ال (ق ق ج) و خطأ الخلط

ال (ق ق ج) و خطأ الخلط

من جملة الأشياء التي وقع فيها خلط شائنٌ بَيِّن: الخلط بين ال (ق ق ج) و النبذة/الشذرة، و النّكتة/الطرفة، و أحيانا الخاطرة إذا ما كانت قصيرة جدًا. ما جعل المتأدب المبتدئ تابعًا لما هو كائن بغير تحرٍّ ، و لا بحث، و لا دراسة .. يعيش نظرية الفوضى ( La théorie du chaos) دون علم أو شعور.

ال (ق ق ج) (La micro nouvelle ) ــ و كما نقول دائما ـ هي قصة متكاملة الأركان، بصيغة مقتضبة، موجزة، مركزة.

يقول الفيلسوف الألماني نتشه، و كأنّه يقصدها، و إن كان لا يقصدها بالذّات : “إن مرماي أن أقول في عشر جمل ما يقوله غيري في كتاب بأكمله.”و يقول النّفري فيما يشبه هذا بصيغة مختلقة: “كلّما اتّسعت الرّؤية، ضاقت العبارة ” و قديمًا قال جعفر بن يحيى:” إذا كان الإكثار أبلغ، كان الايجاز تقصيرًا، و إذا كان الإيجاز كافيًا كان الإكثار هذرًا.” و ورد في المثل :”الكثير ما يقال قي موجز المقال.”

و ال (ق ق ج) حسب روني غوردين (René Gordenne ) تتحدّد من الحكي أساساً كالتّالي:

ــ أن تكون حكيًا قصيرًا. (Être un récit bref )

ــ أن تكون حكيا يتناول موضوعًا محصورًا. (Être un récit fondé sur sujet restreint)

ــ أن تكون حكيًا،سريعاً، و مركزًا. (Être un récit rapide resserré)

بينما النّبذة/ الشّذرة (Aphorisme) قديمة جدًا. ظهرت أوّل ما ظهرت عند اليونان، عند “هيبو كراتس في كتابه: ” أفورزمي” (Aphorismi) فهي فنّ اللّغة بامتياز، تقع بين الشّعر و الفلسفة، محكومة بالعقل، و ليس بالإحساس، و بدون قواعد مُحدّدة. عبارة عن مجموعة من الكلمات، و تتطرّق لجميع المواضيع. و الشّذرة حسب” فريدريش شليغل”: (فن يخاطب المستقبل و الأجيال القادمة، و يظلّ معاصروه عاجزين في أغلب الأحيان عن فهمه أو تقبُّله”و قد وجَدت الشّذرة أنصارَها و روّادها الذين أحْيوها، و أعادوها للحياة، بل هناك من جعلها أنسب للعصر الحالي. يقول أكتافيو باز ((Octavio Pas : ” الشّكل الطّبيعي لعصرنا هو التّشَذُّر”(the fragment is he natural form of our time ) .

و من تمَّ كانت الكتابات المنسوبة إلى ال (ق ق ج) ــ و هي براء منها ــ تبدو غامضة.بل متهافتة، و مبهمة أحيانًا..و كما أنّ ال (ق ق ج) يستسهلها الجاهل بخصائصها. فكذلك الشَّذرة . يقول كارل كراوس:”..كتابة الشّذرة بالنّسبة للذي يستطيع ذلك أمرٌ صعب، و لكنّه أمرٌ سهل بالنّسبة للذي لا يستطيعه.”وهكذا و قع الخلط خطأً بين عمل القاص، و بين عمل الشّاذر (Aphoristiker). عند البعض. فأصبحنا نقرأ شذرات، أو شبيهها.. تعارض كلّ فكر نَسقي، عبارة عن متواليات لجمل فعلية، تتمرّد على كلّ القوانين المتَّبعة في الكتابة، إلا قانون (الأنا)، بَدَلَ قصص تعتمد: ” الحادثة ، و الشّخصية، و العقدة/الحبكة، و أسلوب الحكي.

لهذا ليس مفيدًا نهج منهج الاتباع عن غير وعي. فالكثير الكثير ممن يكتبون ال (ق ق ج) لا يكتبونها. إنّما هم في غمرة الخطإ تائهون، يكتبون الشّذرة أو ما يشبهها، و ينسبونها جهلاً إلى ال (ق ق ج). أو يدبجون طُرفة، أو خاطرة ليس إلا. و الذي أوقعهم في حبائل ذلك، هو عدم البحث، و الدّراسة، قصد تمييز هذا عن ذاك،
و الفرق بين الصّوت و الصّدى، و بين الأصل و الشّبيه. و الاغترار الشّديد بتقاطع خصائص الأجناس السّردية: كالحجم و قصره، و الأسلوب و كثافته..فليس كلّ ما يلمع ذهبًا (All that glitters is not gold) .

* مسلك ميمون*

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.