مساء الأربعاء29 /10/ 2014
جمعني حوار قصصي مع أعضاء منتدى الق الق جداً في لبنان
الذين أشكرهم جزيل الشكر على اهتمامهم و رغبتهم في التعرف على خصائص هذا الفن الجميل ..كما أشكر الأستاذ سعيد أبو نعسة المشرف على المنتدى و إليكم الحوار…
•
محمدالمهدي السقال: ( د مسلك ميمون )الناقد المتتبع في هدوء و وقار الكبار،حضور فاعل في الساحة النقدية، والإبداعية بصمت و حذر،تحية صدق للضيف الخلوق.
•
الكاتبة ريما ريماوي: أهلا ومرحبا بقامة سامقة…
•
سعيد أبو نعسة:
صعب جداً تعريف المعرّف. والأصعب أن تجبر الحروف كي تنطلق من الشفاه وهي تأبى إلا الانسياب من القلب.
سهل جداً أن تستنطق غوغل فتعرف أن د مسلك ميمون أستاذ جامعي يدرس البلاغة و النقد الأدبي.
لكن الأصعب أن تعرف جوّانية هذا الاديب الأريب. منذ سنين طوال التقينا عبر المواقع الأدبية، كنا نلتقي يوميا حول موائد الحروف وكان احترامي له يزداد يوما بعد يوم لأنه كان يعمل لله وماكان لله ينمو.
أخذ علي عاتقه رعاية الناشئ من الأقلام وتسديد المتمرس منها فتضاعف محبّوه. يبني ولا يهدم. لا ينفخ النص فيطير ولا ينفّسه فيذوي. يأتيك بالدليل قبل أن تطلبه ولسان حالك يقول ليته لا يسكت.
عشِق القصجة فكتب فيها وعنها وزين صدر المكتبات والمواقع بدراسات ضافية عنها.
ليس مثالا أعلى للنقاد فحسب بل وللمتدينين أيضا ذاك أن تديّنه تُرجم إلى سلوك عملي وخلق عظيم.
إذا حدّث أمتع وإذا نقد أشبع. صراحةُ في غير تجريح وصدق في غير مديح.
قد لا تكون مجبرا على الإعجاب بنقده ولكنك مُجبر على أن تحبه لأنه صادق والصدق يُحب….
××××××××××××…………………………….////////////////////
“أجوبة عن أسئلة أعضاء منتدى القصة القصيرة جداً في لبنان “
• الأستاذة فلة موسى:
أسئلتي بسيطة دكتور، تهمني كثيراً كمبتدئة وهاوية :
– ما هي أهم الأمور التي تجعل من القصة القصيرة جدا نوعا غير مستساغ؟
– أي الأمور تجعل القصة أكثر قوة الغموض أم الوضوح أم تعدد التأويلات لها؟
– هل الحوار مقبول في سرد القصة القصيرة جدا أم أنه يضعفها ؟
ــ هل الحداثة في فن الققج قضت على القصة الكلاسكية ؟ لأن هذا ما يعجب النقاد.
د مسلك: بالنسبة للسؤال الأول : أستاذة فلة موسى ،الذي يجعل الق الق جداً غير مستساغة الاستطراد ،و الاطناب، و عدم التزام الدقة في اختيار الكلمات التي تخدم الفكرة ، و عدم اعتماد الاختزال .و توظيف الجمل المفككة التي تعني أي شيء ،و لا تعني شيئاً..أو الرمز و سوء توظيفه…
أمّا السؤال الثاني ، ، فلا الغموض يفيد ،و لا الوضوح يجدي فنياً . الغموض يلجأ إليه غير الموهوبين، يخفون عجزهم بطلاسم لا يفكها ناقد و لا ساحر…بل هم أنفسهم أحياناً كثيرة لا يفهمون ما كتبوا..و قد حدث لي ذات مرة في نقاش مع صديق شاعر ، استشكل علي شطر في قصيدته فقلت له : ما ذا تقصد بهذا الشطر أجده مبهما ؟ فقال : “و الله يا أستاذ لا أدري ، جاء هكذا ، حقق الوزن، تركته كما جاء ، و ليؤوله القارئ كما شاء “
فكما أن الغموض من أجل الغموض مرفوض ، كذلك النص المكشوف الواضح الذي يُقرأ من عنوانه ، فهو مرفوض أيضاً .
بقي النص الذي يحمل القارئ على طريق التأويل و تعدد القراءات ، فهو النص المراد .
و هو ما يجب كتابته ..
أمّا السؤال الثالث : بخصوص الحوار في الق الق جداً فكما تعلمين أنّ حجم القصة قصير جدا ..فيفترض أن الحوار يكون مقتضبا جدا ، لأنّ المجال ضيق ، و لأنّ الحوار إذا طال يجعل النص تقريرياً واضحا بل يفقد النص كثافته الفنية ..و يستحسن في هذا الفن تجنبه إلا في حالة ما تستوجبه الضرورة الفنية…و شخصياً أجتهد أن أتجنبه ما أمكن .
أمّا السؤال الرابع القصة الكلاسيكية لها عالمها الخاص و مقوماتها و خصائصها ، و إن قلّ مريدوها بسبب الانبهار بالجديد ، تماما كما وقع في الشعر ، قلة فليلة من تعبأ و تهتم بالقصيدة الكلاسيكية ، حتى على مستوى الدراسات الجامعية الأكاديمية، الأغلبية مالت إلى الحديث …لا لشيء إلآ بحثا عن السّهل و السّهولة ، فالبعض عن جهل يعتقد أن كتابة الشعر الحر سهلة ، و البعض الأخر يرى كتابة الق الق جدا سهلة فيكتب في اليوم الواحد أكثر من نص و يفتخر بذلك ، و لربما ينهي الشهر بمجموعة قصصية ,,, و هذا استخفاف غير مسؤول …و عموما القصة القصيرة جدا لها خصائصها و مميزاتها التي تجعلها مختلفة عن القصة الكلاسيكية . بمعنى لا يمكن كتابة ق ق جدا بأسلوب القصة الكلاسيكية .
و مع الأسف يحدث هذا كثيرا ، و لطالما نبهنا أن لكل فن لغته و طرائقه و خصائصه..فكما لكل قفل مفتاح و مفتاح واحد ، فلا يجوز لهذا المفتاح الواحد أن يفتح كل الأقفال .
أمّا قولك الكتابة الحداثية تعجب النقاد ، فهذا قول لا يقبل التعميم صحيح أن بعض النقاد حداثيون بطبعهم و تكوينهم .. و لكن الناقد عندي من يلتمس الجودة في كل شيء فيبرز معالمها و يوضح أثرها و أبعادها … و يقف عند الهفوات فينبه إليها و يبين تداعياتها و مآخذها و سقطاتها …بحكمة المربي ، و تقنية الموجه…..
• الأستاذ المهدي السقال :
تحية طيبة للأخ الأستاذ مسلك ميمون:هل يمكن الزعم بأن القصة القصيرة جدا،
نص سردي نخبوي بامتياز؟بالنظر لما يهيمن عليها من غموض، يحول دون تلقيها الأفقي على أوسع نطاق.علما بأن الغموض من آليات بناء القصة القصيرة جدا، إن لم يكم أحد مظاهر خصائصها التعبيرية والفنية، الشيء الذي يجعل التلقي شديد الحاجة إلى دراية أولية بميكانيزمات اللغة ومستويات الصيغ الفنية للدلالة و الرمز و الأسطورة،
ضمن رؤية ذهنية للعالم توجِّهُ الكاتب نحو الإقناع تحت غطاء الإمتاع.
د مسلك: الكاتب نفسه قد يجعل من نصوصه نخبوية ، و قد يجعلها في المتناول .. فالذي يغرق نصوصه في الرمز و الكتابة السديمية بطبيعة الحال هذا لا يستهدف القارئ العادي، و لا حتى أكثر من العادي.. بل يكتب لنخبة ما ، إن لم أقل يكتب لنفسه .و ما أكثر هؤلاء الذين يكتبون لأنفسهم، و عندهم أنهم يكتبون للغير .
و عموما الق الق جدا تبدو نخبوية ، في شكلها و طرائق كتابتها .. و لكن ذلك حسب كاتبها و أسلوبه الخاص…شخصيا أقرأ قصصا لا أفهمها .. و إذا ما تيسّر لي أن أحاور صاحبها أجدها تعني أشياء لا تخطر على البال أبداً، لماذا ؟ لأن الكاتب لم يأت بمؤشرات تدل على ذلك،و يحسب فهمه للأشياء،هو ما يفهمه القارئ و في هذا خطل في الرأي وأسلوب الكتابة
الأستاذة مديحة الروسان :
س / لاستنطاق خفايا القصة وإعطاءها حقها من النقد هل يحتاج الناقد لدراسة ثقافة مجتمع الكاتب ؟
متى تقول هذا كاتب قصة قصيرة جدا ؟
د مسلك: أعتقد أن معرفة مجتمع الكاتب مهم في المجال النقدي لأنّ المبدع ينطلق من معطيات إجتماعية يعيشها فإذا لم يكن الناقد على اطلاع عليها سوف لن ينصفه ..
أمّا عن سؤالك الثاني : متى نقول عن الكاتب أنه كاتب ق ق ج ؟
اعلمي حفظك الله ،أن لكل فنّ أصحابه، كما لكل صناعة أصحابها، فكاتب الرواية و القصة أو الشعر.. ليس من الضروري أن يستطيع كتابة ق ق ج . لأنّ هذا الفن يعتمد الدّقة في التّعبير و اختزال الكلام و يعتمد الحذف و الإضمار .. و الذي لا يكون ملما بضروب البلاغة .. يكون متطفلا على هذا الفن ، أو يكتب و لكن كتابته لا تستجيب لداعي التلميح و الايحاء ، بل تأتي مباشرة تقريرية ، و هذا ليس بالفن ..البلاغة عامل مساعد في هذا الشأن ، تصوري مثلا كاتبا لا يحسن الايجاز و لا الاضمار و لا يهتم بالحذف .. أتعتقدينه سينجح في كتابة ق ق جدا … حتما لا. و هنا تتضح أهمية البلاغة ….
• الأستاذة هيفا مجدلاوي:
س/ نريد أن نعرف عدد كلمات الققج فعليا بعد أن تضارب رأي النقاد والكتاب بذلك؟
د مسلك: حين نعلم أنّ هذا الجنس السّردي يعتمد الإيجاز فكلّ اطناب او استطراد أو ترادف أو حشو ما أو تكرار بدون مسوغ،… كل ذلك يعده النقد منقصة و عيبا في هذا الفن الجميل . و إذا انطلقنا من هذا الفهم ، فإن الفكرة لا تؤدى إلا في أقل ما يمكن من الجمل ..
رأى بعض النقاد أن النص لا ينبغي أن يتجاوز ستين كلمة ، و رأى آخرون ما بين ستيين و المائة كلمة، و ذهب ،آخرون أبعد من ذلك فرأوا نصا قصصيا في نصف ورقة يعد قصة قصيرة جداً.و لكن حين نجد أقصر قصة قصيرة جداً في تاريخ الكتابة الابداعية العالمية و هي للكاتب الأمريكي اللاتيني ذو الأصول الغواتمالية: (أغوستو مونتيرّوسو) يكتب قصة تحمل عنوان : الديناصور و تتكون من بضع كلمات فقط : [ عندما استيقظ كان الديناصور لا يزال هناك..] . فهل نقول إن الق الق جدا في ست كلمات ، أو في ستين كلمة ، أو مائة كلمة ، أم نستعيض عن كل هذا و نفسح المجال لنصف ورقة ؟ حسب تجربتي الخاصة حين تخامرني فكرة و تلح علي ،أكتب النص، قد أجري عليه بعض التهذيب ، و قد أغير الجملة بأخرى و الكلمة بغيرها ،و لكن هاجس قوي يشدني إل العناية بحجم النص، و غالبا ما أتركه إلى حين تم أعود إليه برؤية مختلفة ليست رؤية المبدع ، و لكن رؤية الناقد ، فقد يستمر الحذف و التغيير و التبديل ، و قد يكون الأمر بسيطاً فأحتفظ بالنص كما في سيرته الأولى . أ ريد أن أقول من وراء كل هذا أن الممارسة تجعل القاص يتحكم في أسلوبه و طرائق كتابته. و لقد عمد صديق قاص إلى حيلة تقنية كلما أراد كتابة ق ق جداً لجأ إلى تويتر، و يُقسم أنّ مجموعته كاملة كتبها في تويتر. لأن هذه التقنية لا تسمح بتجاوز عدد الحروف المخصصة..فنصوصه دائما دون ستين كلمة. و إن كنت لا أفضل هذا الضغط التقني،فإنني مع ذلك أدعو إليه كتجريب قسري للحدّ من ثرثرة السّارد،واكتساب أسلوب الايجاز و الاختزال. و لو من باب التّمرين، و التّمرس .
• الأستاذ عبد العزيز كصاب :
مساء الخير الناقد المعطاء مسلك ميمون، أي منهج يروق لك في تحليل القص القصيرة جدا ؟وما حضور المنهج السيميائي في أعمالك النقدية ؟ وختاما أي منهج نقدي في نظرك يتمثل القصة القصيرة جدا ؟ ……..
د مسلك: أميل إلى المنهج التّفكيكي التّحليلي الفنّي، The Deconstruction criticism ليس في مجال القصة القصيرة جداً فقط بل حتى في مجال الرواية ..و ربما هذا يستجيب لمادة التدريس / البلاغة . و لربما أيضا أنه من المناهج المغيبة عند معظم النقاد الذين تستهويهم مناهج مختلفة ..أقول هذا و أنا أومن أن النص هو الذي يفرض منهج التعامل معه ، فمثلا نص قصصي تكثر فيه الاشارات و الومضات الدلالية ، و تستوقف القارئ عدة علامات ذات دلالة و مغزى..يصبح من الضروري توظيف المنهج السيميائي، و قد وظفته في دراسة ثلاث مجموعات قصصية في كتابي النّقدي ( غواية السّرد القصير) و كان الدافع إلى أن المجموعات فرضت ذلك . أما بالنسبة الق الق جداً فهي لا تخرج عن هذا التصور. فلو عدت إلى (عشارياتي ) و هي خمسة عشر عشرية ، ستجدني أنوع في المناهج و أحياناً أخلط بينها …و إن كان المنهج التّفكيكي التّحليلي الفنّي أغلبها، و أكثرها ..
• الأستاذ طارق بنات :
س / كيف يستطيع قاص مبتدئ أن يوائم بين التجريب و المعاصرة من جهة و الاحتفاظ بثقته بنفسه من جهة ، في ظل وجود بعض النقاد البارعين في التوبيخ ؟
د مسلك: التّجريب و المعاصرة بالنسبة لمبتدئ ، أمرغير وارد .
المبتدئ، يُحسن صنعاً أن يكثف مطالعته لنصوص الرواد ، لأنه في مرحلة التزود و التّكوين و البناء.. فمتى استأنس بهذا الفن ، و شعر أنّ الكتابة تلحّ عليه .. فليكتب ما بدا له ، و لا يهمل أن يعرض كتابته على من يستأنس بهم فهماً وذوقاً ووعياً بهذا الفن..و يستفيد من توجيهاتهم و ملاحظاتهم …و لا غرو أنّ المحاولات الأولى لا يُعتدّ بها ، و ليكـــنْ ، فهي محض ممارسة و تدريب .. و لكن لما يشتد عوده و يصل مرحلة النّشر…يومئذ نتحدث عن التّجريب و المعاصرة ، و ليس قبل .
أمّا الناقد البارع في التّوبيخ ،فهذا ما لا ينبغي التّعامل معه، و لا أن نعتبره ناقداً . فالناقد الحقيقيّ ، مبدع بنقده، مربيّ بتوجهاته و ملاحظاته ..
الأستاذ سليمان جمعة :
س/ : جمالية الققج في المحتوى ام في الشكل …ام في حركة الدﻻلة وتناغم العلاقات وهي ترسم تطور الحدث.؟
والايحاء عملية مركبة في المفردة /الرمز وقد حدد الجرجاني المزية في التركيب .. والفارابي جعلها في الصوروالتحفيز للقاريء باستحضار صور مثلها من مخزون الثقافي ؟
اذا رؤية الكاتب الى العالم وموقفه من الحدث الجاري في الواقع. .هي من يكتب النص..اﻻ تخشى ان تكون المفارقة التي نطلبها في الققج..تضطر الكاتب الى تصنيع موقف ولغة تخرج من حقل رؤيته ؟
الرؤية والموقف يشكلان النص
الكاتب ﻻ يكتب بالبلاغة ليحصل على التكثيف واﻻيحاء انما يجد المعادﻻت الموضوعية لها صورا ..والمتلقي يقرأ بالبلاغة ويحلل ..بأسلوبية او سيميائية …المهم ان ننطلق من لغة النص..كيف ترى الى ذلك ؟ وشكراً.
د مسلك: جمالية الق الق جداً في الأسلوب و البناء ككلّ الفنون الأدبية الأخرى ، لأنّ الأفكار متداولة ، و لا ينتظر من القاص أن يأتي بأفكارجديدة ، لأنه ببساطة : مبدع سرديّ و ليس مفكرا و لا فيلسوفا.. إنّما يأتي بفكرة قد تكون معروفة و رائجة ، و لكن يأتي بها في إطار فنّي، تحسبها فكرة جديدة ، أو كأنّك لم تسمع بها من قبل، و السّر في ذلك ، الأسلوب و الطّريقة ، كم من رجل يحدثك و تتمنى أن يسكتَ ، و كم من رجل يحدثك و تتمنى ألا يَسكت .لماذا ؟ الأمر يعود إلى طريقة الكلام ، و أسلوب التّبليغ ..أمّا الأفكار على حدّ تعبير ابن خلدون ، فهي موجودة على الطرقات ..
بالنّسبة للإيحاء فقد طرحت السّؤال و أجبت عنه ، فعلا الإيحاء يتأتي من الكلمة / الرّمز ، و من النّسقية التّركيبية للجملة ، و من الصّورة البلاغية المستشفّة..
و أجمل الكتابة في الشّعر أو في الق الق جداً أو في كلّ كتابة فنّية كقصيدة النّثر أو الشّذرة ..أن تكون كتابة إبحائية ، الفن لا يقول، و لا يقرّر، و لا يُخاطب.. الفن يلمّح و لا يُصرّح .
أما (رؤية الكاتب) ، في الكتابات المعاصرة فلقد أصبحت مضمرة بشكل ملحوظ . عكس ما كانت في القصص الكلاسيكية ، السّؤال الذي أصبح الأن ليس ما هي رؤية الكاتب ؟ و لكن ما رؤيتك أنتَ كمتلقي من خلال المعطى النّصي ، و هذا لا يعني أنّ ليس هناك رؤية للكاتب ، إنّما هي مضمرة، لدرجة الاهمال …ففي النّصوص القديمة كانت معلنة ، و كانت تؤثّر على فنّية النّص و تجعله خطابياً تقريرياً ، لأنّ الايديولوجيا كانت مستحكمة، و الولاءات كانت تقليعة متفشية انعكست على الكتابة..الأن نحن بصدد نصّ متعدد القراءات ، ما أتاح للمتلقي حرية التّخيل و التّخييل …لهذا تخوفك لن يكون إلا إذا كنت تحرم المتلقي من هذه المتعة وتبحث عن المضمر لتكشف عن رؤية الكاتب. و اعلم أنك إذا وصلت إليها انتهى النص القصصي كنص فنّي ، لأنّه أصبح كالرسالة أدّى خبراً و انتهى ..فلا تأويل ، و لا متعة تفسير ، و لا اجتهاد قراءة …
أمّا سؤالك الأخير ، ما دمت تقول ننطلق من لغة النص، فلا إشكال ، إنّما الاشكال أن تقول : (الكاتب ﻻ يكتب بالبلاغة ليحصل على التّكثيف واﻻيحاء انّما يجد المعادﻻت الموضوعية لها صور) فهل الإيجاز ، و المجاز، و الحذف ، و الاضمار، و التشبيه ، و الإستعارة ، و الكناية …ليس كل ذلك من البلاغة ؟ إذاً ، بها يُكتب النص الفنّي عموماً و الق الق جداً بخاصّة لأنّ لغتها أقرب إلى لغة الشّعر.ثمّ كيف يحدث (التّكثيف اللّغوي و يحصل الايحاء) في غياب ضروب البلاغة ؟بل كيف تحدث الصّورة الشّعرية في غياب المقومات البلاغية ؟
أعتقد أنّ القاص الذي له دراية ــ و يجب أنْ تكون له ـ في فنون البلاغة ، يستطيع أنْ يكتب بفنية التّكثيف، و تلميحية الإيحاء . أما الذي يفتقر إلى ذلك ، سيكتب كما تكتب الجرائد اليومية كلاما ،قيمته أنّه ينقل خبراً بشكل مباشر..تقريري ..
.الأستاذ سعيد أبو نعسة :
ما حدود العلاقة بين الهايكو و القصجة ولمن فيهما الزمن القادم؟
د مسلك:لا علاقة بين شعر الهايكو و الق الق جداً إلا من حيث اختزال الكلام ، و الحفاظ على الإيجاز و التّكثيف .
فالهايكو Haiku شعر ياباني.غبارة عن مقاطع في ثلاثة أسطر تشكل قصيدة قصيرة تمثل لحظة التنوير التي تسمّى «ساتوري» لدى اليابانيين .
و قد تتكون قصيدة الهايكو من جزأين , و يكون بينهما حيز خيالي يترك للمتلقي فرصة للولوج للقصيدة . كما يبدو استقلال المقطعين الى حد ما عن بعضهما البعض من ناحية الشكل و أن يكونا متصلين من حيث المعنى.
ويرجع تأريخ الهايكو الحديث الى عام 1892م بظهور قصائد الشاعر(سيكو شايكي) وقد بدأ القارئ العربيّ ، بالتّعرف على أنماط الشّعر الياباني منذ وقت قريب لا يتجاوز العقدين تقريباً. و أهم شعراء الهايكو الكلاسيكيين معظمهم من الرّهبان، أما موضوعاته : فان أشهرها عبارة عن تفاصيل و حالات يومية…..
يمكن للقاص أن يستفيد من قصائد الهايكو من حيث التكثيف اللّغوي ..و الفرق وارد بين أسلوبية الق الق جداً وقصائد الهايكو …
أما مستقبل الجنسين معاً ، فالهايكو له مريدوه في اليابان و هم يعتنون به غاية الإعتناء أمّا عندنا في الوطن العربي فهي مجرد تقليعة ثقافية و ستنتهي يوماً ما . بيد أنّ الق الق جداً و إنْ كنت أتمنى لها الاستمرار، و التّطور ، و لكن في جو استسهال هذا الفن ، و غياب النّقد و المتابعة المستمرة أشعر بنوع من التّشاؤم ، و أتمنى أن أكون مخطئاً …
تحياتي / د مسلك ميمون