من ذكريات نقد ال (ق ق ح) (1)
في مطلع 2005 و في كلية الآداب، كان بعض الطلبة يأتونني بمحاولاتهم في ال ( ق ق ج)..الكلّ كان يومئذ يحاول اكتشاف هذا الجنس المستحدث، و أن يدلي بدلوه.. و كنت أمضي بعد تحضير مادة الغد، وقتا ممتعا و انتاج هذه البراعم الناشئة. حقا لم يكن في أغلبه انتاجا في المسوي المطلوب. بل كان أفضله تعتريه هنات لغوية و أسلوبية، أو غياب لبعض خصائص( ق ق ج) الأساسية.
إلى أن حدثت المفاجأة. أذكر أنني بعد قراءة خمسة أو ستة نصوص غير مميزة و لا ذات شأن، و بعد أن وضعت ملاحظات لأصحابها.. فكرت بعد شعوري بالتعب، أن أبقي باقي النصوص إلى الغد. و لكن و أنا بصدد جمع أوراق النصوص و قع نظري على اسم غريب: ( وهج الراعي) تراكمت الأسئلة في ذهني ، هل هو اسم مستعار ؟ هل هو لطالب أم طالبة ؟ و إن كان اسما حقيقيا فهل صاحبته أو صاحبه مغربي ..أم من قطر عربي؟ انشغلت بالاسم كثيرًا ، حتّى كدت أنسى النّص، الذي كان تحت عنوان: ( و ماذا بعدُ ..؟ )
لم أدر كيف انسابت عيناي تلاحقان كلماته الرّائقة القليلة . لم أدر كيف استوقفني أسلوبه و لغته.. لم يكن عاديا ، و لا يشبه ما قرأت سابقا للطلبة .. بل كان (ق ق ج) متميزة، حتّى لا أقول شيئا آخر..
مرّ أسبوعان أو أكثر قليلا، كلّ الطلبة الذين سلّموني نصوصهم ، أعدتها إليهم مرفوقة بملاحظات، و البعض ناقشت معهم بعض الحيثيات في بناء ال (ق ق ج).. و بقي نص ( و ماذا بعدُ ؟) يقبع في محفظي.. شهرًا كاملا بعد ذلك . و لم يظهر صاحبه أو صاحبته. بل إنّني من شدّة إعجابي به، تفقدت لائحة الطلبة مرارا، فلم يكن اسم ( وهج الراعي ) من بين أسماء طلبتي .فانتابني هوس و حيرة .. حتّى أنّني استعنت بطالب و طالبة، على أن يبحثا عن صاحب أو صاحبة النّص ، فوضعا إعلانا على لوح المنشورات ،و لكن بدون جدوى..
كنت من حين لآخر أعقد اجتماعا مع الطلبة المهتمين بكتابة القصّة نحلل نصا أو نناقش خصائص ال (ق ق ح). فاخترت في لقاء تحليل نص: (و ماذا بعدُ؟) فأعجب به الطلبة و لما اسشعرت منهم ذلك، سألتهم أتعرفون من كاتب النّص؟ قال أحدهم :
ــ لا شك أنه قاص بارع..
و قال آخر:
ــ أستاذ ارشدنا لمجموعاته عسانا نستفيد منها.
ــ …………………………..
فاندهش الجميع، حين قلت لهم: إنه نص و جدته في قمطري في قاعة الأساتذة. لـ ( وهج الراعي). فسرت همسات و تساؤلات.. و لا أحد يعرف صاحب أو صاحبة الاسم.
فقلت في نفسى و أنا بين الرّجاء و اليأس :
ــ و ماذا بعدُ ؟ !
في صبيحة يوم من أيّام مارس. كنت أطلع على بعض المذكرات. فدخلت القاعة أستاذة مادة الفرنسية. حيتني و جلست أمامي على غير عادتها، ثم قالت فجأة..
أيهمك أن تعرف ( وهج الراعي )؟
انتفضت من مكاني، كمن لامس خيط كهرباء…و لم أعقب من دهشتي.. فواصلت مبتسمة.
ــ ذاك اسم مستعار..اتخذته لمّا وضعت النّص في قمطرك.. كنت أخشى أن تجاملي بحكم الزّمالة.. و لكن لما وجدتك تناولت النّص بالتّحليل للطلبة، و أبديت إعجابك.. شعرت انّني كتبتُ نصّا يستحقّ القراءة .و لقد كتبته بالفرنسية أوّلا، ثمَّ عرّبته بعد ذلك..
فابتسمت ضاحكا و أنا أشدُّ رأسي عجبا و قلت:
ـ أهكذا.. ؟! ( وهج الراعي ) .. ؟! أهي انت صاحبة ” و ماذا بعدُ ؟” ؟!
فاشرق وجهها بابتسامة عريضة و قالت :
ــ الآن ..لم يعد هناك ما هو بعدُ ..