يكاد يجمع كل الذين عرفوا الراحل عبد الله إبراهيم وجايلوه أن الرجل كان كفاءة مغربية نادرة.كما يجمع الذين اقتسموا المسؤولية الحكومية أو الحزبية مع مولاي عبد لله، كما يفضل الكثيرون مناداته، على أنه كان زاهدا، لا هم له غير أن يرى المغرب كأي بلد حداثي ديمقراطي يسير بأفكار ورؤى قيادته. وقد قال عنه محمد الباهي إنه نادرا ما كان يتكلم، وأنه كان يتأمل ويفكر ويكتب كثيرا، وعرف بالرزانة السياسية، والنبوغ الفكري، والإنتاج الفلسفي، مشيرا إلى أنه كان ذاكرة الفكر السياسي المغربي، وأن الابتسامة لم تكن تفارقه حتى في أحلك الظروف، وفي أوج مقاومته للانتهازية السياسية. فيما قالت عنه لالة عبلة أم الملك الحسن الثاني: «الشريف والولي المناضل، كان وطنيا صادقا، بل سيد الوطنيين جميعا». من بين المحطات المضيئة خلال مسيرة عبد الله إبراهيم المتميزة أنه ساهم في صياغة العهد الدولي لحقوق الإنسان سنة 1948 في مدينة جنيف بسويسرا. وكان من المغاربة القلائل الذين كانوا يناقشون الأمير مولاي الحسن، ولي العهد آنذاك، في الكثير من أفكاره، حيث لم يكن يتردد في الدخول معه في جدال ونقاش كثيرا ما كان يغضب ولي العهد. وقد حدث مرة أن قال له الحسن الثاني وهو لا يزال وليا للعهد: «آمولاي عبد الله راك غير انت اللي واقف لي في الطريق.. راه المغاربة كلهم نشريهم بفلوسي»، فرد عليه عبد الله إبراهيم دونما تردد: «سميت سيدي، أنتم مخطئون، ما ذكرتموه لا ينطبق على كافة المغاربة». ولد عبد الله إبراهيم بجماعة تامصلوحت، حيث ترعرع وسط عائلة بسيطة. والتحق بالكتاب القرآني الذي أشرف عليه خاله، قبل ولوجه مدرسة ابتدائية حرة كان قد أنشأها الباشا الكلاوي سنة 1922. وفي الثلاثينيات أصبح عبد الله إبراهيم معلما بإحدى المدارس بمراكش، قبل أن يتابع دراسته العليا بمعهد ابن يوسف الذي سيتخرج منه عالما، حيث نال شهادة العالمية في صيف 1945 تحت إشراف «شيخ الإسلام» محمد بلعربي العلوي، ثم التحق بفرنسا وتخرج من أشهر جامعة فيها، هي جامعة «السوربون»، ومعهد الدراسات الشرقية بباريس، فلمع نجمه في الصحافة المشرقية والمغربية. توجه إلى الديار الفرنسية، بين 1945 و1949، حيث درس وناضل. وقال عنه محمد الحبيب الفرقاني، أحد رفاقه في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، «لقد ذهب أستاذنا إلى فرنسا شخصا معينا، ليعود منها شخصا آخر في أفكاره وتوجيهاته ومنهجياته، مما أسدى لنا جميعا خدمات شتى في مختلف فروع المعرفة». ويقر محمد لومة بأن عبد الله إبراهيم غادر المغرب في صيف 1945 بسبب فقدان الأمل، أولا، في سياسة الحكومة الفرنسية تجاه مطالب الحركة الوطنية، و، ثانيا، لعدم وجود إمكانية مواجهة حزب الاستقلال وقيادته لمهام المرحلة لعدم تجانسها وضعفها الفكري والتنظيمي، وافتقارها إلى رؤية واضحة المعالم ومحددة الأهداف، وكذلك لهيمنة «الزاوية» على العمل التنظيمي. ذهب عبد الله إبراهيم إلى باريس واستقر بزنقة «سيربانت» حيث عاش وضعية مادية صعبة، إذ غالبا ما كان يقضي نهاية الشهر في ظروف قاسية، حيث عاش في محل كان سابقا مقرا لمعهد فيكتور هيغو، اقتناه عبد الهادي الديوري ليجعله رهن الطلبة المغاربة، وبه قطن عبد الرحمن اليوسفي وامحمد بوستة وأحمد العلوي بنجلون والمهدي بنعبود وآخرون. عاد عبد الله إبراهيم إلى المغرب في شتنبر 1949 وأشرف على هيئة تحرير جريدة «العلم»، كما أسندت إليه قيادة حزب الاستقلال مهمة تدبير ملف الشؤون النقابية. التحق بميدان النضال وعمره لا يتجاوز 16 سنة، وصار مسؤولا في المجلس الأعلى لكتلة العمل الوطني ما بين 1934 و1936، حيث ساهم في تجربة الحزب الوطني ابتداء من عام 1937، وقد تعرض لأشرس أشكال القمع والتنكيل على يد المقيم العام الجنرال نوكيس. كما كان من الموقعين على عريضة 11 يناير 1944. ذهب إلى فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية وتعرف هناك على مجموعة من التيارات الفكرية. حاور الماركسيين والتروتسكيين والوجوديين والسورياليين وغيرهم، وبذلك عزز التعريف بالقضية المغربية، وساهم في التنسيق بين الحركات الوطنية المغربية والمغاربية. وقد كان له دور بارز في توجيه المغرب نحو الاستقلال وإرساء الدولة الوطنية. إنه أحد صناع الكتلة الوطنية وأحد مهندسي ميلادها سنة 1970 سعيا وراء وضع حد لإحباط المغاربة وطرد اليأس من نفوسهم عبر إجراء المصالحة بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني لتوفير شروط المشاركة الحقيقية. كما أنه أحد رواد الجامعة المغربية، حيث حاضر في تاريخ الأفكار والتاريخ الدبلوماسي، وكان باحثا في تاريخ المغرب، سياسة وفكرا ومجتمعا.
ومن أهم ما خلص إليه عبد الله إبراهيم في أحد مؤلفاته أن هناك أربع مشاكل ظلت ضاغطة على المغرب على امتداد ثلاثة آلاف سنة من عمره، هي «مشكلة الحكم، والأرض، واللغة، وبناء المغرب العربي». كما أن مؤلفه «الإسلام في آفاق سنة ألفين» يعتبر قراءة تدعو إلى أن يتبوأ العقل درجة من التقدير والاحترام، تسمح بالتجديد والاجتهاد وتخويل النصوص جميع الدلالات التي تستلزمها دينامية تطور المجتمع. يحكي محمد لومة أنه في نهاية إحدى الجلسات التي جمعت الملك وقادة الكتلة الوطنية فيما بين نونبر 1971 وأبريل 1972، وكان الوقت ليلا، وضع الملك الحسن الثاني سلهامه على كتف عبد الله إبراهيم وهو يودعه، كعادته مع كبار ضيوفه كعربون رضا عنهم وعلامة على الارتياح لهم، إلا أن عبد الله إبراهيم بمجرد ما وصل إلى منزله، سحب سلهام الملك من فوق كتفه وسلمه إلى سائق سيارة القصر الملكي، ملتمسا منه إعادته فور رجوعه إلى صاحبه، ولم يتقبل الحسن الثاني رفض هديته فتملكه غضب شديد، إذ لم يكن متعودا على أن يرفض أحد هداياه. كما أكد محمد لومة، على لسان عبد الغني برادة، أن عبد الله إبراهيم دأب على رفض إرسال ملفاته الطبية، الشخصية والعائلية، إلى التعاضدية العامة للتربية الوطنية، رغم أنه يعتبر أحد منخرطيها وظل يفضل تحمل مصاريف علاجه وعلاج أسرته اعتمادا على إمكانياته المادية الخاصة. كما عرف عن عبد الله إبراهيم رفضه بلطف وديبلوماسية كافة المساعدات الرسمية الصادرة عن أي جهة. وفي هذا المضمار يقر محمد لومة بأن صدام حسين حاول جاهدا تقديم مبالغ مالية مهمة لصديقه عبد الله إبراهيم، الذي ظل يرفضها باستمرار، معتبرا أن النضال بمقابل مادي من الخارج لا يمكن أن يكون نضالا سليما. كما رفض على مدى أكثر من ثلاثين سنة تقاضي راتب التقاعد كرئيس سابق للوزراء وقدره 70 ألف درهم شهريا، وذلك بأثر رجعي، إذ أبلغ الملك أنه يفضل الاكتفاء بأجره كأستاذ جامعي.
و يعتبر عبد الله إبراهيم الذي تم تعيينه وزيرا الأنباء في حكومة مبارك البكاي و وزيرا للشغل و الشؤون الإجتماعية في حكومة بلا فريج قبل أن يتقلد رئاسة الحكومة سنة 1958، كان صاحب الفضل في إنشاء بنك المغرب بدل البنك المخزن و إصدار عملة الدرهم التي خلفت عملة الفرنك لوضع حد لتبعية العملة الجديدة لمنطقة الفرنك الفرنسي.