اطلالة عابرة على تطور الفن القصّصي

في الأدب العربي الحديث والمعاصر


يسري عبد الغني
من محاضراتي

أطلالة عابرة على تطور الفن القصصي

في الأدب العربي الحديث والمعاصر

الفن القصصي له جذور عميقة في التراث الأدبي الإنساني ، إذ عرفه الإنسان منذ أقـدم العصور ، حيــث كان هو نفسه مصدر هذا الفن ومبدعه وبطله . وكانت الحياة بأوسع معانيها مسرح الأحداث التي صورهــا هذا الفن ، كما كانت خيالاته وأحلامه وشطحاته منبع إبداع شخصياته ومأسـاته . وتطورفـن القــص مـع تطــور الإنسان ، مواكبا كفاحه وصراعه مع محيطه الطبيعي والإنساني . وعكس صراعـــه المزدوج : مـع الطبيعــة وتحدياتها المختلفة من جهة ، ومع أخيه الإنسان من جهة أخرى .

وبتطور المجتمع البشري وانتقاله من مرحلة إلى أخرى ، نجد هذا الفن يواكب هذا التطور ويرسم مســاره تارة ، ويومئ إليه تارة أخرى . وفي كل الحالات، كان الفن القصصي صورة تعكس مسار التطور في الحياة والمجتمع . وتركت لنا الآداب الإنسانية: اليونانية والرومانية والفارسية والعربية وغيرها مـن الآداب القديمـة تراثا ضخما من هذا التراث الذي يصور ملحمة الوجود الإنساني عبر كفاحه الطويل مـن أجل صنـع حياتـــه .

وعندما نتناول هذا الفن في أدبنا العربي نجد أن له جذورا ممتدة في أقدم عصوره وهو العصـر الجاهــلي ، فهذا العصر حافل بالنماذج القصصية التي تصور العرب في مختلف جوانـب حياتهـم في الحـرب والسـلــــم ، وكانت المادة القصصية تروى شفاها ويتوارثها الناس جيلا بعد جيل . ويمكن القول بأن هذه المـادة القصصيـة المتنوعة تشكل مصـدرا هامـا من مصادر معرفة المجتمـع العربـي في مختلف فتراتـه . وقـد أخـذ هــذا الفـــن ينمو ويتطور بتطور المجتمع العربي وانتقاله من مرحلة حضارية إلى أخرى ، فبعد مجيء الإسلام يأخـذ هــذا الفن في التنوع ويواكب ما يجري في المجتمع من مستجدات ، حيـث نجـد مثـلا فـي العصـر الإسلامي تطــور وازدهار لون معين من هذا الفن ، وهو القصص الديني الذي وظف لخدمة أهداف دينية من جهة ، كما وظـف للتسليـة والترفيـه وإرضاء حاجيات الناس الماديـة والمعنويـة من جهة أخرى .

فإذا انتقلنا إلى العصر العباسـي ، حيث يعـرف المجتمـع العربي تطورا هائلا في كافـة المجـالات السياسيـة والاقتصاديـة والاجتماعيـة والفكريـة والأدبيـة ، ويعـرف أكبــر تفاعـل حضـاري في التـاريخ الوسيـط ، ويتــم الامتزاج والتلاقح بين مختلف الحضارات ، نجد أن كل هذه التطورات كان لها انعكاس قـوي علـى مختـلــف ألوان الأدب ومنها فن القصة ، فتخطو خطوات إلى الأمام ، وتنشأ ألوان جديدة مـن هـذا الـفـن تـلـبـي الحــاجيات الجديدة فـي المجتمع ، وهكذا تنشأ ألوان جديدة من القصص : القصة الخرافـيـة أو الـقـصـة على لسـان الحيـوان ، القصة النادرة ، القصة المقامية ، القصة الفلسفية ، ( حي بن يقظان ، رسالة الغفران .. ) ، القصـص والسيـر الشعبية التي عرفت رواجا كبيرا في العصـر

العباسـي مثـل : سيـرة عنتـرة بـن شـداد ، وسيف بن دي يـزن ، وقصص بني هـلال ،

وألف ليلـة وليلـة وغيرهـا من القصص التي ترضـي الخيـال الشعبـي وتعـكس أحـلامـه وطموحاته . وكانت هذه الألوان تجسيـدا للتطور ومرآة صادقة للمجتمع في صـورتـه الجـديــدة ، كمـا كـانــت علامة على أن هذا الفن يتطور ويتجدد بتطور الحياة وتجددها وتعقدها .

هذا التراث القصصي الضخم يتيح لنا الرد على العديد من الباحثيـن مـن عـرب ومستشـرقيـن الذين حاولوا إنكار وجود هذا اللون من الفن في تراثنا الأدبي ، متخذين من النموذج القصصي الغربي معيارا لفن القصـة . وبغض النظر عن الأسباب التي دفعت البعـض إلى إنكار الأدب القصصي في تراثنـا ، إما عن تعصـب أو نقص في الدراسة أو قصور في الرؤية ، فإن تاريخنا الأدبي يؤكـد وجـود هذا الأدب القصصي الذي كـان لـه تأثير لافي أدبنا القصصي الحديث فقط ، بل في الآداب العالمية الأخرى .ولا يمكننا تجاهـل الأثر الذي أحدثـه كتاب مـن مثل كليلـة ودمنـة لابـن المقفـع ، أو رسالة الغفـران لأبي العلاء المعري ، أو ألـف ليلـة وليلــة التي سحرت عقول وعواطف ومشاعر الأدباء والقراء الغربيين ، وسموا هذا السفر الأدبي الخالـد بليـالي الشـرق .

وعندما نطرح مسألة القصة في الأدب العربي الحديث ، فإنه من غير الممكن تجاهل تأثير تراثنا القصصي القديم في القصة الحديثة . إن النظرة الموضوعية تقتضي منا أن نرجـع تطور هذا الفن في أدبنـا الحديـث إلى عاملين أساسيين : أحدهما تراثنـا القصصـي القديـم ، وإن لـم يكـن بشكـل حاسـم . والثـاني تأثـر أدبنـا العربي بالأدب الغربي في مختلف اتجاهاته ومذاهبه وفنونه ، ومنه الفن القصصي بشتى ألوانه وأشكاله .

وقد بدأ تطور الفـن القصصي في الأدب العربـي في عصـر النهضـة العربيـة الحديثـة منـذ منتصف القـرن التاسع عشر ، حيث أسهم العديد من رواد النهضة الأدبية في نمو وتطور فن القصة، استجابة لتطور المجتمع العربي ، وثمرة من ثمار النهضة ، ومظهرا من مظاهرهـا . وقـد عـرف هذا التطـور مـراحـل مـخـتـلفــة تـوجــز ألـوان وأشكـال هــذا التطور ، حتى بلغ أقصى تطوره في عصرنا الحاضر . ويمكن تلخيص مراحل هذا التطور فيما يلي :

-1- مرحلة الاقتباس من الأدب الغربي :

تمثل هذه المرحلة بداية نمو هذا الفن في منتصـف القـرن التاسـع عشـر ، ولذلـك نجـد محـاولات متنـوعة ، بعضها مقتبس من تراثنا القصصي متمثلا في فن المقامة ، إذ نجـد بعـض الأدبـاء يحـاولـون إحيـاء هـذا الفـن وتوظيفه في خدمة أهداف إصلاحيـة ، مثلما نجـد عنـد إبراهيـم اليـازجي ومحمد المويـلحي . وبعـض الأدبـاء أخذوا يقتبسون ألوانا من القصة في الأدب الغربـي ، إما عن طريـق تعريب أنـواع مـن القصـص الغـربي كما فعل البستاني والمنفلوطي وحافظ إبراهيم وغيرهم ، وإما عن طريق الترجمـة الدقيقـة كمـا فعـل العـديـد مـــن الأدباء في فترة لاحقة عندما بدأ هذا اللون يعرف الرواج والذيوع ويعرف إقبالا متزايدا من القراء ، فظهــر العديد من الكتاب الذين عكفوا على ترجمة ألوان من القصة الغربية ، مثل إبراهيم عبد القادر المازني وأحمـد حسن الزيات ومحمد عوض وغيرهم كثيرون .

كان لهذه المرحلـة أهميـة كبيـرة تمثـلـت في إنتـاج عـدد كبيـر من النمـاذج القصصيـة المقتبسـة مـن الأدب الغربي ، سواء في شكله المعرب أم في شكله المترجـم ، فـي الوقـت الـذي اختـفـت المحـاولات التـي قـام بهـا البعض في تطوير أشكال من القصص العربي القديم وخاصة فن المقامة . فقد أكد التطور الذي عرفه المجتمع العربي الحديث عدم الحاجة إلى مثل هذا اللون الذي لم يعد يستجيب للمتطلبات الاجتماعية الجديدة .

هذا الإنتاج القصصي الناجم عن التأثر بالأدب الغربي ، والذي أخذ الإقبال عليه ينـمو ويتزايد ، سـواء مـن جـانب الكتـاب أو مـن جـانب القـراء ، كـان بمثابـة إرهـاص وتمهيــد للا نتقــال إلى مـرحلـة جديــدة تتجـاوزالمستوى الذي بلغه تطور الفن في مرحلة الاقتباس . وقد أطلق الدارسون على هذه المرحلة مرحاـة التأليـــف والإبداع .

-2- مرحلة التأليف والإبداع:

تتجلى هذه المرحلة في الانتقال من مرحلة الاقتباس والترجمة إلى مرحلة التأليف ، وهذه المرحلة فرضتها الاحتياجات الجديدة للمجتمع وتطوره ومواجهته للاستعمار الغربي . وقد بدأت هذه المرحلة بتأليف نوع معين من القصة والرواية ، هي الرواية التاريخية . ولا يمكن أن نفصل بصورة مطلقة هذه المرحلة بما سبقها ، بـل هي تتويج للمكتسبات التي تحققت في المرحلة السابقة وتطوير لها . كما أن تأثير الفن القصصي الغربـي ظـل يمارس تأثيره بشكل واسع في اللون التاريخي للرواية .

وليس في مقدورنا الحديث بالتفصيل عن كل أشكال الرواية التاريخية التي ظهرت فـي هـذه الفتـرة ، لذلــك سنقتصر على إيراد نماذج منها . وأشهـر من ألف في الرواية التاريخية الأديب والعالم الشهير جورجي زيدان ، فـقـد وضع

سلسلة من الروايات التاريخية استوحى موضوعاتها وأحداثها من التاريخ العربـي الإسلامـي . وقـد حدد هدفه من تأليف هذا اللون من القصص قائلا : إن الغـرض منهــا تعليـم التاريـخ للناشئـة بطريقة مشـوقـة وجذابـة ، فاستخـدم الشكـل القصصي كوسيلـة لجذب الناشئـة إلى قـراء ة التـاريـخ عـن طـريق صب أحداثــه في قالـب قصصي مشـوق . ولذلك نجـده في مختلـف القصـص التي كتبهـا في هـذا السياـق : مثــل أرمانوسـة المصرية ، الحجاج بن يوسف ، أبو مسلم الخراسـاني ، العباسـة أخـت الرشيـد وغيرهـا من القصـص ، يلتزم بالحقائق التاريخية لدرجة أنه يثبت المصادر والمراجع التي اعتمدها ،

ويذكرها في آخر الروايـة ، وفي نفـس الوقت ينشئ قصة مرافقة يقوم بأحداثها شخصيات تاريخية حقيقية وخيالية ، وتكون موازية لأحداث التاريـخ .

وقد تأثر جورجي زيدان في هذه المؤلفات بكتاب غربيين مثل ” والتر سكوت ” و ” الإسكندر دوماس ” مع الاختلاف معهما في الهدف ، إذ أننا نجد جورجي زيدان يوظف العنصر القصصي لخدمة الحقائق التاريخية ، بينما نجد الكاتبين الغربيين يجعلان من التاريخ أداة للفن القصصي ، ويريان أن التاريخ ما هو إلامادة تستغــل وتوظف لخدمـة الفـن القصصـي ، وهذا مــا أخذبه مؤلـف آخر من الروائييـن العـرب الذي جاء بعـد زيـدان ، وهو الأديب المصري محمد فريد أبو حديـد الذي ألف عـددا من الروايات التاريخية استقى موضوعاتهــا مــن التاريـخ العربي مثل روايته ” الوعاء المرمري ” و ” زنوبيا ملكة تدمر ” و ” أبو الفوارس عنترة ” ..إلخ ، فهـو لـم يلتــزم بالأحـدات التاريخيـة كمـا وقعـت ، بـل حـاول استثمـارها لخدمـة هدفـه القصـصـي وغــايتـــه الاجتماعيــة القوميـة ، وخاصة أن هذه المرحلـة قد صادفت نمـو الوعي القومي ، والكفـاح ضد الاستعمـار ، ممـا يفـرض العودة إلى التاريخ لاستنهاض الهمم وبث الوعي القومي بهويتنا وحضارتنا واستقلالنا .

ومن الكتاب الذيـن برزوا في كتابـة الروايـة التاريخيـة نجيب محفوظ في مستهـل حياته الأدبيــة ، فقد كتب ثـلاث روايـات استوحى موضـوعاتها من التاريـخ الفـرعوني القديـــم وهـي : كفـاح طيبــة ، ورادوبيـــس ، وعبــث الأقـدار . وقد كتبها في مرحلة اتسمت بنمو الحركة الوطنيـة المصريـة ، فكان لابد من الحديـث عــن تـاريــخ مصـر وحضارتها القديمة التي مـن شأنــها أن تعـزز الوعي الوطني وتثبت أن هويـة مصـر ضاربـة فـي أعـمـاق التـاريـخ ، وأنـهـا كفيلـة برصيـدها التـاريخـي وتـراثها الحـضـاري العـظـيـم أن تقـف على قـــدم الـمساواة مع الأمـم الحديثة المستقلة .

غير أن مرحلة التأليف هذه قد عرفت انعراجا كبيرا منذ العشرية الثانية من القرن الماضي ، وقد تمثـل هذا الانعراج في مولد الرواية العربية الفنية بخصوصياتها المحلية . ويذكر الدارسون أن رواية ” زينب ” لمحمــد حسيـن هيكـل التي نشرهـا في سنـة 1912 تمثـل البدايـة للروايـة الفنيـة ، حيث أخذت تتجسـد القواعـد الفنيـة للروايـة بمفهومها الغربي مع استيحاء مادتها وموضوعهـا من الواقـع الوطني المحلـي والقومـي. هذه الروايـة أحدثت تأثيرا كبيـرا في فـن الرواية مـن حيث شكلهـا ومضمونهـا ، ودشنت حقبـة جديــدة في تطـور الروايــة العربيـة . وعلـى الرغم من ثوبها الرومانسي المفرط ، والمز الق الفنية التي تضمنتها ، إلا أنها تشكل خطـوة حقيقية نحو الرواية بمفهومها الفني الحديث .

على أن بعض النقاد يعتبرون توفيق الحكيم الرائد الحقيقي للرواية الفنية ، ومحمـود تيمور الرائـد الحقيـقـي للقصة القصيرة . فقد أرسى الأول قواعد الرواية الفنية وطوعها للواقع المصري المحلي وحاجيـات المجتمــع والمرحلة التاريخية الـتـي يـمـر بـهـا ، وذلـك في أعماله الـرائـدة ، وفي مقدمتها : ” عـودة الـروح ” ، و” عصفور من الشـرق ” ، و ” يوميـات نائب في الأريـاف ” . كما أسهـم الثـاني في ترسيـخ قواعـد وأصـول القصة القصيـــرة الواقعية في الأدب العربي الحديث . وأهم ما أنجزه هؤلاء الرواد في هذا السياق هو اكتساب القصة شرعيتهـا في المجتمع كفن له قواعده وأصوله ، وأنها تمثل الاستجابة الحقيقية لتطور المجتمع ، وذلك في فتــرة مـابيـن الحربين العالميتين . ونجد في هذه الفترة حركة نشيطة في التأليف والإبداع ، حيث جرب العديـد مــن الأدبـاء قرائحهم وملكتهم الإبداعية في هذا الفن ، من طه حسين إلى العقاد إلى المازني إلى مارون عبود وغيرهم مـن الأدباء الذين تفاوتت أعمالهم من الناحية الفنية ، ولكنها جميعا تندرج في مسار تطور الفن القصصـي العربـي الحديث .

😚 مرحلة النضج والازدهار:

تشكل هذه المرحلـة فتـرة إنضـاج واكتمـال للفـن القصصي شكـلا ومضمـونا ، كما تمثل بداية ازدهـار لفـن القصـة العربيـة التي ما تزال متـواصلـة إلى يـومـنا هـذا ونحـن في مستهل الـقـرن الواحـد والعـشــريـــن .

ويمكـن أن نـؤرخ لبـداية هـذه المرحلة بمـا بعـد الحرب العالمية الثانية إلى مرحلتنـا الراهنة . فبعـد العقــود المتوالية من ذلك التاريخ ، شهدت القصة العربية تطورا لامثيل له من قبل ، وبرز كتاب عمالقـة في هـذا الفن أبرزهم نجيب محفوظ ، الذي أظهر عبقرية فذة في الرواية العربيــة ، وانتهـج مسـاره الخـاص منـذ منتصـف الأربعينات ، مرورا بالمرحلة الرومانسية إلى المرحلة الواقعية الاجتماعية في أواخر الأربعينات ،عبر سلسلة من الروايات مثل ” القاهرة الجديدة ” و ” خان الخليلي ” و ” بداية ونهاية ” ، إلى المرحلـة الواقعيـة النفسيــة ممثلة برواية واحدة هي ” السراب ” ، إلى المرحلة الواقعيـة النقديـة والوجوديـة فـي الخمسينـات والستينـات ، إلى مرحلة جديدة هي مرحلة تجريب أشكال جديدة في التأليف الروائي بالإفادة من المنجزات والتجارب الفنية السابقة ، ودمجها بالأشكال الفنية الأكثر حداثة ، مثـل توظيف الأساطيـر والأحـلام ، وتيـار الوعـي ، وتداعي الأفكار ، وغير ذلك من الأشكال التي حاول فيها نجيب محفوظ ابتداع نمط جديد من الفن الروائي .

وقد حاز نجيب محفوظ على جائزة نوبل للآداب ، فكان الوحيد من الأدباء العرب الذي نال هذه الجائـزة ، غير أن هناك عمالقـة آخريـن لا يقلـون أهميـة ومكانــة عن نجيب محفوظ يستحقـون مثـل هـذا التقديـر ، لكن التعصب والاعتبارات السياسية التي تضعهـا الهيئـة السويديـة حرمت العشـرات مـن الأدبـاء العـرب لنـيـلها .

وقد عكسـت هـذه المرحلـة كثيـرا من الاتجاهات الفنيـة ، مثل الرومانسيـة ، والواقعيـة النقديـة ، والواقعيـة الاشتراكية ، حيث نجد العديد من الكتاب من مختلف الأقطار العربية يتبنون هذه الاتجاهات ، مثل الرومانسية عند محمـد عبد الحليـم عبد الـلـه وعبد السـلام العجيلي والعديـد من أعمال يوسـف السبـاعي وإحسـان عبــد القـدوس ، والواقعيـة النقديـة عند نجيـب محفـوظ والطيب صالـح ، والواقعيـة الاشتراكيـة عنـد عبـد الرحمــن الشرقاوي ويوسـف إدريس وحنا مينـة وغسان كنفاني ومحمد ديب والطاهر وطار ورشيد بوجدرة وغيرهـم .

والمهم أن هذه المرحلة تتميز بنضج وازدهار الفن الروائي بمختلف أشكاله واتجاهاته ، كما تتميز باختراق الروايـة الحـدود القوميـة إلى رحاب العالميـة ، حيث ترجمـت العشـرات بـل المئات مـن الأعمـال القصصيــة العربيـة إلى مختلـف اللغـات الأجنبيـة مثل الفرنسيـة والإنكليزيـة والروسيـة والألمانيـة والإسبانيـة واليابانيــة والصينية وغيرها من اللغات ، مما جعل من الفن الروائي العربي أدبا عالميا بحق .

ولا شك أن هذا الزخم القصصي كمـا ونوعـا في أدبنا العربي ، يفتـح آفـاقـا واسعة للقصـة العربيـة مع مطلع القرن الواحد والعشرين .

-4- آفاق القصة العربية ومستقبلها :

إن آفاق تطـور القصـة العربيـة يوحي بتطورات واعـدة ، فالتراكـم الضخـم من الإنتاج القصصي والروائي الذي أصبح جزءا من الأدب العالمي ، لابد أن يفرز تطـورا نوعيا في القـرن الجديـد . ولا نستطيـع أن نحلـل بصورة مفصلة ملامح هذا التطور ، لكن المعطيات الراهنة تسمح لنا بالقول بأن فن القصـة والروايـة هـو فـن المستقبل في أدبنا العربي، وهذا لا يعني الحط من قيمة الفنون والأجناس الأخرى مثل الشعر والمسـرح ، بــل يعني أنه يمكن أن يتصدر هذا الفن كافة الفنون الأدبية الأخرى . على أن هذا مجرد افتراض ، حيث لانـدري ماذا يخبئه المستقبل من مفاجآت ، فقد يأتي بظواهر لم نتوقعها أو لم نضعها في الحسبان .

وكيفـمـا كـان الأمـر، فإن الفـن الروائـي في الآداب العالميـة، ومنـهـا الأدب العـربـي ، ما يـزال لـه دوره الأساسي في مجتمعات القرن الواحد والعشريـن .

الكاتب الأديب يسري عبد الغني و ابنته القاصة نهى
الدكتور يسري عبد الغنى ( رئيس ومؤسس مركز الاصالة والمعاصرة للبحث العلمي والتنمية الثقافية ) وباحث وخبير في التراث.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.