من الممكن أن تكون العبقرية أمرا مبالغا فيه. فبحكم وطيفتي فإني ألتقي بالعديد من العباقرة المستثمرين. ولكن لا يبدو أن أحدا منهم يتمتع بغاية الذكاء. فبالنسبة للجزء الأكبر، فإنهم لا يبدو حتى قادرين على المنافسة أو متحمسين على الأقل بالأموال.
والتحكم في السوق أمر صعب فأي شخص يمكن أن يتحكم بالسوق إما ان يكون محظوظا وإما يتمتع بمواهب ذات قوى بعيدة عن خيالنا. لكن هذه ليست ذكاء حادا، على الأقل كما هو مفهوم عادة.
فمفهوم “العبقرية” ربما يكون مضللا. وأظهر المعرض الذي أقيم أخيرا في المتحف الوطني في لندن عن أعمال ليوناردو دافنشي أن هذا الرجل كان له القدرة على أسر الحياة في لوحاته لدرجة أن معظمنا لا يمكنه نسخ هذه اللوحات. وأفسح المعرض الطريق لرؤية أن دافينشي كان يمتلك شيئا خاصا يتميز به عن غيره وهذا عند تعليق لوحاته إلى جانب أعمال تلاميذه الموهوبين، الذين استخدموا الأساليب التي علمهم إياها ولكنهم فشلوا في تصوير وأسر نفس الجمال الذي برع فيه دافنشي.
والشيء المهم هو الاستسلام والاعتراف بأنه لا يمكن لنا أن نمتلك موهبة تضاهي موهبة ليوناردو (أو وارن بافيت). بل هذا الأمر في غاية الصعوبة إن لم يكن مستحيلا، ولكن هذا لا يعني أننا لا ينبغي أن نحاول الاقتراب من ذلك خلال النظر في تصرفات هؤلاء العباقرة. وهناك شيء واحد يجمع المستثمرين الذين قابلتهم في حياتي هو رضاهم بما يفعلونه، فإنهم يعرفون حدودهم كما يمكنهم الشعور بالراحة عند المخاطرة بأموالهم – وفقا لمتطلبات التحكم في السوق.
وكان ليوناردو يمتلك بكل المقاييس ما يسميه علماء النفس الآن “الذكاء العاطفي”. فقد قاد حياته بطريقة تزيد من مواهبه. والسؤال هل يمكننا أن نفعل الشيء نفسه؟.
لا أحب قراءة كتب الاعتماد على الذات، ولكن كتاب مايكل غليب عام 1998 بعنوان “كيف تفكر مثل ليوناردو دافنشي” قد أدهشني. حيث كتب غليب أن تفكير دافينشي لا يخرج عن سبعة مبادئ تمت تسميتها بالإيطالية وهم:
الفضول: ويعتبر نهجا غريبا في الحياة والسعي بلا هوادة من أجل التعلم المستمر. وهو عمليا حمل دفتر وكتابة جميع الملاحظات والأفكار، فضلا عن طرح الأسئلة على ما تراه (كما يسأل ليوناردو نفسه كيف يمكن أن تطير الطيور، على سبيل المثال).
البيان العلمي: التعهد بإجراء اختبارات المعرفة من خلال المثابرة والخبرة والرغبة في التعلم من الأخطاء. فكان ليوناردو يسأل نفسه دائما ما هو الشيء الذي لا يعلمه، كما يعمل على فحص وتحليل تجربته. أما نحن فننزلق بسهولة إلى افتراضات لأن الجميع من حولنا يفكر بالطريقة نفسها، وهذا هو السبب في تحرك الأسواق بالطريقة نفسها التي يتصرفون بها. ولمحاربة هذا النهج يجب أن يكون عن طريق ما يسميه غليب “فنون الدفاع عن النفس غير التجارية “. فعند مشاهدة الإعلانات التجارية، أو قراءة ملاحظات السماسرة، حاول أن تخفض من قيمتها.
الإحساس: هو التهذيب المستمرة من الحواس، ولا سيما البصر، كوسيلة لتفعيم التجربة بالحياة. ينبغي علينا أن نعمل في جو مليء بالراحة ونحيط أنفسنا بالكائنات التي نجدها جميلة ونتعلم كيف نرسم.
التدرج: وهو الرغبة في احتضان الغموض، التناقض، وعدم اليقين مثل التفكير في سر ابتسامة الموناليزا. فيشير غيلب إلى إحصاء عدد المرات في اليوم الواحد لاستخدام كلمات تعني “مطلقة”، مثل “تماما” أو “دائما”، ويحاول الحد من استعمالها. فلن يستطيع أي مستثمر أن يحافظ على مقياس جيد لفترة طويلة من دون احترام مبدأ الشك.
العلوم/ الفنون: هو تطوير التوازن بين المنطق والعلم والفن والخيال. فإن مواجهة المشاكل باستخدام جانبي الدماغ أمر ضروري – وخاصة في مجال الاستثمارعلى عمليات الشراء أو البيع، و تأتي هذه القضية في كثير من الأحيان بافتراضات واسعة عن العالم الحقيقي، بدلا من نتائج وجداول البيانات. اقتراح غيلب هنا ما يسمى “التخطيط الذهني”. فعند معالجة أي مشكلة، لا تتبع خطوطا منطقية عن طريق استخدام البوربوينت، ولكن يجب أن تكون بداية حل المشاكل بطرح الأسئلة أو كتابة إحدى الكلمات في منتصف الورق ثم العمل على إضافة مفاهيم ذات صلة لهذه الكلمة ثم البدء في العثور على الروابط.
الجسدية: تحسن السلوك، والبراعة، واللياقة البدنية، والتوازن. فممارسة التمارين كثيرا في الهواء النقي تؤدي إلى تفكير جديد، كما ينبغي تناول الطعام جيدا، والنظر في وضعنا، والتباهي بقوتنا. فقد كان ليوناردو نفسه يثني حدوة الخيول بيديه العاريتين.
العلاقة: الاعتراف والتقدير للترابط بين كل الأشياء والظواهر. فقد كان ليوناردو يعمل على تحليل ما في مذكراته، ويبحث عن الروابط بين الأفكار المختلفة. فمن الناحية الاقتصادية نجد أنه بعد أزمة عام 2008، عندما كانت العديد من الأصول مستقلة عن بعضها بعضا وهوت دفعة واحدة، كان واضحا علاقة الاستثمار في مثل هذه الأزمات.
ولتلخيص كل ما سبق، فإن العباقرة، أو المستثمرين الجيدين يجب عليهم التوجه نحو الحياة بعيون متفتحة، بكل ثقة وراحة.
وإذا كان السؤال هل يجعل تطبيق هذه الدروس منك شخصا عبقريا؟ فالإجابة بالطبع لا – حتى لو كان العنوان الفرعي للكتاب هو “سبع خطوات للعبقرية”. ومع ذلك، فإن فعل هذه الأشياء من المحتمل أن تجعلنا من أفضل المستثمرين. لأنها قد تساعد على قضاء الكثير من الوقت في وضع الرسوم البيانية للسوق أو ميزانيات الشركات.