** مي زيادة **
الكاتبة التي أحبها معظم أدباء عصرها و كانت نهايتها في مستشفى للأمراض العقلية!
========================
ولدت مي زيادة و اسمها الحقيقي ماري إلياس في 11 فبراير سنة 1886 ببلدة
الناصرة بفلسطين ، و هي ابنة وحيدة لأب لبناني وأم فلسطينية أرثوذكسية ،
تلقت دراستها الابتدائية في الناصرة بفلسطين ، و الثانوية في عينطورة
بلبنان ، و في عام 1907، انتقلت مع أسرتها للإقامة في القاهرة ، و درست في
كلية الآداب
و أتقنت تسع لغات منها الفرنسية و الإنجليزية
و
الإيطالية و الألمانية و في القاهرة عملت بتدريس اللغتين الفرنسية و
الإنجليزية و تابعت دراستها للألمانية و الإسبانية و الإيطالية ، كما عكفت
على إتقان اللغة العربية وتجويد التعبير بها ، و تابعت دراساتها في الأدب
العربي
و التاريخ الإسلامي و الفلسفة في جامعة القاهرة .
————————————————-
● صالون الآنسة مي :
في الوقت الذي كانت فيه المرأة لا تزال تخطو أولى خطواتها في التعليم و
الحرية الفكرية كانت مي رائدة التنوير في عصرها متفوقة بذلك على المفكرين
الرجال و كان لها صالون ثقافي بدأ انعقاده سنة 1913 و كان يعقد يوم
الثلاثاء من كل أسبوع و كان يحضره عمالقة الأدب و رواد السياسة و مشاهير
العلماء
و أعيان البلد ، كمصطفى عبد الرازق ، و أحمد لطفي السيد ، و طه حسين ، و مصطفى صادق الرافعي ، و خليل مطران و إسماعيل صبري
و عباس محمود العقاد و غيرهم .
و هكذا اجتمع أعلام الدين وأقطاب السياسة
و رواد النثر و فرسان الشعر في صالون الآنسة مي ، و هذا تقدير للمرأة
العربية التي استطاعت جمع الرجال من حولها يتناقشون فيما بينهم نقاشا حرًّا
في السياسة و الأدب و الدين
و الثقافة العالمية ، و كان جمال مي الروحي
و الجسدي و كلامها الحلو و نبرتها الهادئة
و ثقافتها الكبيرة ، كان كل ذلك يضفي على المجلس بهاء و رقيا وإحساسا
راقيا بالجمال في أرقى تجلياته ، و لم يكن أحد يغيب عن المجلس إلا لظرف
قاهر .
و قال الشاعر إسماعيل صبري عن صالون مي يوم الثلاثاء :
روحي على بعض دور الحي حائمة
كظامئ الطير تواقا إلى المـــــــاء
إن لم أمتــــــع ب مي نــاظـــــري غدا
لا كــان صبحك يا يوم الثلاثاء !
————————————————-
● مي زيادة و العقاد :
تعلق الكثيرين من الأدباء بمي و منهم مصطفى صادق الرافعي و أحمد لطفي السيد و العقاد
و التقت مي بالعقاد كثيرا في صالونها الأدبي
و في فترة وجوده في مسقط رأسه أسوان كانا يتبادلان الرسائل و منها :
العقاد يصف حبه لمي : ( الحب الذي جعلني انتظر الرسالة أو حديث التليفون كما ينتظر العاشق موعد اللقاء )
مي في رسالة للعقاد : ( لا تحسب أنّني أتهمك بالغيرة من جبران فإنّه لم يرني و لعلّه لن يراني و لكن طبيعة الأنثى يلذ لها أن يتغاير فيها الرجال )
استفز حب مي و جمالها شاعرية العقاد فسطر فيها أعذب الأشعار رغم أنه لم يكن بالأساس شاعرا و منها :
يا “مي” يا “مي” ذاك اسم
تغني حلاوته عن كل تلقيب
و أن لي رغبة يا “مي” ضارية
فلا تضني بها يا خير مرغوب
و انت معبودتي يا “مي” ما ظفرت
عيني بتمثال حسن منك مرقوب
و هناك قصيدته الرائعة في رثائها :
أين في المحفل “مي” يا صحابْ ؟
عودتنا ها هنا فصل الخطاب
عرشها المنبر مرفوع الجناب
مستجيب حين يُدعى مستجاب
أين في المحفل “مي” يا صحاب ؟
سائلوا النخبة من رهط النديّ
أين “مي”َ ؟ هل علمتم أين الندى “مي”
الحديث الحلو واللحن الشجي
و الجبين الحر و الوجه السني
أين ولى كوكباه ؟ أين غاب ؟
————————————————-
● مي زيادة و جبران خليل جبران :
و على كثرة من أحبوها و هاموا بها تظل قصة حبها لجبران خليل جبران هي الأروع و الأغرب ، ربما لأنهما لم يلتقيا أبدًا و ظل قلبها مأخوذاً به طوال حياتها ، و دامت المراسلات بينهما لعشرين عامًا منذ 1911 و حتّى وفاة جبران في نيويورك عام 1931.. واتخذت مراسلاتهما صيغة غرامية عنيفة و هو الوحيد الذي بادلته حبًّا بحبٍّ و إن كان حبًّا روحيًّا خالصًا و عفيفًا
و كما لم تعرف قصص الحبّ أروع من قصة جبران و مي لم يعرف الأدب العربي أروع من رسائلهما المتبادلة ، تقول مي في إحدى رسائلها لجبران :
( ما معنى هذا الذي أكتبه ؟ إنّي لا أعرف ماذا أعني به ! و لكنّي أعرف أنك محبوبي ، و أني أخاف الحبّ ، أقول هذا مع علمي بأن القليل من الحب كثير ، الجفاف و القحط و اللا شيء بالحب خير من النزر اليسير ، كيف أجسر على الإفضاء إليك بهذا ، و كيف أفرّط فيه ؟ لا أدري ، الحمد لله أني أكتبه على ورق و لا أتلفّظ به ، لأنّك لو كنت حاضراً بالجسد لهربت خجلاً بعد هذا الكلام و لاختفيت زمناً طويلاً ، فما أدعك تراني إلا بعد أن تنسى )
————————————————-
● مرض مي زيادة و وفاتها :
بعد وفاة والدها و والدتها و حبّها الوحيد الشّاعر جبران خليل جبران
انهارت مي لدرجة أنها قضت بعض الوقت في مستشفى للأمراض النفسية و لأنها لم
تتزوج و لم يكن لها أقارب في مصر أرسلها أصحابها إلى أهلها في لبنان
فأساؤوا إليها و أدخلوها «مستشفى الأمراض العقلية» مدة تسعة أشهر و حجروا
عليها فاحتجّت الصّحف اللبنانية و بعض الكتاب
و الصحفيون ، فنقلت إلى مستشفى خاص في بيروت ثم خرجت إلى بيت مستأجر حتى عادت لها عافيتها ثم عادت مرة أخرى إلى مصر
لم تتحمل مي العيش في مصر بعد فقد الأحباب فسافرت إلى إنجلترا لتغيير المكان و منها إلى روما و لكن الحياة هناك لم ترُق لها فعادت مرة أخرى إلى مصر مستسلمة لأحزانها حيث توفيت في مستشفى المعادي بالقاهرة في أكتوبر عام 1941 عن عمر 55 عاماً و لم يمش وراءها رغم شهرتها و معارفها و أصدقائها الذين هم بغير حصر ، سوى ثلاثة من الأوفياء : أحمد لطفى السيد ، خليل مطران ، و أنطوان الجميل .
و قالت السيدة هدى شعراوي في تأبينها «كانت “مي” المثل الأعلى للفتاة الشرقية الراقية المثقفة» و كُتبت في رثائها مقالات كثيرة بينها مقالة لأمين الريحاني نشرت في «جريدة المكشوف» اللبنانية عنوانها «انطفأت مي»