“للبيع جذاء طفل لم يليس قط “
For sale: baby shoes, never worn”
أرنست همنغواي.
هل هي قصّة قصيرة جدا؟
*** —- ***
لقد سبق و أشرنا في عدّة مقالات أنّ الكثير من النّصوص التي تُكتب باسم ال (ق ق ح) لا تمتّ إليها بأي صلة. كما أشرنا ليس كلّ نص قصير جدًا قصّة، وفي ذلك إشارة ضمنية أنّ لل(ق ق ح) خصائصها المميزة. و البعض حاد عن كلّ هذا، و اتّخذ لنفسه نهجا مخالفا ذاتيا .. و كتب الشّذرة أو ما يُشبهها، أو كلاما كالهذيان، أو أغرق نصه في الابهام.. أو جاء بفقرة مجهدة بالحذف و الاضمار دون رايط، أو وحدة عضوية، أو موضوعية …يتصدر كلّ ذلك النّسب اللا مشروع : (ق ق ج). و كلّ هذا تحت أنظار النّقد المغيب، أو غير المهنم .. و بتشجيع و مُباركة من التعاليق اللاّ مسؤولة .
لهذا حين يُثار السّؤال :
هل يُعدُّ نص: “للبيع حذاء طفل لم يلبس قط ” قصة قصيرة جدًا ؟؟
تختلف الآراء، و لا بأس في ذلك. فكلّ شيء قابل للنقاش. و لكن يجب أن يستند القبول أو الرّفض إلى تحليل و أدَّلة، و دراسة لظروف التّأليف و زمكانيته، و عدم مقارنة ما لا وجه مقارنة بينهما كالقصة القصيرة جدا في أمريكا و أمريكا اللاتينية و القصة القصيرة جدا في الوطن العربي. لا شك أنَّ الفرق كبير، و الاختلاف بَيّن.. ولهذا فالحكم النّقدي سيكون مختلفا و متباينا.
فما عسى يقول نص ‘ الديناصور للكاتب” اغوستو مننتروسو”من أمريكا اللاتينية، نص في بضع كلمات:
(عندما استيقظ، كان الديناصورلا يزال هناك ..)
When he woke up, the dinosaur was still there’.)
و مثل ذلك ما نجده في نصوص خورخي لويس بورخيس و خوليو كورتازار .. فما يقال عن نص هيمنغواي : “للبيع حذاء طفل لم يلبس قط ” ينبغي أن يقال عن نص ” الديناصور ” و ما شابهه . و ما دام ذلك في نظر البعض ليس قصة فلنلغي فنَّ القصّ القصير جدًا في أمريكا الللاتينية .. لأنّه لا يناسب هَوانا و ذائقتنا.. مع أنَّنا ــ شِئنا أمْ أبينا ــ فإنَّنا مُقلِّدون فال ( ق ق ج)، و القصّة، و الّرّواية و المسرحية . كلّ هذه الأصناف غَربية . فنص همنغواي :
للبيع : حذاء طفل ، لَمْ يُلْبَس قَطّ ! .. For sale: baby shoes, never worn”
نصٌ لأقصر قصة قصيرة في العالم كتبها الروائي العالمي إرنست همنجواي من ست كلمات فقط عام 1925م في تحدٍّ لأصدقائه. هذا الفن الذي جاء محضة مُصادفة إذ جرى رهان بين همنغواي و رفاقه في مطعم لكتابة قصّة في ست كلمات.فتناول همنغواي منديلا ورقيا و كتب النّص السّابق و فاز بالرّهان ، و من يومها و هو يعتزّ بهذا النّص المتناهي في القصر حسب ما روى كاتب الخيال العلمي، آرثر سي كلارك .
فهذا النّص اشتهر لأنّه كان بداية لفن سردي جديد، يعتمد أقلَّ ما يمكن من الكلمات، و عُرف بقصّة ست كلمات ( Six – word story) كما عُرف أيضا بالخيال الخاطف، أو الومضة القصصية ( flash fiction ) أو القصة المفاجئة ( Sudden fiction)، أو القصّة المصغرة ( Micro-story ) ، أو القصّة البريدية ( Postcard fiction)، أو القصّة القصيرة جدًا (short short story) ..هذا النّوع يعتمد على تفسير و تأول المتلقي، لإفراطه في الحذف، و الإضمار. فقط ينبغي الإشارة. أنّ تحليل نص من ست كلمات في النقد الإنجليزي يختلف تمامًا عن تحليل نص من ثلاثة أسطر أو خمسة.. بل يختلف كليِّا عن تحليل القصّة القصيرة بَله الرّواية. و ذلك لطبيعة النّص، و حجمه ، و مركباته، و أسلوبه .
لذا يخطئ من يبحث عن بعض الخصائص التي لا يَتضمّنها إلا النّص الأطول: كالحالة الّسردية، و الحكي، و الحبكة الظاهرة أو المضمرة، او الزمكانية ..فقد يوجد بعضها في نصوص ما.. و قد تفتقدها مُعظم النُّصوص.. و لكن الإحساس بأثرها قد يوجد و يدركه المتلقي الفطن.
ـ تحليل النص:
“للبيع حذاء طفل لم يلبس قط “
النص يندرج فيما سمي في عشرينيات القرن الماضي بقصص السّت كلمات . و ذاك أمر شائع في الأدب الإنجليزي الحديث، ولقد كان هذا النّص بداية هذه الحركة السّردية في أمريكا و أمريكا اللاتينية. و نلاحظ بادئ ذي بدء، أنّ هذا النّوع لا يلائم الذائقة العربية في عمومها، التي تميل إلى سعة الحكي.. و فسحة السرد.. و مع ذلك هذا لا يمنع من تفهم النّص.
ــ اللغــــــــة :
النّص تتصدره شبه جملة من الجار و المجرور ( للبيع) و الشبه جملة لا تؤدي معنى مستقلا في الكلام، و إنّما تؤدي معنى فرعيا و كأنّها جملة ناقصة و من تمّ عُرفت بشبه جملة.
(للبيع) جار و مجرور متعلّقان بمحذوف خبر مقدم. و ليتضح المعنى كان لا بد من ( حذاء طفل ) حذاء : مبتدأ مؤخر مرفوع . طفل: مضاف إليه.و من أجل مزيد من التوضيح كانت جملة النّفي ( لم يُلبس قطّ ) و (قط) : ظرف زمان مبني على الضّم في محل نصب على الظرفية. و كما هو معلوم (قطُّ) تستعمل لنفي الزّمان الماضي دون المُضارع.
فتركيبة النص تكون من ثلاثة أسماء : ( البيع ، الحذاء ، الطفل ) و (لم ) حرف جزم و نفي و قلب، و (قط) ظرف زمان يفيد النفي و ( يلبس) فعل مضارع مبني للمحهول .
ــــ السّارد :
لقد اختار القاص ساردًا عليمًا أو كّلي العلم ( narration Omniscient) له اطلاع على كلّ خفايا النّص يسميه الناقد الفرنسي جيرار جينيت “بالسّرد في درجة الصّفر” ، و هو أقدم أنماط السّرد. و بذلك نحن بصدد تبئير داخلي، و هو ما يعني الّرؤية [مع] .و هذا يحقق الذاتية ( Subjectivité) لأنّه يتمتع بسلطة مطلقة و معرفة تامّة عن الشخصيات حالا و استقبالا، فضلا عن حرية التَّنقل بين الأزمنة ..
و لقد اهتم ارنست همنغواي في جل كتاباته بالواقعية الموضوعية كما في هذا النص ،و في نصوص أخرى على سبيل المثال قصّته : ” تلال مثل فيلة بيضاء “فالقاص يجد السّاردَ العليم أقرب لبناء أسلوبه دعمًا لرُّؤيته الواقعية الموضوعية ..فالسّارد على دراية بالبيع، و مادة البيع، بل أدرى بما خَفي كتابة.فهو يعلمُ لمن الحذاء ، و سبب عرضه للبيع. و هل هو فعلا حذاء؟ و حذاء طفل رضيع؟ و هل الرّضيع في حاجة لحذاء؟و ما الغاية من بيعه ؟
كلّ هذه الأسئلة و غيرها يدرك أجوبتها السّارد، و لكن فضل أن يكتمها ليفتح مجال التّساؤل و التّفسير، و التّأويل ، و التّعليق…و ذاك ما تهدف إليه الومضة القصصية، التي هي سليلة القصة القصيرة جدا.
ــ رمزية النّص
مادام النص جاء على شكل ومضة قصصية. فينبغي التّعامل مع كلماته و كلماته فقط.
فمركز الحكي بيع حذاء رضيع، و الاغراء أنه لم يلبس قط. و ما دام الرضيع حافي القدمين أو ملفوفهما بجوربين قطنيين. فمسألة حذاء ليست واقعية. فالبيع يتم في مادة ملموسة، و هنا نحن بصدد حذاء رمزي مجازي.. الشّيء الذي يفتح باب التّأويل على مصرعيه. و قد لا نقف على تأويل واحد، يغني عن باقي التأويلات ، فذلك يبقى رهين ثقافة الناقد و اجتهاداته في التحليل و استنطاق الرمز.. وسعة خياله.
فهل النص بصياغته، و كلماته، و تيمته.. يشكل (ق ق ج) ؟
أعتقد أن الأمر يعود بنا إلى ذائقتين مختلفتين . ذائقة غربية : أمريكية و أمريكية لاتينية .و انجليزية.. وذائقة عربية محضة .فلو بحثنا في الّنقد الغربي الحديث لما وجدنا من ينكرعلى أرنست همنغواي نصّه و عدم اعتباره (ق ق ج) (فيما اطلعت عليه ) ككتاب رنيه وليك (تاريخ النقد الأدبي الحديث ) الجزء الخامس النقد الإنجليزي (1900 / 1950) والكتاب مخصص لأعلام النقد الإنجليزي في النصف الأول من القرن العشرين، وكذا الحال مع الجزء السادس مع النقد الأمريكي.. و فيه اسهاب للنظريات و الأراء المختلفة..أو كتاب : (النقد الأدبي الأمريكي من الثلاثينات الى الثمانينات ) لمؤلفه : قنسيت ب ليتش.
و على عكس ذلك تقف بعض الذائقة العربية النقدية إن لم أقل معظمها على طرف نقيض . و لا تجد في نص أرنست همنغواي أو ما يشبهه من نصوص الست كلمات، أي صلة بالقصّة القصيرة جدًا . و المسألة في بعدها الشكلي الفنّي تعود للذّائقة، و وجهة النّظر النقدية المختلفة. تمامًا كما يحدث الأن بالنّسبة لقصيدة الهايكو، فشتّان بين ما يكتبه اليابانيون أصحاب الهايكو . و ما يكتبه بعض العرب باسم الهايكو، فينعتونه (بالعربي)..و لا صلة له بالهايكو الأصلي. فنص ارنست همنغواي فصّة قصيرة جدًا يعتز بها صاحبها في خضم ما يُعرف بقصّة في ست كلمات. و النقد الغربي لا يعارض ذلك. بل يجدها بادرة حسنة لفنّ جديد في إطار السّرديات. بينما لا يُعتبر نص ارنست همنغواي قصّة تامة الأركان لدى بعض النّقاد العرب، لاعتبارات ذوقية و معرفية، و النّص قد يُدرج فيما يُعرف الآن بالومضة القصصية، مادامت الومضة سليلة ال(ق ق ج).
* مسلك *
For sale: baby shoes, never worn”
أرنست همنغواي.
هل هي قصّة قصيرة جدا؟
*** —- ***
لقد سبق و أشرنا في عدّة مقالات أنّ الكثير من النّصوص التي تُكتب باسم ال (ق ق ح) لا تمتّ إليها بأي صلة. كما أشرنا ليس كلّ نص قصير جدًا قصّة، وفي ذلك إشارة ضمنية أنّ لل(ق ق ح) خصائصها المميزة. و البعض حاد عن كلّ هذا، و اتّخذ لنفسه نهجا مخالفا ذاتيا .. و كتب الشّذرة أو ما يُشبهها، أو كلاما كالهذيان، أو أغرق نصه في الابهام.. أو جاء بفقرة مجهدة بالحذف و الاضمار دون رايط، أو وحدة عضوية، أو موضوعية …يتصدر كلّ ذلك النّسب اللا مشروع : (ق ق ج). و كلّ هذا تحت أنظار النّقد المغيب، أو غير المهنم .. و بتشجيع و مُباركة من التعاليق اللاّ مسؤولة .
لهذا حين يُثار السّؤال :
هل يُعدُّ نص: “للبيع حذاء طفل لم يلبس قط ” قصة قصيرة جدًا ؟؟
تختلف الآراء، و لا بأس في ذلك. فكلّ شيء قابل للنقاش. و لكن يجب أن يستند القبول أو الرّفض إلى تحليل و أدَّلة، و دراسة لظروف التّأليف و زمكانيته، و عدم مقارنة ما لا وجه مقارنة بينهما كالقصة القصيرة جدا في أمريكا و أمريكا اللاتينية و القصة القصيرة جدا في الوطن العربي. لا شك أنَّ الفرق كبير، و الاختلاف بَيّن.. ولهذا فالحكم النّقدي سيكون مختلفا و متباينا.
فما عسى يقول نص ‘ الديناصور للكاتب” اغوستو مننتروسو”من أمريكا اللاتينية، نص في بضع كلمات:
(عندما استيقظ، كان الديناصورلا يزال هناك ..)
When he woke up, the dinosaur was still there’.)
و مثل ذلك ما نجده في نصوص خورخي لويس بورخيس و خوليو كورتازار .. فما يقال عن نص هيمنغواي : “للبيع حذاء طفل لم يلبس قط ” ينبغي أن يقال عن نص ” الديناصور ” و ما شابهه . و ما دام ذلك في نظر البعض ليس قصة فلنلغي فنَّ القصّ القصير جدًا في أمريكا الللاتينية .. لأنّه لا يناسب هَوانا و ذائقتنا.. مع أنَّنا ــ شِئنا أمْ أبينا ــ فإنَّنا مُقلِّدون فال ( ق ق ج)، و القصّة، و الّرّواية و المسرحية . كلّ هذه الأصناف غَربية . فنص همنغواي :
للبيع : حذاء طفل ، لَمْ يُلْبَس قَطّ ! .. For sale: baby shoes, never worn”
نصٌ لأقصر قصة قصيرة في العالم كتبها الروائي العالمي إرنست همنجواي من ست كلمات فقط عام 1925م في تحدٍّ لأصدقائه. هذا الفن الذي جاء محضة مُصادفة إذ جرى رهان بين همنغواي و رفاقه في مطعم لكتابة قصّة في ست كلمات.فتناول همنغواي منديلا ورقيا و كتب النّص السّابق و فاز بالرّهان ، و من يومها و هو يعتزّ بهذا النّص المتناهي في القصر حسب ما روى كاتب الخيال العلمي، آرثر سي كلارك .
فهذا النّص اشتهر لأنّه كان بداية لفن سردي جديد، يعتمد أقلَّ ما يمكن من الكلمات، و عُرف بقصّة ست كلمات ( Six – word story) كما عُرف أيضا بالخيال الخاطف، أو الومضة القصصية ( flash fiction ) أو القصة المفاجئة ( Sudden fiction)، أو القصّة المصغرة ( Micro-story ) ، أو القصّة البريدية ( Postcard fiction)، أو القصّة القصيرة جدًا (short short story) ..هذا النّوع يعتمد على تفسير و تأول المتلقي، لإفراطه في الحذف، و الإضمار. فقط ينبغي الإشارة. أنّ تحليل نص من ست كلمات في النقد الإنجليزي يختلف تمامًا عن تحليل نص من ثلاثة أسطر أو خمسة.. بل يختلف كليِّا عن تحليل القصّة القصيرة بَله الرّواية. و ذلك لطبيعة النّص، و حجمه ، و مركباته، و أسلوبه .
لذا يخطئ من يبحث عن بعض الخصائص التي لا يَتضمّنها إلا النّص الأطول: كالحالة الّسردية، و الحكي، و الحبكة الظاهرة أو المضمرة، او الزمكانية ..فقد يوجد بعضها في نصوص ما.. و قد تفتقدها مُعظم النُّصوص.. و لكن الإحساس بأثرها قد يوجد و يدركه المتلقي الفطن.
ـ تحليل النص:
“للبيع حذاء طفل لم يلبس قط “
النص يندرج فيما سمي في عشرينيات القرن الماضي بقصص السّت كلمات . و ذاك أمر شائع في الأدب الإنجليزي الحديث، ولقد كان هذا النّص بداية هذه الحركة السّردية في أمريكا و أمريكا اللاتينية. و نلاحظ بادئ ذي بدء، أنّ هذا النّوع لا يلائم الذائقة العربية في عمومها، التي تميل إلى سعة الحكي.. و فسحة السرد.. و مع ذلك هذا لا يمنع من تفهم النّص.
ــ اللغــــــــة :
النّص تتصدره شبه جملة من الجار و المجرور ( للبيع) و الشبه جملة لا تؤدي معنى مستقلا في الكلام، و إنّما تؤدي معنى فرعيا و كأنّها جملة ناقصة و من تمّ عُرفت بشبه جملة.
(للبيع) جار و مجرور متعلّقان بمحذوف خبر مقدم. و ليتضح المعنى كان لا بد من ( حذاء طفل ) حذاء : مبتدأ مؤخر مرفوع . طفل: مضاف إليه.و من أجل مزيد من التوضيح كانت جملة النّفي ( لم يُلبس قطّ ) و (قط) : ظرف زمان مبني على الضّم في محل نصب على الظرفية. و كما هو معلوم (قطُّ) تستعمل لنفي الزّمان الماضي دون المُضارع.
فتركيبة النص تكون من ثلاثة أسماء : ( البيع ، الحذاء ، الطفل ) و (لم ) حرف جزم و نفي و قلب، و (قط) ظرف زمان يفيد النفي و ( يلبس) فعل مضارع مبني للمحهول .
ــــ السّارد :
لقد اختار القاص ساردًا عليمًا أو كّلي العلم ( narration Omniscient) له اطلاع على كلّ خفايا النّص يسميه الناقد الفرنسي جيرار جينيت “بالسّرد في درجة الصّفر” ، و هو أقدم أنماط السّرد. و بذلك نحن بصدد تبئير داخلي، و هو ما يعني الرّؤية [مع] .و هذا يحقق الذاتية ( Subjectivité) لأنّه يتمتع بسلطة مطلقة و معرفة تامّة عن الشخصيات حالا و استقبالا، فضلا عن حرية التَّنقل بين الأزمنة ..
و لقد اهتم ارنست همنغواي في جل كتاباته بالواقعية الموضوعية كما في هذا النص ،و في نصوص أخرى على سبيل المثال قصّته : ” تلال مثل فيلة بيضاء “فالقاص يجد السّاردَ العليم أقرب لبناء أسلوبه دعمًا لرُّؤيته الواقعية الموضوعية ..فالسّارد على دراية بالبيع، و مادة البيع، بل أدرى بما خَفي كتابة.فهو يعلمُ لمن الحذاء ، و سبب عرضه للبيع. و هل هو فعلا حذاء؟ و حذاء طفل رضيع؟ و هل الرّضيع في حاجة لحذاء؟و ما الغاية من بيعه ؟
كلّ هذه الأسئلة و غيرها يدرك أجوبتها السّارد، و لكن فضل أن يكتمها ليفتح مجال التّساؤل و التّفسير، و التّأويل ، و التّعليق…و ذاك ما تهدف إليه الومضة القصصية، التي هي سليلة القصة القصيرة جدا.
ــ رمزية النّص
مادام النص جاء على شكل ومضة قصصية. فينبغي التّعامل مع كلماته و كلماته فقط.
فمركز الحكي بيع حذاء رضيع، و الاغراء أنه لم يلبس قط. و ما دام الرضيع حافي القدمين أو ملفوفهما بجوربين قطنيين. فمسألة حذاء ليست واقعية. فالبيع يتم في مادة ملموسة، و هنا نحن بصدد حذاء رمزي مجازي.. الشّيء الذي يفتح باب التّأويل على مصرعيه. و قد لا نقف على تأويل واحد، يغني عن باقي التأويلات ، فذلك يبقى رهين ثقافة الناقد و اجتهاداته في التحليل و استنطاق الرمز.. وسعة خياله.
فهل النص بصياغته، و كلماته، و تيمته.. يشكل (ق ق ج) ؟
أعتقد أن الأمر يعود بنا إلى ذائقتين مختلفتين . ذائقة غربية : أمريكية و أمريكية لاتينية .و انجليزية.. وذائقة عربية محضة .فلو بحثنا في الّنقد الغربي الحديث لما وجدنا من ينكرعلى أرنست همنغواي نصّه و عدم اعتباره (ق ق ج) (فيما اطلعت عليه ) ككتاب رنيه وليك (تاريخ النقد الأدبي الحديث ) الجزء الخامس النقد الإنجليزي (1900 / 1950) والكتاب مخصص لأعلام النقد الإنجليزي في النصف الأول من القرن العشرين، وكذا الحال مع الجزء السادس مع النقد الأمريكي.. و فيه اسهاب للنظريات و الأراء المختلفة..أو كتاب : (النقد الأدبي الأمريكي من الثلاثينات الى الثمانينات ) لمؤلفه : قنسيت ب ليتش.
و على عكس ذلك تقف بعض الذائقة العربية النقدية إن لم أقل معظمها على طرف نقيض . و لا تجد في نص أرنست همنغواي أو ما يشبهه من نصوص الست كلمات، أي صلة بالقصّة القصيرة جدًا . و المسألة في بعدها الشكلي الفنّي تعود للذّائقة، و وجهة النّظر النقدية المختلفة. تمامًا كما يحدث الأن بالنّسبة لقصيدة الهايكو، فشتّان بين ما يكتبه اليابانيون أصحاب الهايكو . و ما يكتبه بعض العرب باسم الهايكو، فينعتونه (بالعربي)..و لا صلة له بالهايكو الأصلي. فنص ارنست همنغواي فصّة قصيرة جدًا يعتز بها صاحبها في خضم ما يُعرف بقصّة في ست كلمات. و النقد الغربي لا يعارض ذلك. بل يجدها بادرة حسنة لفنّ جديد في إطار السّرديات. بينما لا يُعتبر نص ارنست همنغواي قصّة تامة الأركان لدى بعض النّقاد العرب، لاعتبارات ذوقية و معرفية، و النّص قد يُدرج فيما يُعرف الآن بالومضة القصصية، مادامت الومضة سليلة ال(ق ق ج).
* مسلك *