أسماء وأسئلة : إعداد و تقديم: رضوان بن شيكار – ضيف حلقة الاسبوع الكاتب والناقد جميل الحمداوي

المنار الثقافية الدولية أغسطس 17, 2020تحقيقات صحفية

د جميل حمداوي

تقف هذه السلسلة من الحوارات كل اسبوع مع مبدع اوفنان اوفاعل في احدى المجالات الحيوية في اسئلة سريعة ومقتضبة حول انشغالاته وجديد انتاجه وبعض الجوانب المتعلقة بشخصيته وعوالمه الخاصة.

(1) كيف تعرف نفسك للقراء في سطرين؟
جميل حمداوي ناقد مغربي، يشتغل ضمن رؤية موسوعية، من مواليد مدينة الناظور بالمملكة المغربية، أمازيغي الهوية، غيور على وطنه وأمته العربية الإسلامية. كتب مجموعة من المؤلفات والكتب الورقية والإلكترونية في مجالات علمية ومعرفية متنوعة.
ومن جهة أخرى، فهو أستاذ التعليم العالي بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بالناظور، يُدرّس علوم التربية ومناهج البحث التربوي. كما يدرس مناهج البحث، والمناهج النقدية، والأدب الرقمي بماستر الكتابة النسائية بكلية الآداب بتطوان. ويدرس أيضا الرواية ومناهج ما بعد الحداثة بماستر النثر العربي في الكلية نفسها. وقد كلف كذلك بتدريس فنون التحرير الصحفي والإعلام الأمازيغي بالمدرسة العليا للترجمة بطنجة، تخصص ماستر الصحافة.

(2) ماذا تقرأ الآن وماهو أفضل كتاب قرأته؟

أقرأ، الآن، الكتب والدراسات المتعلقة بالأدب المقارن، بما فيها كتاب مدارس الأدب المقارن لسعيد علوش، كما أقرأ ما كتب عن الأدب المقارن في الحقل الثقافي الغربي، بالبحث عن الجديد في هذا المجال. وأقرأ كل ما يتعلق بالأدب الشعبي من جهة، والسرد العربي القديم من جهة أخرى. وأفضل كتاب قرأته هو كتاب (مقاصد الشريعة الإسلامية) للطاهر بن عاشور الذي أسس علم المقاصد بعيدا عن علم أصول الفقه.

(3) متى بدأت الكتابة؟ ولماذا تكتب؟
بدأت تجربة الكتابة منذ 1996م، بل منذ أن كنت تلميذا في الإعدادي؛ إذ نظمت مجموعة من القصائد الشعرية العمودية وفق الإيقاع الخليلي. وكتبت كتبا في فقه اللغة والنحو العربي. وبعد ذلك، انطلقت في التأليف في أثناء إعدادي للدراسات العليا، وتحضير الماجستير والدكتوراه.
ولكن أحسن فترة انطلقت فيها بسرعة هي تلك الفترة التي تمتد من 2007 إلى يومنا هذا. ولقد استفدت كثيرا من أخطائي الكثيرة والعديدة في مجال الكتابة؛ لأن الذي يكتب كثيرا يخطئ كثيرا. وقد بدأت حياتي الثقافية الحقيقية بمقال أعجب به الكثيرون، وقد نشرته في مجلة عالم الفكر سنة 1997م بعنوان (سيميوطيقا العنوان). وأنذاك، كنت شابا في أربع وثلاثين سنة.
وأستدرك وأقول: إن أول كتاب ألفته في حياتي كان في السنة الأولى من الثانوي مع صديقي القاضي عبد الله سنة 1980م بعنوان (تاريخ الأدب العربي)، كنا نقلد فيه حنا الفاخوري. وإن كنت قد نظمت قصائد شعرية قبل ذلك في السنة الثالثة إعدادي وفق العروض الخليلي، فقد أبدعت قصيدة شعرية وفق البحر المتقارب. وبعد ذلك، نظمت قصائد متعددة، ففازت قصيدة منها بجائزة الإبداع بمدينة الناظور، بالتباري مع مجموعة من المدرسين المصريين.
وبعد ذلك، ألفت كتابين في الجامعة: كتابا في فقه اللغة، وكتابا في النحو الذي أثار إعجاب أستاذ المادة وأساتذة اللسانيات بكلية الآداب بوجدة في 1985م؛ لأني طبقت منهج القرائن لتمام حسان، أو ما يسمى أيضا بالبنيوية الوصفية، على درس الفاعل في اللغة العربية. وبعد ذلك، حولت تفاصيل الكتاب إلى بحث تربوي نشر سنة 1987م بالمجلة التربوية في الكويت بعنوان (تدريس النحو العربي في ضوء منهج القرائن).
وفي الجامعة بوجدة وتطوان، قدمت مجموعة من العروض في الرواية، والنحو، والنفس الإنسانية، والمناهج النقدية، والرواية اللغوية، والشعر الجاهلي…
ومن جهة أخرى، أنا مدمن على القراءة والكتابة بشكل غير طبيعي بكل صراحة؛ لأني أجد في ذلك راحتي وجنتي وسعادتي الكاملة. فالكتابة فضيلة، وحرية، وكينونة، ووجود. ومن ثم، فالكتابة هي الحياة، والحب، والدنيا، والآخرة. وهي كذلك محراب الزهد، ومقام العطاء، وكتاب التفاني، ومسلك التجلي الصادق. وفي الأخير، الكتابة هي حياة جديدة بامتياز. أي: إن الكتابة هي التي تعطي الحياة للمبدع أو المثقف أو الباحث. ويعني هذا أن الكتابة هي إكسير الحياة، وسر الوجود والأنس والحرية والاستقرار والسعادة والفضيلة والكمال. فهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون. ولم يقل الله جل شأنه: هل يستوي الذين يملكون والذين لا يملكون. ويعني هذا أن الإنسان يتميز عن البهيمة الحيوانية بالمعرفة والعلم والثقافة، بشرط أن يعطي منها للآخرين، ويسعدهم بذلك أيما سعادة. وفي المقابل، لا ينبغي أن يكون الباحث، أو المبدع، بخيلا أو شحيحا ينشر من أجل حفنة من الدراهم والدنانير، بل لابد من التضحية والإيثار والغيرة على الوطن والأمة والإنسانية جمعاء. فلابد أن يتسلح المبدع أو الباحث أو المثقف، بفلسفة الجود والعطاء والكرم، ويتمثل رؤية كونية متسامحة ومتعايشة وخيرية.

(4) ماذا تمثل مدينة الناظور بالنسبة لك؟

أنا من مواليد مدينة الناظور، مدينة ساحلية توجد في شمال المغرب، هويتها أمازيغية، ولهجتها هي الريفية. أفتخر بمدينتي التي ترعرعت فيها بين أزقتها ودروبها وأحيائها الشعبية الحميمة، ونشأت بين أحضان عائلتي وجيراني في حي ” إشوماي” الذي كان يشكل أسرة واحدة. ومن ثم، فلمدينتي تاريخ طويل وممتد في الزمان والمكان. كما تعرف مدينتي بسجل المقاومة والنضال من أجل نيل الحرية، ومحاربة الاستعباد، والاسترقاق، والاستغلال.

(5) هل أنت راض على إنتاجاتك؟ وماهي أعمالك المقبلة؟

لست راضيا على كتاباتي السابقة، وإن كانت كتابات تأسيسية وتمهيدية وتجريبية علمتني الكثير من الأشياء. ولا أريد عرضها في المواقع الإلكترونية؛ لأني أخجل من نشرها لكثرة أخطائها. لكني أرضى على بعض الكتابات، ولا أرضى على الأخرى. ويعني هذا أن ثمة مستويات مختلفة من حيث الجودة والجدة والتميز. بتعبير آخر، أكون مقلدا في بعض دراساتي، وأكون مجددا في دراسات أخرى.
ومن جهة أخرى، هناك ردود إيجابية وسلبية. وما يثيرني كثيرا هو وقوعي في الأخطاء المشينة كرفع خبر كان، أو نصب خبر إن، أو نسيان حرف جر مرتبط بفعل معين، أو نسيان عبارة ، أو وضع علامة ترقيم في غير محلها. تثيرني – فعلا- هذه الأخطاء كثيرا . وتستفزني ألما وحرقة ونصبا، وخاصة أني أكتب مقالا في عشرين صفحة أو أكثر، وكتابا في خمسين صفحة إلى خمسمائة صفحة. كما أكتب بسرعة كبيرة، وأكتب كثيرا، ولم أعد – الآن- قويا كما كنت في شبابي. ومن ثم، فإني أحس بالعجز عن تطويق الأخطاء من جميع جوانبها حتى أتفاجأ بخطئي، أو يفاجئني القراء أو الأصدقاء بذلك.
أما الردود المتعلقة بكثرة الكم، والموسوعية، وعدم التخصص في موضوع معين، أو الانسياق وراء النشر الإلكتروني بشكل لافت للانتباه، أو السرقة في بعض الأحيان كما يتهمني بذلك البعض، فهذا لايثيرني في شيء ، بل أرد على أصحابها بأسلوب لبق شرحا، وتوضيحا، وتفسيرا.
لكن هناك من يهاجمني انتقاما عن سبق الإصرار والترصد ليفرغ علي حقده وحسده وبغضه. ولا يكون هذا الفعل المشين الشخصي إلا من الأقربين إلي في المكان والهوية، ولكني سامحتهم في الدنيا والآخرة.
ومن هنا، فكتبي مقروءة بكثرة. والدليل على ذلك إحصائيات موقع الألوكة الإلكتروني الذي يبين، مثلا، عبر مؤشر الكم، ومؤشر التعليقات ، مدى إقبال القراء على تلقي تلك المقالات والكتب. فعدد قراء كتابي (ميادين علم الاجتماع ) هو( 20.810). أما مقالي (المفاهيم السوسيولوجية عند بيير بورديو)، فعدد قرائه هو (39.992). وعدد قراء مقالي (أصول الإنسان الأمازيغي ) هو (153.788).
وتتجاوز كتبي الورقية- كما أتثبت إحصائيات مكتبة سلمى بتطوان- ستمائة (600) نسخة في المغرب. وقد أخبرني صاحب مطبعة أفريقيا الشرق برواج كتبي النوعية، وتدفق القراء الخليجيين على شرائها في كل معرض تقيمه دولة من الدول العربية. أما مقالاتي الأضعف قراءة، فتتجاوز الألف مع مرور الوقت.
وتعني هذه الأرقام الصريحة أن ثمة إقبالا كبيرا من قبل القراء العرب.والدليل على ذلك أن هناك من يهاتفني ويراسلني ويدلي بإعجابه بإحدى مقالاتي أو كتبي. ولذلك، تطبع كتبي في مصر، والجزائر، والأردن، ولبنان، والسعودية، والكويت، والإمارات العربية المتحدة، والعراق…وقد ترجمت مقالاتي إلى الكردية والفرنسية.
أضف إلى ذلك أن مقالاتي وأبحاثي ودراساتي أصبحت مراجع ومصادر مهمة، يعتمد عليها كثير من الباحثين في المعاهد والمؤسسات والكليات والجامعات المغربية والعربية على حد سواء.

(6) متى ستحرق أوراقك وتعتزل بشكل نهائي؟

فعلا، قررت مرات متعددة أن أتوقف عن الكتابة، فقد اعتبرتها مضعية للوقت والطاقة والجهد؛ لأنها دفعتني إلى الانشغال بأمور الناس والوطن والأمة على حساب أسرتي الصغيرة والكبيرة.
وأكثر من هذا لم أستفد شيئا من هذه الكتابة ماديا ومعنويا. ولكن عندما أتذكر فضل الله ونعمه علي، أبعد عني كل الوساوس الشيطانية، ثم أتجلد لأنطلق مجددا كبروميثيوس، أو يوبا الثاني، لأخوض تجربة الكتابة والنشر والتأليف إلى أن تنشب المنية أظافرها في روحي.
وقد سعدت، الآن، بأجواء عالم الكتابة، وأحس بالسعادة المطلقة، وأستشعر النشوة الممتعة. ولا أستطيع التخلي عنها حتى أموت في رحمة الله وحبه وملكوته.
ولن أتخلى عن الكتابة والإبداع والتجديد، مادامت الروح تجري في عروقي وشراييني ؛ لأن مهمتي هي أن أبلغ العلم الذي وهبه الله لي إلى الآخرين بأيسر السبل. فهدفي الأسمى هو إخراج مجموعة من الكتب القديمة ونشرها بسبب قلة الإمكانات لطبعها ورقيا. والهدف الثاني هو تقريب كتبي ورسائلي ودراساتي وأبحاثي من التلاميذ والطلبة والباحثين والمدرسين بأبسط الوسائل الممكنة. لذا، اخترت النشر الإلكتروني وسيلة ناجعة لتعريف القراء بإنتاجي المتواضع. ويعد الفايسبوك – اليوم- أداة تواصلية فعالة لخلق نوع من التفاعل المباشر وغير المباشر مع الراصد المتقبل لتبادل الأفكار والمعارف والبيانات. وأكتب كذلك طمعا في صدقة جارية تنفعني بعد موتي، إذا رضي الله – فعلا – عن ذلك العمل.

(7) ما هو العمل الذي تمنيت أن تكون كاتبه ولك طقوس خاصة للكتابة؟

تخضع جميع المؤلفات والمصنفات العلمية لمبدأ التغيير والتبديل والتجاوز، فليست هناك كتب خالدة تصلح دائما للقراء.بمعنى أن قراءة الكتاب تختلف من قارىء لآخر في الزمان والمكان. نعم، هناك كتب متميزة لها بصماتها الخاصة، مازالت تعطي أكلها وثمارها، إلا أن هذا النوع من الكتب قليلة ونادرة جدا؛ لأن المعارف والحقائق والأفكار تتغير كثيرا بين الماضي، والحاضر، والمستقبل. ولكن ثمة كتب حداثية نعتز بها. وشخصيا، تراودني أن أكتب كتابا حول نظرية سيميوطيقية جديدة في الوطن العربي، أوكتابا حول نظرية لسانية جديدة؛ فقد حاولت مرارا وتكرارا أن أكتب في اللسانيات الرقمية أو اللسانيات الميديولوجية، أو اللسانيات الوسائطية التي تتعلق بالنحو الافتراضي أو الرقمي كما في الإنترنيت.

(8) ما هو تقييمك للوضع الثقافي الحالي بالناظور؟ وما هو دور المثقف أو المبدع في التغيير؟

لقد عرفت مدينة الناظور – مؤخرا- تحولات ذهنية وفنية وفكرية واجتماعية مهمة، ساهمت في تحقيق نهضة ثقافية محلية، وانتعاش فكري وإبداعي لانظير لهما .
ونحن متفائلون أيما تفاؤل بمستقبل المدينة والمنطقة التي ستنتعش ازدهارا وتنويرا بفضل كفاءاتها الشابة التي تتطلع إلى مستقبل راق، بعيون كلها أمل وإشراق. وما على هذه الطاقات المبدعة المتجددة إلا التسلح بالصبر، والتشبث بالعزم والإصرار قصد تحدي العراقيل ، ومجابهة الصعاب من أجل بناء دعائم ريف متقدم زاخر بكل مظاهر التنمية والازدهار.

(9) ماذا تعني أن تعيش عزلة اجبارية وربما حرية أقل؟ وهل العزلة قيد أم حرية بالنسبة للكاتب؟

من المعروف أن الكاتب أو المبدع أو المثقف يعيش دائما في عزلة ووحدة، أو يعيش اغترابا ذاتيا ومكانيا من حين لآخر.بمعنى أن الإبداع يتأسس على الوحدة والانعزال عن الناس، فالمبدعون والفلاسفة منعزلون بشكل طبيعي، وحياتهم دائما في عزلة عن الناس و الآخرين. وبالتالي، يتطلب الإبداع الحقيقي أن ينعزل المثقف بذاته للتفرغ للكتابة والعطاء المثمر.
بيد أن العزلة قد تكون اختيارية عندما يختارها المبدع أو المثقف، ويكون لهذه العزلة حيثيات نفسية، واجتماعية، وفكرية، وفلسفية. بيد أن هناك عزلة إجبارية تفرض على المبدع أو المثقف لسبب من الأسباب، قد تكون ذاتية أو موضوعية.ومن ثم، فهي عزلة مفروضة على المبدع أو المثقف الذي يحب الحركة والانشراح والاستمتاع بالفضاء الخارجي للتعبير عن ملاحظاته وتوقعاته.وقد رأينا – أخيرا- أن عزلة كورونا كانت لها آثار إيجابية وسلبية، فمن الإيجابيات أنها قد ساعدت المبدع والباحث والمثقف على القراءة والكتابة على حد سواء، ولقد استفدت – شخصيا- من هذه العزلة التي جعلتني أكتب فيها دراسات ومقالات وأبحاثا وكتبا بشكل إيجابي.ولكن لهذه العزلة الإجبارية سلبيات عديدة؛ لأنها تحد من حرية الإنسان المبدع والمثقف الذي يحب السفر والارتحال والحوار مع أصدقائه المثقفين، والاجتماع بهم في المقاهي والمنتديات والصالونات الثقافية، والمشاركة في المحاضرات والندوات العلمية والثقافية، وارتياد المسارح وقاعات السينما لصقل الموهية الإبداعية، والسمو بالذوق الثقافي. ويعني هذا أن المبدع كالعصفور الحر الذي يحب الحركة الحيوية، والتجريد في الأفق الواسع بخياله المجنح الممتد في الفضاء الخارجي المفتوح وغير المقيد بالحواجز والمتاريس التي تضعها الدولة والسلطة على حد سواء.

(10) شخصية من الماضي تود لقاءها ولماذا؟

إن الشخصية التي أود لقاءها من الماضي هي شخصية الدكتور محمد أنقار؛ لأنه أستاذي الذي علمني مبادئ الرواية، واكتسبنا منه مغامرة التجريب، والدفاع عن المشروع العلمي، كما علمنا آلية التصوير البلاغي، أو ما يسمى بالبلاغة الرحبة، أو بلاغة المكونات والسمات.
ومن هنا، يعد الباحث المغربي محمد أنقار سباقا إلى رسم معالم الصورة الروائية، أو بلاغة الصورة السردية، أو البلاغة النوعية على المستوى العربي. والدليل على ذلك كتابه القيم (صورة المغرب في الرواية الإسبانية). وقد أتبعه الدارس أيضا بكتاب آخر يندرج ضمن التصور البلاغي نفسه هو (ظمأ الروح أو بلاغة السمات في رواية (نقطة النور) لبهاء طاهر). وقد ساهم محمد أنقار، بكتاباته القيمة، وندواته النيرة، ودروسه الهادفة والبناءة، وإشرافه على كثير من الرسائل والأطاريح الجامعية، في تأسيس حلقة تطوان في مجال الصورة الروائية، وقد تبعه في ذلك مريده الدكتور محمد مشبال الذي يشرف، إلى يومنا هذا، على تأطير هذه الحلقة العلمية، وتسييرها تكوينا، وتوجيها، وتدريسا
بكل صراحة، يعد تنظير المرحوم محمد أنقار للصورة الروائية مشروعا نقديا جديدا في الوطن العربي. فقد ظهر هذا التصور المتميز في التسعينيات من القرن الماضي إن تنظيرا، وإن تطبيقا. ومازالت شعلة هذا المشروع تتوهج تطورا ونموا ورقيا واستكمالا مع مجموعة من طلبة حلقة تطوان النابهين.

(11) ماذا كنت ستغير في حياتك لو أتيحت لك فرصة البدء من جديد؟ ولماذا؟

من المعروف أن لفظة ” لو ” من الشيطان، وتفيد الظن، والتخمين، والتشكيك، والاحتمال، والامتناع للامتناع. فحياة الإنسان واحدة، وليس لها نقيضها أو ما يقابلها من أجل استبدالها بأخرى، عندما لا تعجبه الإنسان حياته في عاجلته. ويمكن أن يتحقق ذلك في حالة واحدة، عندما يرتكب الإنسان أخطاء صغيرة أو جسيمة، يتمنى لو لم يرتكبها، فليس هناك من رجوع في الزمان ولا في المكان، هناك فقط حياة واحدة مستمرة بالاستغفار والتوبة، وطلب العفو الإلهي. أما أن يعود الإنسان إلى شبابه وحياته من جديد، فهذا مستحيل وغير ممكن.

(12) ما الذي يريده الناس، تحديداً، من الشاعر بالخصوص والمبدع على العموم؟
ما هو النقد؟ ومن هو الناقد؟ وهل النقد المغربي يساهم في تكريس بعض الأسماء الرديئة وتجاهل مجموعة أخرى من الأسماء الجادة والمتمكنة؟

من المعروف أن عصرنا هذا هو عصر السرد بامتياز، ولم يعد للشعر تلك المكانة التي كان يتباهى بها في العصور الماضية وبداية القرن العشرين مع المدرسة الإحيائية، والمدرسة الرومانسية بتياراتها الإبداعية ( الديوان، وأپولو، والرابطة القلمية، والعصبة الأندلسية)، وشعر التفعيلة في مرحلته الأولى، بل أصابه الكساد إلى حد كبير مع ظهور الشعر المنثور وشعر الانكسار؛بسبب التجريد المجاني، والإيغال في الغموض، والانسياق وراء الإبهام، والاعتناء بالغنائية على حساب الدرامية، وغياب التراكم الثقافي، وانعدام الرؤيا الفلسفية، وتغييب الإيقاع العروضي، وعدم الاستفادة من العتبات والفضاء البصري بشكل جيد ووظيفي.
وفيما يخص النقد، فيبدو أنه في حركية نشيطة ودؤوبة بشكل مستمر، ويتسم بفعالية وديناميكية بارزة؛ بسبب وجود مجموعة من الباحثين والدارسين الأكاديميين الشباب الذين يهتمون بتقويم الإبداع الأدبي والفني والثقافي بحيوية لافتة للانتباه. بيد أن المشكل الأول يتمثل في ضرورة تجديد المقاربات النقدية، والبحث عن مناهج نقدية جديدة لمسايرة الإبداعات الجديدة.
ويتمثل المشكل الثاني في كثرة المنتج الإبداعي؛ إذ يصعب تتبع جميع ما يكتبه المبدعون.
أما المشكل الثالث، فيكمن في أن أغلب الإبداعات مجرد إنشاءات تخييلية لم تصل بعد إلى مستوى الإبداع الحقيقي.
ومن هنا، لابد للناقد أن يقوم بدوره التنويري الذي يتمثل في القراءة، والتحليل، والتقويم، والتوجيه.
وشخصيا، فأنا متفائل بمستقبل النقد المغربي والعربي على حد سواء، إذا احترم ضوابط النقد الأكاديمي، وحاول أن يكون موضوعيا إلى حد ما بعيدا عن النقد الإخواني و النقد التملقي الذي يسيء إلى الناقد والإبداع على حد سواء.

(13) أنت من بين النقاد والكتاب المغاربة الاكثر نشرا للكتب، وربما أكثرهم على الاطلاق بما يقارب أو يتجاوز الخمسمائة مؤلف وفي مجالات متنوعة وتيمات مختلفة. كيف يستطيع الكاتب جميل حمداوي كتابة ونشر هذا الكم الهائل في ظرف زمني قصيرا نسبيا؟

سؤال مهم. قد يفهم الكثير أن هذا الإنتاج الكمي من أجل إثبات الذات، أو من أجل تحقيق الشهرة، أو من أجل الظهور، أو لميل نرجسي أو سادي أو مازوشي، أو لهدف تنافسي، أو لإثارة الغير من أجل الانتباه إلى هذا الباحث المسكين. فالدواعي والأسباب كثيرة كما يراها الآخرون. يمكن أن تكون تلك الدواعي صحيحة بحال من الأحوال، مادمنا ذواتا بشرية ضعيفة، قد ينخرها الإعجاب بالذات، أو تنساق وراء الغرور والتكبر والخيلاء، ونعوذ بالله من هذا كله…
بيد أن هدفي هو إخراج مجموعة من الكتب القديمة ونشرها بسبب قلة الإمكانيات لطبعها ورقيا. والهدف الثاني هو تقريب كتبي ورسائلي ودراساتي وأبحاثي من التلاميذ والطلبة والباحثين والمدرسين بأبسط الوسائل الممكنة.لذا، اخترت النشر الإلكتروني وسيلة ناجعة لتعريف القراء بإنتاجي المتواضع. ويعد الفايسبوك – اليوم- أداة تواصلية فعالة لخلق نوع من التفاعل المباشر وغير المباشر مع الراصد المتقبل لتبادل الأفكار والمعارف والبيانات. وأكتب كذلك طمعا في صدقة جارية تنفعني بعد موتي، إذا رضي الله – فعلا – عن ذلك العمل.

(14) ماهي الخصائص الفنية والشكلية للقصة القصيرة جدا والذي يميزها عن القصة القصيرة باعتبارك من بين أبرز المنظرين لهذا الجنس الأدبي الجديد؟ وهل أصبح هذا الأخير الحائط القصير الذي يسهل القفز عليه؟

تعد القصة القصيرة جدا جنسا أدبيا حديثا بامتياز، يتسم بقصر الحجم، والإيحاء المكثف، والانتقاء الدقيق، ووحدة المقطع. علاوة على النزعة القصصية الموجزة، والمقصدية الرمزية المباشرة وغير المباشرة. فضلا عن خاصية التلميح، والاقتضاب، والتجريب، واستعمال النفس الجملي القصير الموسوم بالحركية، والتوتر المضطرب، وتأزم المواقف والأحداث. بالإضافة إلى سمات الحذف، والاختزال، والإضمار. كما يتميز هذا الخطاب الفن الجديد بالتصوير البلاغي الذي يتجاوز السرد المباشر إلى ما هو بياني ومجازي، ضمن بلاغة الإيحاء، والسخرية، والمفارقة، والانزياح، والخرق الجمالي.
وتتمثل سمات القصة القصيرة جدا في الإدهاش، والإرباك، والاشتباك، والمفارقة، والحكائية، وتراكب الأفعال، والتركيز على الوظائف الأساسية دون الوظائف الثانوية، والإقبال على الجمل الفعلية، والتكثيف، والتلغيز، والتنكيت، والترميز، والأسطرة، والانزياح، والتناص، والسخرية، وتنويع صيغ السرد القصصي تهجينا وأسلبة ومحاكاة، وتصغير الحجم أكثر ما يمكن تصغيره انتقاء، وتدقيقا، وتركيزا…

(15) لماذا توقف مؤخرا مهرجان الناظور للقصة القصيرة جدا؟ بعد دورات ناجحة كانت قد جعلت من الناظور قبلة وعاصمة للثقافة تحضرها العديد من الوجوه المبدعة من المغاربة كما المشارقة؟

لقد أسدى مهرجان القصة القصيرة جدا بالناظور خدمات كبرى للمدينة بصفة عامة، وجنس القصة القصيرة جدا بصفة خاصة، ولكنه توقف فجأة بسبب غياب الدعم المادي والمعنوي. ومن ثم، لا يمكن للثقافة أن تكون منتجا جيدا وهادفا إلا بالدعم المستمر الذي لا ينقطع، وإلا سيتوقف هذا العطاء بشكل طبيعي.
وهنا، نتحدث عن دور مهرجاننا في إغناء السياحة الثقافية من جهة، وتفعيل الديبلوماسية الثقافية من جهة أخرى. وهناك بعض المسؤولين- سامحهم الله- لا يفهمون هذا الدور المهم الذي تحققه الثقافة في الرقي بالمنتج السياحي، والتعريف بالموروث المحلي للمدينة والوطن على حد سواء، وإطلاع الأجانب على الثقافة المغربية وحضارتها التليدة والطريفة. لذا، كان توقفنا اضطراريا، ولكن إذا وجدنا الدعم المناسب في المستقبل، فيمكن أن نعيده من جديد.

(16) كيف ترى تجربة النشر على مواقع التواصل الاجتماعي؟ وما رأيك في تأثير ذلك في كتابتك أو كتابات زملائك ممن ينشرون إبداعاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي؟

هذا سؤال رائع، ووجيه، ومهم. فالكتاب المغربي يعرف صعوبات على مستوى الطبع والنشر والتوزيع. لذا، فمساحة النشر ضيقة جدا مرتبطة بالمساحة الوطنية. لذا، لابد من تسويق الكتاب خارج الحدود المغربية من أجل تحقيق الانتشار، وفتح مجال الحوار والتواصل، وتبادل المعارف بين أشقائنا العرب، بالسعي الجاد إلى اختراق هذه المساحة العربية نحو ما هو عالمي وكوني.
ومن هنا، اعتمدت – شخصيا- على سياسة مزدوجة تعتمد على النشر الورقي من جهة، والنشر الإلكتروني من جهة أخرى. والسبب في ذلك هو تحقيق الانتشار العربي، وإثبات الذات معرفيا وعلميا، وتعريف المتلقي العربي بالكتابات المغربية. ولن يتحقق هذا الهدف إلا بتقديم كتبي ومقالاتي ودراساتي مجانا لتحميلها من قبل القراء العرب؛ لأن الحياة لن تعطيك شيئا حتى تعطيها ما لديك من علم يستفيد منه الآخرون.

(17) أجمل وأسوأ ذكرى في حياتك؟

لكل إنسان ذكريات جميلة وسيئة على حد سواء. فالذكريات الجميلة تتعلق كلها بنجاحي في الدراسة، والبحث، والكتابة. وتكثر الذكريات الجميلة بممارستي الكتابة، وميلي نحو الموسوعية التي أعطت لي الانتشار على مستوى المواقع الإلكترونية من جهة، والنشر الورقي من جهة أخرى، فقد كتبت الكثير من المقالات والدراسات والكتب التي انتشرت انتشارا سريعا كالنار في الهشيم.
أما عن أسوأ الذكريات، فتمثل في عدة حوادث ووقائع مسيئة وظالمة لاداعي من ذكرها.

(18) كلمة أخيرة أو شيء تود الحديث عنه؟

أوجه رسالة شكر وثناء وتقدير إلى كل من يقرأ كتاباتي المتواضعة في المغرب ودول الوطن العربي، فأنا أسهر الليالي من أجل أن أبلغ إليهم أبحاثي ودراساتي في مختلف المجالات، بأسلوب تعليمي واضح وبسيط. وأنا سعيد بجمهوري من القراء الأعزاء بالمغرب، والجزائر، والعراق، والسعودية، وكردستان، وإيران، ونيجيريا، وموريتانيا، وتونس، وليبيا، ومصر، وسلطنة عمان، وغيرها من الدول العربية والإسلامية والأجنبية. فلدي قراء كثيرون في الهند، وتركيا، وإيطاليا، وإيران، وسلطنة بروناي…

© أسماء وأسئلة : إعداد و تقديم: رضوان بن شيكار – ضيف حلقة الاسبوع الكاتب والناقد جميل الحمداوي – المنار الثقافية الدولية
المصدر: https://almanarjournal2.blogspot.com/2020/08/blog-post_741.html?fbclid=IwAR05BhzXQNqM7nrQI2nkIW3vj0FNZ84LxE6L2YY6P5Nt_z-GK7vHQM4_jak

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.