أوّل كتاب شدَّني إلى القصَّة و السَّرد عموماً

كتـــاب البدايـــــة

صباح اليوم و في إطار الحجر الصّحي، فكّرت أن أرتب كتب مكتبتي بعد فترة استغرقتُ خلالها في تتمّة بعض الكتابات، فتركتُ الكتب منثورة كأوراق الخريف هنا و هناك..فكانت المفاجأة، إذ و أنا أعيد الكتب إلى مكانها تبيّن لي كتاب في حجم متوسط،خلف كتب قديمة، ما أن رأيته حتّى انتفضت الذّكرياتُ في ذهني و كأنّها أحداث الأمس القريب.
كان الكتاب تحت عنوان ” مغامرات و أسرار” لإدغار ألن بو ( Edgar Allan Poe )، الذي يُعتبر أوّل أديب أمريكي تجاوز أثره حدود أمريكا ، فله الفضل إلى حدّ كبير في نشوء الاتجاه الرّمزي في الأدب الأوروبي عامّة و الفرنسي بخاصّة و ممن أعجبوا بكتابته و ترجموا له الشّاعر الكبير شارل بودلير .. فالكتاب عبارة عن مجموعة قصص، نقلتها إلى العربية الناقدة خالدة سعيد من خلال سلسلة ” روائع القصص العالمي” نشرته ” دار مجلة شعر ” ببيروت سنة 1962 و يضم مقدمة للمترجمة ،و احدى و عشرين قصّة..
المهم ليس هذا، بل المهم في الأمر أنّ هذا الكتاب كان أوّل كتاب شدّني بقوّة إلى عالم القص و السّرديات عموماً سنة 1973 و يومها كنت تلميذا في الثانوي. مُصادفة مررت ببائع كتب قديمة في الدار البيضاء. فلفت انتباهي عنوان الكتاب ” مغامرات و أسرار” فاقتنيته ببضع دريهمات قليلة ، إذ كان البائع زاهدا فيه، و يبدو أنّه مكث عنده طويلا. أذكر أنّني يومها كنت تلميذاً داخلياً في ثانوية محمد الخامس، بعيداً عن أهلي و مدينتي “وجدة ” في أقصى شرق البلاد. و كانت الأنوار تطفأ بعد نصف ساعة من التحاقنا بالمَراقد، و لكن ما أن قرأت مقدمة الكتاب حتّى غرقت في قصصه الأولى، و حين أطفئت الأنوار، استعنت بشمعة، مخالفاً قوانين الدّاخلية. و لو لا النّوم الذي استبدّ بي ، و خوفي من حريق قد تسببه الشّمعة لأنهيت الكتاب..و لكن أتممته بعد ذلك، و أعدت قراءته مراراً..فرسخ في ذهني منذ ذلك الزّمن المُبكر، أنّ القصّة حكي ، و إذا تجرّدت من الحكي، فسمّيها ما شئت، إلا أن تسميها قصّة.. أقول هذا ، لأنّ جل ما أصبحت أطلع عليه من نصوص الآن، لا صلة له بالحكي إلا لماماً . بل هي نصوص جُملها مُتوثبة، متنافرة، سديمية.. تقود إلى اللا معنى، و لا يُجدي معها تأمل ولا تأويل .و بخاصّة في مجال (ق ق ج). التي وقعتْ في كتابتها (شطحات) أسلوبية هي أقرب إلى الهَلوسة ، و الهذيان، و ( مضغ الكلام ) ..و كلّما فاتحتُ مبدعاً فيما كتب، كان جوابه جاهزاً : ” الحداثة، و التّجديد، و التّجريب “. لا أرغب في مناقشة هذه المصطلحات الكبيرة، و سوء فهمها من طرف البعض .. و لكن أقول إنّها أصبحت مشجباً، تعلّق عليه خيبة عديمي الموهبة، و عديمي القدرة على الكتابة الفنّية المرجوّة .. لذا و من خلال تجربة دامت عقوداً من الزّمن، أقول بكلّ ثقة و اطمئنان ، إنّ قراءة هذا المبدع العظيم: إدغار ألان بو ( Edgar Allan Poe ) و لو من باب الاستئناس، ستكشف لا محالة حقيقة القصّة، و متعتها التّخييلية .التي لا نكاد نلمسها في معظم ما ينشر الآن..
الرّجل رغم تميّزه الباهر شعراً، و قصّة، و رواية.. لم يعش إلا حياة قصيرة، و لكن ما خلّفه لا يُعدُّ بالسّنين.رغم الفقر، والبؤس، و الدّيون ..تقول عنه الناقدة خالدة سعيد في متمّ مقدمتها : ” هذا الشّخص الذي اجتاز الأعالي الفنّية الوعرة، و غاص في مهاوي الفكر الإنساني، و اكتشف عبر حياته الشّبيهة بالعاصفة التي لا تهدأ،طرائق جديدة، و أشكالا مجهولة، لكي يدهش الخيال، و يروي العقول الظّامئة أبداً إلى الجمال.. هذا الشّخص مات فوق أحد المقاعد في الشّارع عام 1849 و كان عمره سبعة و ثلاثين عاماً.”

إدغار ألان بو ( Edgar Allan Poe )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.