في حوار مع الشّاعر أمين الذيب مؤسّس ملتقى الأدب الوجيز
بيروت من ليندا نصّار
يعدّ ملتقى الأدب الوجيز من الحركات التجديديّة التي قررت الاعتناء بأجناس أدبيّة معيّنة في محاولة لإعادة النّظر فيها وابتكار أنواع جديدة تتوافق مع الرؤيا الجديدة لمستقبل الأدب.
انطلقت أعمال الملتقى من بيروت إلى العالم العربيّ، وهو الحلم الذي سعى إليه الشاعر اللبنانيّ أمين الذيب محاولا تحقيقه منذ خمس سنوات، حتى تمّت الانطلاقة الأولى رسميّا في المؤتمر الأوّل الذي افتتحه الشاعر العربيّ أدونيس، ومن لبنان إلى عدّة دول عربيّة عقدت المؤتمرات للتباحث ولتأصيل أنواع أدبيّة تمّ تحديدها من قبل رئيس الملتقى والأعضاء. حمل الملتقى شعاره الأوّل »كي لا تموت القصيدة« في محاولة للتنظير وتجديد الرؤيا لبعض الأجناس الأدبيّة كالقصّة الوجيزة جدّا وشعرالومضة. هذا الجهد هدفه ابتكار زمن شعريّ جديد بحسب رأي مؤسّس الملتقى.
الحصاد التقت الشاعر أمين الذيب وأجرت معه هذا الحوار:
1- ملتقى الأدب الوجيز حركة جديدة معاصرة تردّد صداها في الوسط الثقافي اللبناني؛ وقد ولِدت بجهود شخصيّة من قبل الشاعر أمين الذيب؛ ما هي الرؤيا التي تطمحون الى تحقيقها من خلال عملكم الدؤوب؟
الفكرة قديمة عندي كان لا بدّ من الاجابة على اسئلة ملحّة تراودني بغير ملل كيف نخرج من كل هذه المآزق أكان في الشعر أم في القصّة والرواية أو المسرح وكامل الفنون كان لا بد من ابتكار زمن أدبي جديد يرتكز على منطلقات فكريّة – فلسفيّة تشكّل رافعة تجاوزيّة لحالة السائد
أمين الذيب
الذي استساغ البقاء في ماضويته واستكان، كلا البّاث والمتلقي وكأن ما أنجز هو آخر العلم وآخر الإبداع لذلك تمحور عملنا التنظيري والنقدي في عدد من البلدان العربية مستفيدين من المؤتمرات التي كانت تعقد لنطرح رؤيتنا المستقبلية تحت شعارنا الأوّل، كي لا تموت القصيدة هذه الرؤيا التي تقدّم مفاهيم جديدة لوظيفة اللغة ودلالاتها الزمنيّة المتوالدة في تأويل المعنى واستنباط المكنون والمستحيل. باختصار فإننا نحاول استنطاق هذا الكون السحيق الاغوار.
2- بعد الانتشار الذي حققتموه في لبنان والدول العربيّة ما هي الخطوة التالية لهذا الملتقى؟
كُنّا نعتقد اننا نحتاج الى أكثر من خمس سنوات لتحقيقه، أنجزناه بسنتين، ونحن الآن كملتقى الأدب الوجيز متواجدون في المغرب والجزائر ونونس والعراق وسوريا والأردن وفلسطين المحتلّة بالاضافة الى لبنان. وتدير أعمال الملتقى في تلك البلدان كوكبة من الأكاديميين وعمداء جامعات وأدباء وشعراء ونقّاد. هذه الحيوية المؤمنة بضرورة التجديد على اسس فكرية لغويّة، والتي تشكّل فريق عمل الأدب الوجيز، استطعنا تحت عنوان المؤتمر النقدي الذي عقِدَ في بيروت في حزيران الماضي والذي اشتمل على دراسات ممثلي ثمانية دول بمشاركة الجامعة اللبنانيّة كليّة الآداب والعلوم الإنسانية، وبرعاية وزارة الثقافة المعنوية والتي كان للمفكر والشاعر
العربي أدونيس كلمة في افتتاح المؤتمر، استطعنا تحت هذا العنوان، الأدب الوجيز هويّة تجاوزيّة جديدة. أن نطرح تأصيل نوع أدبي جديد، شعر الومضة وتأصيل القصّة القصيرة جدا تحت مسمى القصة الوجيزة، وهذا الحدث العظيم هو الأول في التاريخ الأدبي العربي، إذ لم يحدت منذ التصنيفات والتبويبات التي انجزها الخليل ابن احمد الفراهيدي، حتى الآن إلّا ما ينجزه ملتقى الأدب الوجيز.
3- للأدب الوجيز نظريّة ومعايير فكريّة عميقة، كيف تعملون على إرساء هذه الأسس وكيف سيتم تطبيقها؟
أنا من الذين يعتقدون، باستثناء الحركة التجديدية التي عمل عليها أبو تمام ومارسها أبو نواس ورؤيوية المتنبي، وبعض الشعراء التجديديون، والحركة التجديديّة التي حصلت في الخمسينيات، أن الشعر العربي لم يقدّم أيّة اضافات تذكر، سوى إعادة صياغة وتكرار وبقاء في المكان والزمان الماضيين. ليس بالأمر الخفيّ أن مُعضلة التجديد في بلادنا، ما زالت مهمّة شاقّة، لافتراقها البنيويّ عن الثوابت واليقينيات والمقدسات التي أنتجت سائدا متوائمأ بين اللغة والكلام. قام الادب الوجيز على دعائم لغويّة مُتحررة من الحشو والإكثار والدوران المجّاني حول المعنى، فانطلق من الاتساع الداخلي في اللغة، وطاقة المفردة والإيقاع الداخلي، إبراهيم أنيس يعتبر أن اللغة تنمو وتتسع أبعادها باتّساع الحيويّة الحضاريّة، وقدرتها على تطوير مدلولاتها في النصّ الشعريّ، تشومسكي يتحدّث عن طاقة اللغة التوليديّة. فكل زمن أدبيّ تماهيه أزمان لغويّة قادرة على إطلاق المعنى لمداه الأقصى، كأن يتسع معنى المفردة في النصّ الشعري، من دون تبدّل في تركيبها الصرفيّ. أمّا كيف ننتقل من النظري الى التطبيقي، فنحن نعتمد اقامة الندوات الحوارية والمؤتمرات النقديّة وكتابة المقالات بشكل اسبوعي دوريّ، الشعر والفنون قاطبة تؤثر بالتراكم والاستمرار.
4- يعرّف (عز الدين المناصرة) – (قصيدة التوقيعة) بأنها قصيدة قصيرة جدا، موجزة، مكثفة، تتضمن مفارقة مدهشة، ولها ختام مفتوح أو قاطع حاسم، هل يمكن أن نتحدث هنا عن شعر الومضة؟ هل يمكن لكل قصيدة قصيرة أن تنضمّ في أصلها الى شعر الومضة؟ وما هو تعريفكم الجديد لهذا النوع الأدبي الذي تعملون على تأصيله؟
عُرف عز الدين المناصرة كتجديدي، وكشاعر المقاومة في أواخر الستينات، وكان يُطلق عليه لقب- الشعراء الأربعة الكبار في الشعر الفلسطيني، محمود درويش وتوفيق زياد وسميح القاسم، وهذا ليس عليه اجماع، حيث كتب في مصر قصيدة الهايكو، ولكنه اعتبرها غير قادرة على
التعبير عن خلجاته، فكتب في العام 1964 قصيدة التوقيعة لاعتباره انها أشمل وأكثر تنوعا وابداعا من الهايكو، وبعد أن طبع ديوان التوقيعات الأول في بيروت، اعتبره النوع الخامس بعد القصيدة العموديّة – الموشّح – التفعيلة – النثريّة، السؤال هل استطاع المناصرة أن يوائم بين التنظير للتوقيعة وكتابتها، أم أخفق في تطوير قصيدة الهايكو وتعريبها بتجاوز تركيبتها خمسة سبعة خمسة. نحن في ملتقى الأدب الوجيز نعتبر محاولاته لم تستطع أن تُنجز ابداعا مستقرّا ومستمرّا؛ فدمج عدة أنواع أدبيّة متداولة لن يخلق نوعا أدبيّا قائما على منطلقات فكريّة فلسفيّة، اذا استعرضنا توقيعة واحدة من توقيعاته كنموذج:
هيّا إلى السباحة:
قمّة جبل أخضر
ضفدع لونُه(تركواز)
هيا إلى السباحة أيها الجبل
إن كنت رجلا!!
المفارقات والتشبيهات والاستعارات لم ترقَ الى البلاغة لبساطة ومباشرة سرديتها ولم تخالف التركيبة الذهنيّة لفلسفة الهايكو التي ارساها الفيلسوف الصيني تسونغ تسو، قد نجنح الى تسميتها توقيعات هجينة لضراوة التشبيهات المُفتعلة.
شعر الومضة يرتكز على منطلقات فكرية – فلسفيّة عميقة أوجزناها أعلاه، متطابقة مع الومضة بأبعادها المُبتكرة في الشكل والمحتوى والدلالات، الفارابي مثلا يعتبر أن اللغة منطقٌ داخليّ ونطقٌ خارجيّ، وموريس باشلار يقول ان اللغة ليست وسيلة تخاطب بقدرما هي استنطاق الكون وتأويل معناه، وهذا لا ينتج الا بكثافة الوعي الداخلي في سياق التطور وابتكار أزمان جديدة بثوريّةٍ دائمة الحدوث تتحول فيها وجهة النظر تباعا الى الحياة والكون والفن.
هذا يقودنا الى تحديد المفاهيم القياسيّة للشعر القصير أو المختصر، الذي من دون التكثيف لا يمكن ان يتصف بصفة الومضة.
5- ما الذي يميّز شعر الومضة عن القصّة القصيرة جدا؟ وما هي شروط هذا النوع بالنسبة إليكم؟
لا يمكن أن نطلق على شعر الومضة صفة قصيدة الومضة لعدم اكتمال عناصرها قياسا بالتصنيفات المتداولة. فالومضة هي حالة شعريّة شديدة الحساسيّة البحثية عن المكنون والغامض في علاقتنا الوجودية بالحياة والكون، هي استقصاء اللامرئي واللا متخيل، قد تكون تفكيك كل ما نشأ من نظريات فلسفيّة، فالزمان متحوّل والمكان متحوّل، هذا محتوى شعر الوضة باختصار، أمّا الشكل وهو الحالة الثوريّة للمحتوى، قد توصّلنا في الملتقى الى ضرورة التحرر من الاشكال السائدة فالنصّ هو الابداع أكان ناجما عن وعي داخلي أم لاوعي تخيّلي، على أن لا يقلّ عن ثلاث كلمات ولا يزيد عن الواحد والعشرين كلمة.
القصة القصيرة جدا، أو القصة الوجيزة كما نجنح الى تسميتها فهي ترتشد بشعر الومضة من حيث التكثيف والإدهاش لكن بسياق سردي خالص خالٍ من أي بلاغة شعريّة.
6- بالنسبة اليكم ما الذي يُميّز شعرالومضة عن أية كتابة نثريّة قصيرة ؟
اذا كانت الشعريّة هي المقصودة في السؤال، فأي نصّ شعريّ، بغضّ النظر عن شكله ونوعه، تتحقق فيه الابداعيّة والإضافة والرؤيويّة، هو شعر، فليس التطويل او الاختصار هو شرط الشعريّة اطلاقا، هناك نصوص قصيرة هشّة وهناك نصوص طويلة هشّة ايضا. أمّا مسألة التمايز فهي جليّة وواضحة، فنحن نرى الى مرحلة الخمسينيّات التي شهدت حركة تجديدية واسعة، قادها مظفر النواب وسلمى الخضرا الجيوسي وسواهما ومجلّة شعر – أدونيس ويوسف الخال وأنسي الحاج وما تلاها حتى الآن، لم تستطع أن تنجز تحولا جوهريّا باهرا برغم امتدادها على مساحة العالم العربي واعتماد قصيدة التفعيلة والقصيدة النثريّة من الأكثريّة الساحقة من الشعراء العرب، الّا انها تراجعت لوقوعها في اعتقاد البعض بسهولة الكتابة في هاتين الظاهرتين اللتين لم ترتقيا الى مرتبة نوع أدبي ذات مرتكزات فكريّة فلسفيّة، وقد ساهم الاستسهال ببروز نصوص هشّة تتماهي بفكرها وانتمائها بالسائد حيث لم تقدّم جديدا معرفيّا ولم تستطع تجاوز الزمن الأدبي السائد فبقيت في ماضويتها إنما بنمطيّة شكلانيّة مغايرة. ولم تتحرر من المداورة والحشو والسرديّة الشعريّة. بينما
شكّل الوجيز حركة تجاوزية جديدة تقوم على فكر فلسفي واضح ومنطلقات فكريّة مفتوحة على المستقبل كرافعة لابتكار زمن شعريّ جديد.
7- اذا اعتبرنا بحسب عز الدين المناصرة الذي يُجمع النقاد على أنه أول من كتب قصيدة التوقيعة في الأدب العربي وقد ميّز بينها وبين قصيدة أو شعر الومضة بقوله: قصيدة التوقيعة التي لا تكون نهاية مقطع، فهي قصيدة ومضة مكثفة، خاتمتها مفتوحة على تأويلات، تمثل مفارقة شعريّة، كيف يتم التنظير من قبل ملتقى الادب الوجيز لهذا النوع الأدبي؟
أريد أن أجزم، أن الزمن الشعري والتنظيري في سبعينيات القرن الماضي، هو غير زمن الأدب الوجيز، فالتنظيرات الفكريّة – الفلسفيّة والنقديّة التي نشرها ملتقى الأدب الوجيز في الصحف اللبنانيّة والعربيّة، والندوات المتخصصة واللقاءات الحواريّة التي أقامها في لبنان والعالم العربي، اضافة الى المؤتمرات النقديّة التي عقدها الملتقى في تونس، وكان آخر مؤتمر نقدي عقد في حزيران الماضي في بيروت بمشاركة أكاديميين ونقاد وأدباء من ثماني دول عربيّة، وبالشراكة مع الجامعة اللبنانيّة – كليّة الآداب والعلوم الانسانيّة؛ شارك فيه المفكر العربي أدونيس، ولتبيان ما طرحة المناصرة كمقارنة موضوعيّة، نجد أن المناصرة كما يقول هو:
كتبت قصيدتي هايكو تانكا، وفي العام نفسه كتبت قصيدة لي، بعنوان توقيعات، عندها أدركت أن قصيدة التوقيعة أشمل وأكثر تنوعا وإبداعا من الهايكو. وهكذا بقيت أكتب طيلة نصف قرن عدة أنواع شعرية فرعية: الهايكو، الومضة، الملصقات، اللافتات، تحت عنوان واحد هو قصيدة التوقيعة. وفي أوائل السبعينات قمت بجمع عدد من هذه التوقيعات في ديوان صغير، محدود، طبع في بيروت، وفي الألفية الجديدة، أصدرت(طبعة ثانية موسَّعة من توقيعات عز الدين المناصرة. واعترف عدد هام من الباحثين والنقاد، وكتاب الهايكو الشباب الجدد، بدوري في ريادة فن الهايكو، باعتباره فرعا من فروع فن التوقيعة. وما زلت أؤمن بأن التوقيعة الشعرية، أفضل المصطلحات لهذا النوع من الشعر، وكنت قد استوحيت هذا النوع الشعري من هذا المزيج الرائع: التوقيعة النثرية العباسية والمقطعات الشعرية والإبيجرام اليوناني – وفن الهايكو الياباني. وكنت قد قدّمتُ تعريفا موسعا لفن التوقيعة الشعري، تناقلته مراجع عديدة. لقد أتاحتْ التوقيعة لكُتّاب أي فرع شعري أن يكتبوه موزونا أو قصيدة نثر، وأن يوسّعوا موضوعاتها.
نعترف ان الجهود الكبيرة التي بذلها الشاعر كانت محاولة جديّة وعميقة بقصد توظيف كل التجارب الشعرية التي اعتمدها وحاول ان يدرجها تحت لواء التوقيعة، لم يستطع أن يتحرر من المفاهيم التي
التي ارتكزت عليها توقيعاته. التي جاءت مزيجا مُدغما منها جميعا، وهذا افتراق بنيويّ عن شعر الومضة.
8- يكتب أمين الذيب شعرالومضة في خطوة موازية لتأسيس هذا الملتقى، ما الذي تغيّر في القصيدة بعد وضع الاسس التنظيريّة في ملتقاكم ؟
السؤال يقع بين نظريتين نقديتين، الاولى نشأت مع أرسطو والثانية أثارتها الحركة الرومانسيّة؛ هل يسبق التنظير النصّ الابداعي، أم أن النصّ يولّد فكرا نقديّا. لا أدري إذا كان من خلال تجربتي أن ندمج النظريتين. أعتقدُ أن غياب النقد، وإن وجدت بعض المحاولات فإنها لم ترقَ استنباط فكر نقدي فلسفي يرشّد الحركة الادبيّة، هو الذي دفعني الى أن تكون الكتابة الشعريّة موازيّة للكتابة التنظيريّة – النقديّة. خطورة وحساسية المرحلة فرضت آليات تفكير مغايرة عندي، وكون ما نطرحه في الملتقى هو زمن شعري جديد، كنّا ندرك أن السائد لن يتقبّل أي مشروع تجديدي جديد يهزّ سكونه وينقض حالة الاكتفاء عنده. ولا بد من الاشارة الى أننا في الملتقى تجاوزنا التجريبيّة بعصف فكريّ قلَّ نظيره في العالم العربي، حتى انجزنا نوعا أدبيّا جديدا تأصّل بمنطلقات فكريّة صلبة. لا شك أن التراكم المعرفي أنضج رؤيتنا بالحوارات والتساؤلات حتى نكاد ان نستنطق الكون بمذهب ادبي جديد نعمل على بناء شخصيته الادبية والفكريّة والنقديّة. وسيكون ديواني – شعر ومضة الذي سيصدر قريبا ثمرة الجهود الجبارة التي بذلها فريق الادب الوجيز، والذي سيكون المادة التطبيقيّة لتنظيراتنا مجتمعين كوننا نعمل بروحية المؤسسة، وكل انتاج أو ابتكار إنما هو ناتج الحوارات المعمّقة التي تدور في اجتماعاتنا.
9- تقولون في احدى مقالاتكم أن الحلم بتأسيس هذا الملتقى بدأ منذ خمس سنوات تقريبا ولديكم حوالى الأربعين مقالا منشورا في الصحافة، الى أيّ مدى استطعتم لفت نظر الحركة النقديّة؟
قال أدونيس في مقدمة كلمته التي القاها في مؤتمر الأدب الوجيز في بيروت: لا يحتاج الاستاذ أمين الذيب صاحب هذه المبادرة التي تجمعنا الآن الى المدح. فهو يقوم بها أظنّ، تحقيقا لنوع من الواجب الثقافي. ليس من الثقافة إذن أن نسارع أو يسارع بعضنا الى رفض هذه المبادرة أو التشكيك فيها أو هجوها. هكذا ينبغي على المعنيّين بالكتابة، شعرا ونثرا أن يساندوا هذه المبادرة، خصوصا أنها تجيء في مرحلة زمنيّة مُرهَقةٍ ومُرهِقةٍ، عدا أنها تحاول العبور الى المستقبل على جسورٍ واهنةٍ جدا، ومُلتبسةٍ جدا.
قد يكون هذا الكلام النقدي الوحيد، الذي شكّل لنا حافزا ودافعا كبيرين. وهنا لا بد من طرح سؤال
استدلالي، من هو الناقد وما هي المدارس النقديّة التي يرتكز عليها، وبالتالي ما هي الازمات الشعريّة الناجمة عن تخبط الفكر النقدي السائد، وهل تشكّل عندنا نقد أدبيّ، أم أن ما يطغى هو اسقاط نقدي غربي بمعظمه رغائبي، طبعا أثار الأدب الوجيز زوبعة تلقفها التجديديون وعارضها المنسجمون في السائد. وهنا لا بدّ من طرح معضلة التجديد والمفاهيم الراسخة في ماضويّة تجاهلت وتتجاهل كل ما يخالف ويتعارض مع يقينياتها ومقدساتها، نحن في الملتقى مرتاحون للنتائج التي
حققها في اختراق الراهن الراكد وانتشارنا في دول المشرق والمغرب العربيين قد يشكّل رافعة نعمل على دفعها وتطويرها وانتشارها.
10- كيف يصنع الأدب الوجيز اختلافا وتميّزا في لبنان والعالم العربي؟ وما هي الأصداء على صعيد التّلقي؟
المسألة أبعد وأدهى من التمايز، فنحن نخوض حراكا تجديديّا مبني على ركيزتين. ركيزة نقديّة وركيزة ابتكار زمن أدبي جديد. وقد حققنا في كليهما تقدّما حقيقيّا، حيث يعكف فريق الملتقى على إنجاز كتاب نقدي يتواءم ويلبي المشروع التجديدي، كما أنجزنا الى حدٍّ كبير تأصيل نوع أدبي جديد شعر الومضة والقصّة الومضة. وهذا جعل الادب الوجيز حالة قائمة وموجودة بقوّة في المجتمع الأدبي الشعري الأكاديمي على مستوى العالم العربي، ونطمح الى أن تصل الى العالميّة.
11- يحتمل مصطلح الأدب الوجيز أنواعا أدبية أخرى، هل تفكرون في الاتجاه نحوها عبر التنظير أو التطبيق أو العمل عليها؟
يعمل الأدب الوجيز، من خلال كتابة تنظيريّة نقديّة، وكتابة النصّ التطبيقي الى خلق وعي جديد يتشكّل بالتراكم، فاللغة تتيح وعيا متناميا في وعيها للذات الفرديّة المُبدعة وللذات الكونيّة التي قد تكون أبعد من الخيال في مكنوناتها القصيّة، إذا المسألة هي ابتكار علاقات جديدة بين المفردة والمفردة، خلق المعاني البكر التي تتجاوز المعرفة العقليّة السابقة، وتبني عوالمها الاستنطاقيّة الرؤيويّة المغايرة، حيث تتوالى الصور الجماليّة بتشكّل الوعي الجديد الذي يفترق ويتمايز حكما عن الوعي القديم. هذا الوعي هو ما يحكم حركيّة الأدب الوجيز.
أمّا الأنواع الأخرى أي النصوص القصيرة، فقد حاولنا وأقمنا الحوارات العديدة والمعمّقة، ونحن منفتحون على ايّ حوار منفتح غير واقع في الاصطفافات والقبليّة الأجناسيّة، على أن يكون الابتكار الذاتي البعيد عن التكرار والاقتباس والإسقاط الذي يحكم الحالات الحواريّة.