد تحفيز الاستثمار. إلا أن هذه المؤهلات لا يظهر لها أثر في القيمة الإجمالية للدول. واشار الى دراستين للبنك الدولي أنجزهما في 2005 و2010 لقياس الثروة الشاملة لحوالي 120 دولة، من بينها المغرب الذي تم تصنيفه في المراتب الأولى على الصعيد الإفريقي، وبفارق كبير عن بعض دول المنطقة.
هذه المعطيات الايجابية والأرقام والإحصائيات، التي تضمنها هاتين الدراستين، والتي تبرز تطور ثروة المغرب لم تمنع العاهل المغربي عن التساؤل»باستغراب مع المغاربة : أين هي هذه الثروة؟ وهل استفاد منها جميع المغاربة، أم أنها همت بعض الفئات فقط؟».
وكان جوابه على هذه الأسئلة «إذا كان المغرب قد عرف تطورا ملموسا، فإن الواقع يؤكد أن هذه الثروة لا يستفيد منها جميع المواطنين. ذلك أنني ألاحظ، خلال جولاتي التفقدية، بعض مظاهر الفقر والهشاشة، وحدة الفوارق الاجتماعية بين المغاربة».
ويعتقد الملك محمد السادس أن النموذج التنموي المغربي، «بلغ درجة من النضج، تؤهلنا لاعتماد معايير متقدمة وأكثر دقة، لتحديد جدوى السياسات العمومية، والوقوف على درجة تأثيرها الملموس على حياة المواطنين». وهو ما أكده البنك الدولي، الذي أبرز أن القيمة الإجمالية للمغرب، شهدت خلال السنوات الأخيرة، ارتفاعا ملموسا، وخاصة بفضل النمو الكبير لرأسماله غير المادي. بعد ان بات الرأسمال البشري غير المادي من أحدث المعايير المعتمدة دوليا، لقياس القيمة الإجمالية للدول حيث شهدت المعايير التي يعتمدها المختصون في المجالين الاقتصادي والمالي لقياس الثروة، عدة تطورات، بعد ان كانت القيمة الإجمالية للدول تقاس، حسب مواردها الطبيعية، ثم على أساس المعطيات المتعلقة بالناتج الداخلي الخام، الذي يعكس بدوره مستوى عيش المواطن. وبعد ذلك، تم اعتماد مؤشرات التنمية البشرية، لمعرفة مستوى الرخاء لدى الشعوب، ومدى استفادتها من ثروات بلدانها. وخلال تسعينيات القرن الماضي، بدأ العمل باحتساب الرأسمال غير المادي كمكون أساسي، منذ سنة 2005، من طرف البنك الدولي. وبعد القائه خطاب العرش، استقبل الملك كلا من نزار بركة رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وعبد اللطيف الجواهري والي بنك المغرب وطلب مهما إعداد دراسة حول تطور القيمة الإجمالية للمغرب خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة وتحديد القيمة الحقيقية للمغرب، بما في ذلك إبراز الرأسمال غير المادي، الذي سبق للبنك الدولي أن اعتمده كمعيار لقياس ثروة الدول، إضافة إلى باقي مكونات الثروة الوطنية.
مهمة ليست سهلة، وتقرير سيكشف مسببات خلل كاد، اذا ما استمر، ان يودي الى أزمة اجتماعية حادة لان الفوارق الطبقية، في ظل التطور التكنولوجي لعالم الاتصالات يجعل الأزمات تتوالد ويصعب السيطرة عليها، وجرأة خطاب العرش الـ15 انه كشف عن الخلل وأمتلك الشجاعة للإعلان عنه.
http://www.alquds.co.uk/?p=201236