ال (ق ق ج ) و التَّداخل الأجناسي
لقد أصبحت ظاهرة التّداخل الأجناسي أو ظاهرة ” الكتابة عبر النّوعية Interdisciplinary Writing ” ظاهرة واضحة لا يختلف حولها النقد القديم و لا المعاصر. بمختلف نظرياتهما و مناهجهما. و الابداع أصبح يتنفس الحرية المتاحة و يعتاش عليها. فيستعير أجواء الأخرين، بغية الدّعم و الاستقواء الفني . و تحقيق الابداعية المختلفة و المتنوعة . التي يُقال عنها: ترافد، و تنافذ ،و تراسل ، و تناص أجناسي..
فنحن أمام ظاهرة تشكّل إطارًا ابداعيًا . نتيجته التّفرد والتّميّز. في نص يتّسم بالجمع، و الانفتاح، والحرية اللازمة. و هذه الظّاهرة غذاها في العصر الحديث عالم الجمال الايطاليّ بندتو كروتشه (Benedetto Groce ) و إنْ كانت دائماً في نماء مطرد قبله : كالذي نجده في الشّعر الغربي و كمثال عن ذلك : ” ديوان شارل بودلير ( Charles Baudelaire)( Petits poèmes en prose) حيث يَزدوج الشّعر بالنّثر. و مثل مسرحيات أنطوان تشيكوف (Antoine Tchekhov) التي يَتمازج فيها السّرد الرّوائي بالكتابة الدرامية.. و مثل نصوص طوماس هردي ّ(Thomas Hard ) التي تقترن فيها الغنائية بالتّقريرية ..
و هذا ما نلمسه أيضا في الكتابة الرّوائية التي هي في تطور مستمر. تتّسع لأجناس أخرى كما قال سانت بوف إنّها : “حقل فسيح من الكتابات، وأنّها فنّ كتابي له قدرة التّفتح على كلّ الأشكال العبقرية والكيفيات الكتابية” و كذلك المسرح، الشّئ الذي نشأ عنه ما عُرف بـ (المسرواية ) . والدراما الحديثة تطورت من خلال المزج بين الكوميديا والتراجيديا في التّراث المسرحي الإغريقي، فكانت النتيجة الكوميديا السّوداء، أو المأساة الهازئة. ثمّ الشّعر ما يعرف بالمحكي الشّعري عند ايف تادييه.وذلك بتوظيف :” القالب الشّعري، واللّغة الموحية، والصّور الانزياحية، والتّقنيات البديعية المُختلفة ” ثمّ تقنيات السينما و استغلالها في الكتابة الابداعية، و من ذلك كتابة السيناريو، و الصّورة، و تقطيع المشاهد/المونتاج، والمزج، والفلاش باك…
بل نجد في الرّواية زخما كالفسيفساء يرصّع فصولها، و يحقق بناءها كـ : ” التّاريخ، والرّسائل، والمثل الشّعبي، والشّعر، والأدب المُقارن والخطابة والمناظرة والتّراث الثّقافي والاجتماعي والسّيرة الشّعبية، وأدب الحرب والمنشورات ..”
و لكن هذا التّداخل في الرّواية أو غيرها لا ينفي أبدًا وجود الأجناس و خصائصها المُميّزة :.يفول هنري جيمس ( Henry James): ” إنّ الأجناس هي حياة الأدب نفسها، فمعرفتها تمامًا، و الكشف عن خصوصية كلّ منها و الغوص إلى جوهرها العميق ، كلّ هذا ينتج حقيقتها و قوتها .”
هذا عن الشعر و الرواية و المسرح فماذا عن ال( ق ق ج) ؟
هل أصابها ما أصاب بقية الأجناس من تداخل ؟
لا شكّ أنّ هذا الجنس المستحدث كغيره، لا يمكن أنْ يستمد استمراريته، و تطوره بمعزل عن الأجناس الأخرى. إنّما لابدّ من توضيح ذلك التّعايش و التّراسل و التّجانس…
1ــ ال (ق ق ج) تتقاطع مع الشّعر. في الوظيفة الايحائية، و الاغرائية، و الانفعالية ، و اللّغة الشّعرية بخاصّة، و انزياحات الصّورة البيانية، و تعدّد الأبعاد..
2ـ ال (ق ق ج) تتقاطع مع الرّواية و القصّة القصيرة، و المسرحية فيما يخصّ الحوار، و الشّخصيات ، و الزّمكانية، و المفارقات السّردية بأنواعها، و الحكي الشّاعري، و المسار التّأويلي، للالتقاء بين الأضداد، و الالتئام بين النقائض.
3ــ ال (ق ق ج) تتقاطع مع السّينما من حيث بعض آلياتها: كاللّقطة الوامضة، و الفلاش باك، و التّسريع، و عمليات التّوليف، والقطع/المونتاج، وتجاور المشاهد..
4ــ ال (ق ق ج) تتقاطع مع الشّذرة في الحجم، و الايعاز بالتّأمل، و التّساؤل، و الرّؤية الفلسفية أحيانًا,,
5 ــ ال (ق ق ج) قد تستفيد من الحكمة و أثرها،و الأحجية ( الألغاز) و حيرتها، و الخاطرة و بوحها، وقصيدة النّثر و لغتها، و المثل و بلاغته،شريطة أن يكون كلّ ذلك وفق بنية قصصية.
كلّ ما بداخلها يكون متجانسًا خدمة لفكرة النّص.
و رغم كلّ هذا التّداخل و التّقاطع و غيره ..لا ينبغي للـ (ق ق ج) أن تفقد خصوصيتها التّعبيرية القصصية.أو بنيتها السّردية .. أو أن تتماهى و تذوب في جنس ما ..فهي في تداخلها الأجناسي، تستعير ريشًا من غيرها، لتحلّق بخيال المتلقي بعيدًا ليس إلاّ.
* مسلك ميمون *