في الوقت الذي يكثر فيه الحديث في وسائل الإعلام الرسمية، وحتى في المقررات الدراسية،عن استقلال المغرب من المستعمر الفرنسي، لا تتم الإشارة إلى الكيفية التي تم بها استعمار البلاد إلا نادرا، وان تم الحديث عنها فإنه يتم دون استحضار خلفيات وطريقة دخول المستعمر إلى البلاد. مدة القراءة: 6′
المولى بعد الحفيظ إلى جانب الجنرال ليوطي/ جميع الحقوق محفوظة
في مثل هذا اليوم (30 مارس) من سنة 1912، وقع الوزير الفرنسي المفوض أوجين رينيو والسلطان المولى عبد الحفيظ على معاهدة فاس، والتي تنازل بموجبها هذا الأخير عن سيادة المغرب لصالح فرنسا، وسميت المعاهدة بـ”معاهدة الحماية” وامتدت فترة الحماية إلى غاية حصول المغرب على استقلاله سنة 1956.
وقبل التوقيع على المعاهدة، كانت مجموعة من الدول الأوروبية ترغب في استعمار المغرب، لتوفير سوق جديدة لتصدير منتوجاتها، وأيضا للسيطرة على الثروات الطبيعية للبلاد، وحاولت فرنسا دفع الدول الأخرى إلى التخلي عن خططها بخصوص المغرب، ووقعت معها اتفاقيات، تخول لها استعمار البلاد مقابل تخليها عن مستعمرات أخرى.
ففي سنة 1902 وقعت فرنسا مع إيطاليا اتفاقية حول المغرب وليبيا، وبعد سنتين من ذلك وقعت اتفاقية مشابهة مع انجلترا تهم المغرب ومصر.
تلا ذلك انعقاد مؤتمر الجزيرة الخضراء في سنة 1906 لتقرير مصير المغرب كمستعمرة أوروبية. بدأ المؤتمر في 16 يناير 1906 بمشاركة اثنا عشر دولة أوروبية وشارك الرئيس الأمريكي روزفلت كوسيط فيه.
وفي سنة 1908 تمت مبايعة مولاي عبد الحفيظ سلطانا جديدا على المغرب خلفا مولاي عبد العزيز، الذي أجبر على التنازل عن العرض إثر نشوب ثورة عارمة بسبب التدخل الأجنبي في المغرب بعد معاهدة الجزيرة الخضراء.
وفي سنة 1911، اتفق الفرنسيون مع الألمان بشأن المغرب، وتنازلت فرنسا بموجب هذا الاتفاق عن الأراضي المتفق عليها في والكونغو والكاميرون، في مقابل موافقة الألمان على فرض “الحماية” الفرنسية على المغرب.
ورغم أن السلطان مولاي عبد الحفيظ بويع بيعة مشروطة بإبعاد الخطر الأجنبي عن المغرب، واسترجاع ما اغتصبه الأجنبي من حدوده، مع تطهير الإدارة المغربية وإحداث مجلس شوري يمثل الأمة والعمل على إلغاء شروط مؤتمر الجزيرة الخضراء التي أعطت للأجانب حق التدخل في شؤون المغرب، إلا أنه وبعد أربعة سنوات من مبايعته سيوقع عقدا للحماية مع فرنسا في مدينة فاس.
معاهدة الحماية
تتكون معاهدة الحماية، التي فتحت أبواب المغرب أمام المستعمر الفرنسي، من تسعة فصول، تتحدث أغلبها عن حماية عرش السلطان، وتفويض صلاحيات واسعة للمسؤولين الفرنسيين.
فصل 1: حكومة الجمهورية الفرنسية اتفقت مع حكومة السلطان الشريف على
الإصلاحات الإدارية و القضائية و التربوية و الاقتصادية و المالية و
العسكرية التي تعتبرها الحكومة الفرنسية نافعة لتطبيقها في المغرب
فصل
2: صاحب الجلالة الشريفة السلطان يعترف من الآن للحكومة الفرنسية بعد
مشاورتها للسلطات المخزنية الحق بانتشار قواتها العسكرية على التراب
المغربي كما تعتبرها مهمة للحفاظ على أمن وسلامة المبادلات التجارية و
تدبير الشؤون الأمنية على البر و في المياه المغربية
فصل 3: حكومة
الجمهورية الفرنسية تتعهد بمساندة صاحب الجلالة الشريفة صد كل خطر يمس شخصه
الشريف أو عرشه أو ما يعرض أمن بلاده للخطر. المساندة تشمل أيضا ولي عهده و
سلالته
فصل 4: القرارات التي سيطبقها نظام الحماية يصادق عليها
السلطان الشريف باقتراح من الحكومة الفرنسية أو من مفوضيها. هذا يشمل
القوانين الجديدة و التعديلات على القوانين الجارية على السواء
فصل 5: المفوض المقيم العام يمثل الحكومة الفرنسية لدى السلطان الشريف، و للمقيم العام كامل الصلاحيات لتطبيق مقتضيات معاهدة الحماية
المقيم
العام هو الوسيط الوحيد بين السلطان والممثلين الدبلوماسيين الأجانب، كما
له كل الصلاحيات في ما يخص الأجانب المقيمين بالمملكة الشريفة
فصل 6: المنتدبون الدبلوماسيون و القنصلين الفرنسيون يمثلون الرعايا المغاربة و يدافعون عن المصالح المغربية في الخارج
لا يمكن لصاحب الجلالة الشريفة توقيع أي معاهدة دولية بدون موافقة حكومة الجمهورية الفرنسية
فصل
7: تتعاهد كلى حكومتي الجمهورية الفرنسية و السلطان الشريف على تطبيق
الاتفاق المشترك للإصلاح المالي الضروري لضمان مصالح الدائنين للخزينة
الشريفة، وكذا للمحافظة على عائدات الخزينة
فصل 8: يتعهد صاحب الجلالة السلطان الشريف ألا يقترض لنفسه أو لغيره مالا عاما أو خاصا دون موافقة الحكومة الفرنسية
فصل 9: هاته المعاهدة تصادق عليها حكومة الجمهورية الفرنسية و ستبعث بها للسلطان الشريف في أسرع وقت ممكن.
ما بعد توقيع المعاهدة
كان السلطان مولاي عبد الحفيظ يريد أن يبقي أمر توقيعه على معاهدة الحماية سرا، إلى حين إيجاد ترتيبات للوضعية الجديدة، أو على الأقل حتى يغادر العاصمة فاس. غير أنه وبعد مرور بضعة أيام انكشف أمر ما أٌقدم عليه.
وقال الطبيب الفرنسي فريدريك وايسجريبر الذي كان حاضرا في المدينة حينها، في شهادة نقلها كتاب المؤرخ الأمريكي إدموند بورك في كتابه “الاحتجاج والمقاومة في مغرب ما قبل الاستعمار” (قال) “عم المدينة القلق والرعب بمجرد ما شاع الخبر. فمعاهدة الحماية اعتبرت بمثابة صفقة بيع، ذلك أن كل أهالي المدينة من شرفاء وعلماء بل وأصحاب الدكاكين الصغيرة كانوا رافضين ومستنكرين لصفقة البيع هاته. صفقة قام بموجبها الإمام أمير المؤمنين ببيع قسم من دار الإسلام للنصارى، وهو الذي صعد نجمه بقوة السلاح وبويع سلطانا للجهاد منذ أربع سنوات”.
و عاشت مدينة فاس طيلة أيام 17 و18 و19 أبريل 1912، على إيقاع انتفاضة شعبية كبيرة، أوقد شرارتها جنود مغاربة ثاروا في وجه ضباطهم الفرنسيين، قبل أن تلتحق بهم ساكنة المدينة في ثورة أطلق عليها المستعمر الفرنسي اسم “أيام فاس الدامية”.
وبعد ذلك تمكن الفرنسيون من إخماد أول حركة مسلحة ضد وجودهم في المغرب، بعدما استعانوا بتعزيزات عسكرية كبيرة من خارج المدينة، غير أن ثلاثة أيام من الثورة أدت إلى وقوع خسائر كبيرة في صفوف الفرنسيين، فحسب الطبيب وايسجريبر، فقد توزعت الخسائر كالتالي: 9 قتلى مدنيين وجريحان، و19 ضابطا وضابط صف من البعثة العسكرية، 35 قتيلا في صفوف الرماة و70 جريحا، أي ما مجموعه 63 قتيلا فرنسيا و72 جريحا.
وبخصوص القتلى المغاربة فقد علق وايسجريبر قائلا “من المتعذر علينا أن نذكر ولو بصورة مؤقتة، ما وقع من خسائر في الطوابير المتمردة وفي الساكنة المسلمة”، إلا أن إدموند بورك يقدر القتلى المغاربة، مدنيين وعسكريين، في حوالي 600 قتيل.
تنازل السلطان المولى عبد الحفيظ عن العرش
في شهر غشت من سنة 1912، تنازل السلطان عبد الحفيظ عن عرشه بعد ضغوط فرنسية عليه، حيث رأى المستعمرون أنه يحاول نهج سياسات ليست في صالحهم، ودعموا تعيين أخيه الأصغرالسلطان يوسف، الذي كان يساير رغباتهم.
وأصبح دور السلطان الجديد مولاي يوسف مثل دور المتكلم باسم سلطات الحماية. ولم يبق له أية سلطة حقيقة، أما فكرة “المراقبة” التي كان المقيم العام الفرنسي ليوطي يدافع عنها، فقد تحولت في الواقع إلى إدارة مباشرة.
وفي نونبر من سنة 1912، وقعت فرنسا وإسبانيا اتفاقا بينهما، تم على إثره تقسيم المغرب إلى ثلاثة مناطق فحصلت إسبانيا على محمية في شمال المغرب تضم الريف وسيدي إفني ومنطقة طرفاية والصحراء، وفي مناطق الحماية الاسبانية ظل السلطان ذو سيادة اسمية فقط.
فيما بقيت المنطقة الوسطى تحت الحماية الفرنسية، أما مدينة طنجة فقد خضعت لحماية دولية.
وواصل الفرنسيون بعد ذلك اخضاع باقي مناطق المغرب لسيطرتهم، فاحتلوا ما بين 1912 و1914، مناطق شاسعة من وسط البلاد (من ممر تازة إلى مراكش ونواحيها، الصويرة وأكادير).
وخلال الفترة الممتدة ما بين 1914 و1920، تم ضم باقي مناطق وسط البلاد (حوض ملوية، والراشيدية، وورزازات والنواحي).
وأبان المرحلة التي تمتد من 1921 إلى 1926، تم احتلال أقصى الشمال وماتبقى من وسط البلاد. وما بين 1931 و1934 تم احتلال جنوب شرق المغرب وصحرائه.