الفلسفة الجمالية في القصة القصيرة جدًا :
محمد عبد الكريم غريز
تعدُّ القصَّةُ القصيرة جدًّا نوعا أدبيّا حديثٌا مستقِّلّا عن القصَّة القصيرة، له تقنياتٌ خاصَّة به يَختلفُ عن سابقه، تماهى بقصره وتركيزه مع عصر السُّرعة وما تقتضيه الطَّبيعة من إيجاز وتكثيف، وما تتطلبه تقنياتها الحديثة بوسائطها الاجتماعية والنَّفسيَّة والثقافيّة والاقتصاديَّة والسياسيَّة من إيجاز.
بدأ هذا النَّوع بالانتشار عبر الصُّحف والمجلَّات ومواقع التواصل الاجتماعي وما إلى ذلك انتشارًا واسعًا بدءًا من أمريكا الَّلاتينيَّة عام 1981م ثمَّ اسبانيا وفرنسا وفنزويلا وكولومبيا والارجنتين، وانتقالًا إلى المنطقة العربيَّة في القرن العشرين أمثال سوريا وفلسطين والعراق والسَّعوديَّة والأردن وتونس والجزائر، إلَّا أنَّه في بادئِ الأمر لم يلقَ القبول عند البعض إلَّا أنَّها فيما بعد كان لها حضور بارزً في كتابات الأدباء وقراءات النُقَّاد ودراسات الباحثين، ثمَّ بدأ هذا النَّتاجُ الأدبيُّ الحديثُ نتيجةَ كثافته وإيجازه المُقتضب إلى نوعٍ من الارتباك والاضطراب وإشكاليات في المفهوم والمصطلح، لدرجة أثارت تساؤلات بعض النُّقَّاد فيما إذا كان متداخلا مع الخاطرة وقصيدة النَّثر من الفنون قريبة الصِّلة به أم أنَّه فنٌّ مستقلٌ بذاته.
ومن هنا، فإنَّ الوعي النَّقدي يوجب اهتمام النُّقَّاد بمتابعة هذا النتاج الأدبي عبر النَّقد وتقويم إشكاليَّاته من خلال دراسة نماذج قصصيَّة قصيرة جدًّا في كونه في مرحلة التَّطوير، لذا فقد حظيت باهتمام النُّقَّاد الَّذين تناولوا هذا النَّوع الأدبي الحديث نظريًّا وتطبيقيًّا ومن أبرزهم : أحمد جاسم الحسين، جاسم خلف إلياس، ويوسف حطيني وجميل حمداوي وما إلى ذلك من النُّقَاد.
وبما أنَّ موضوع حديثنا عن الفلسفة الجماليَّة يتبادر إلى أذهاننا الفلاسفةُ الإغريقيُّون وفلاسفة العصور الوسطى والفلاسفة الإسلاميُّون، الَّذين تناولوا مفهومه كلٍّ حسبَ نظرته له، فسقراط الإغريقي- مثلًا- يرى الجمال في الخير والمنفعة والفائدة، ويرى كانط العصر الأوسط بأنَّ الجمال مُتعلِّقٌ بالشُّروط الخاصَّة للإدراك الحسِّي، بينما أوغسطين فقد عدَّ الجمال في المُختلفات والوحدة والتَّناسب العددي والانسجام بين الأشياء، وفي العصور الإسلاميَّة نذكر- على سبيل المثال- ما ذهب إليه الفيلسوف الإمام الغزالي من تقسيم الجمال إلى أمرين: باطني الَّذي يُدرك بالبصيرة وظاهري الَّذي يدرك بالحواس.
أمَّا فلاسفة العصر الحديث فلم يبتعدوا كثيرًا عمَّا جاء به الفلاسفة السَّابقون،فهذا(هيجل)يرى بأنَّ الجمال لا يظهر في الطَّبيعة إلَّا من خلال الانعكاس الذِّهني، ويرى الكاتب والنَّاقد الكبير (عبَّاس محمود العقَّاد) بأنَّ الجمال منوطً بالحريَّة وتناسب الأشياء والخصال الحميدة.