(ق ق ج ) تمرُّ بمرحلة إفساد (1)


(ق ق ج ) تمر بمرحلة إفساد

(1)

أعتقد أنّ فنّ القصّة القصيرة جداً يمرّ بمرحلة إفساد خطيرة. نتيجة غَبش الرّؤية، وعدم فهم أدوات و أسس البناء و التّركيب. والخلط بين ما للقصّة و ما لغيرها. و اعتبار كلّ كلام موجز مكثّف قصّة، بدون سند فنّي، بل فقط الاعتماد على تقديرات (L’évaluations) خاطئة، من أناس يتزعمون القافلة، بدون علم، و لا تفقه في هذا المجال، بل كلّ زادهم معلومات مجنّحة تصطدم مع بعضها، و تناقض بعضها البعض في النّص الواحد.

كنّا أواخر السبعينات و الثمانينات و حتّى التّسعينات نتكلم عن القصّة القصيرة جداً.في حدود أنّها قصّة بمعنى سرد، يحدد طريقة الكتابة، و حكي يتمحور حول حدث/ فكرة. كنا نتحدث عن لغة القصّ، و تمييزها عن اللّغة المعيارية فضلاً عن القواعد التّكوينية ( Règles de formation)
الآن أمامنا معظم النّصوص مُشوهة، لا صلة لها بالقصّة كسرد وحكي، و معَ سهولة النشر، عكسَ ما كان أيّام زمان، أصبح كلّ من ( يخربش خربشات ) يُعدّ من طائفة المبدعين. و يجد جمهورَ المجاملين و المُجاملات، و ينتشي بجمل الإعجاب..و نفاق التّعليقات.. فلا هو أبدع في كتابته ، و لا هم صدقوه القولَ. الكلّ يكذب على نفسه، و على غيره في حلقة دائرية كالدّوامة المغنطيسية ..

و زاد الطين بلّة، هذه المجموعات التي من المفروض أن ترعى القصّة القصيرة جداً بنقد بنّاء، يعتمد علم السّرد ( Narratologie) و يخضع للسّردية ، من حيث: السّرد المحكم ،و السّرد المتقطع، و السّرد المرسل، والسّرد الاستباقي، والسّرد الاسترجاعي، و الموضوعاتية ، و ذات الفعل ،و ذات الحال، و السّارد، و أنساق الخطاب…و الانسجام الدّاخلي، و الوجه الشّفري، و السّنن اللّغوي…
هذه و غيرها أشياء مغيبة، و الشيء الحاضر هو الكلام الذي يعني و لا يعني شيئاً كالسفسطة.في غياب النّقد الحصيف. وهذا يذكرنا بما وقع للشّعر، فمع بزوغ نجم الشعر الحديث، أصبح النثر العادي شعرا. فها هو الحال يعيد نفسه ، و ها هي ذي القصّة تعاني نفس الانتكاسة. كشجرة الخريف تتجرّد من كلّ أوراقها و تمارها فتبدو كالحة مسودة يشتهيها لسان اللّهب.. و يأتي من لا علمَ و لا ذوق له ليقول ما أجملها من شجرة نضيرة فيحاء.. !!

و من الأشياء التي تبخس هذا الجنس و تجعله مطية سهلة لكلّ عديم الموهبة و لكلّ فضولي متطفل.. هؤلاء الذين لا يحترمون أنفسهم، و يَتمظهرون كنقاد ، يفتون في كلّ معضلات هذا الفن، و لَيتهم يفتون عن علم، بل هي أحكام و ليدة اللّحظة و الانطباع. لا أحكام دراسة، و خبرة، و تفهّم، و مقاربات موضوعية…

إن أغلب ما ينشر باسم القصّة القصيرة جداً..ركام من الكلام اللاّ فنّي و اللاّ قصصي، حتماً القصّة القصيرة جداً تتبرَّأ منه، و ترْبأ بنفسها، أن تكون مَسخاً شنيعاً، و كلا ماً مهلوساً معقداً..لا متن له و لا فنّية، و لا أدب و لا قصّ، و لا سرد و لا حكي…كلام في كلام كالسّراب يحسبه الظمآن ماء !

تحياتي / مسلك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.