
سألني صديق على الخاص:
ــ ما رأيك أستاذ بإبداع ” المناسبات” ، كالنصوص التي تكتب عن وباء كورونا و بخاصة في ( ق ق ج) ؟
فكان ردي :
إنّ الإبداع ليس رهين الطلب. و المبدع ليس مبرمجا كلّما اعترضه عارض يكتب عنه.. المسألة رهينة بتفاعل و تخمّر، و استعداد و تدبّر…و إلا سيأتي الإنتاج فجّا، و في أحسن الأحوال يكون تعبيراً إنشائياً.. و التّعبير لا يعني القص في شيء. قد نقول لكاتب أحسنتَ التّعبير، و لكن لم تكتب قصّة.
لأنّ القصّة عالم تخييلي خاص، ا الواقع المعيش ما هو إلا ذلك المحفز و الدافع للكتابة ليس إلا. فكثير من النّصوص: شعرية، و قصصية التي كتبت عن وباء كورونا مثلا.. هي مجرد تقارير موجزة.. تغلب عليها التّقريرية، و أحياناً الموعظة و الإرشاد.. و هذا لا يجوز فنّياً. وقد يحتج البعض بمسوغ الظّرف الطّارئ الذي يستوجب التّوعية.. و لكنّه مسوغ باطل ، و مرفوض فنّياً و جمالياً، فالموعظة و الإرشاد..و حتّى التّوعية المباشرة ..لها مجالها الخاص، و إن كان في الإمكان تمرير ذلك فنّياً، لا بملفوظ الفعل ( énoncé du faire) و لكن بلغة الإحالة ، و الإيماء ، و الرّمز و الإشارة …و قد يحتج آخر بقوله : هناك نصوص جيّدة و متميّزة كُتبت عن وباء الكورونا الذي نعيشه ..
أقول: بأنّه يجوز ذلك، و لكن لا يشكل القاعدة ، و المبدعون يختلفون، من حيث الثّقافة و الوعي بذات الشّيء، و الاستعداد النّفسي، و الأهمّ الرّؤية ( vision): نص يحكي الواقع و يصوره كما نعرفه، و نسمع عنه يومياً في الأخبار، نص محدود التّأثير، إن لم يكن لا يختلف عن موجز خبري في شيء، لأنّ رؤيته مبنية أساساً على ما هو مَعلوم، و ما هو شائع بين النّاس..و الإبداع الحقيقي أن تأتي بالجديد في قالب قصصي، لو أخذنا ظاهرة وباء كورونا في نص سردي مثلا ، و و جدنا وجهة نظر ( point de vue) السّارد تنصب بشكل تبئيري ، على وظيفة سردية مفادها : إيجابية الوباء !!!
لا شك أنّ هذا سيكون مدهشاً، وغريباً، يدفع للتّساؤل والتّأمّل، و لربّما للانْفعال و الاستنكار و الغَضب… و لكن دعنا من التّشنج الانفعالي، و لنتحدث بهدوء و روية، أليس لوباء الكورونا غير الموت ، و تأزيم الاقتصاد، و تغيير النّظم المتعارف عليها..؟
بلى هذا الوباء رغم سلبياته الكثيرة، كشف أشياء كانت مُغيبة، تخصُّ الأنظمة السّياسية، و الاقتصادية، و التعليمية، و الصّحية…تخصّ رؤية الإنسان للإنسان.. و رؤيته للكون ..
ستمر جائحة الكورونا كما مرّت غيرُها من الجوائح. و لكن العالم سيتغير، لأنّ ما كُشف لا يمكن السّكوت عليه. فالعالم بعد هذه الكارثة الوبائة.. لن يكون هو العالم نفسه من قبل.
و لهذا القاص بفضل وجهة نظره ، أبدع حين جدّد رؤيته، فنهج السّرد المتقدم مثلا، و هو النّوع الذي يستشرف نتائج الحاضر، أو ما سيكون لاحقاً، فوظيفة السّارد لم تهتم بالتّعبير الخالص بقدر ما اهتمت بالوظيفة الاستطلاعية…و نوع الخطاب (type de discours)
مسلك
