من ذكريات نقد ال (ق ق ح) (2)

من ذكريات نقد ال (ق ق ح) (2)

في صباح ذلك اليوم من خريف 2005 كانت القاعة في الكلية غاصة بالطلبة المهتمين بكتابة ال (ق ق ج)، و القصة القصيرة، و بطلبة آخرين جاءَ بهم الفضول الثّقافي. أذكر أنّ العرض كان حول : ” المفارقة قي (ق ق ج) ” بعد ذلك، و بعد المناقشة سلّمني بعض الطّلبة محاولاتهم القصصية.

في البيت لاحظت من خلال ما قرأت، أنّ النّصوص لازالت رهينة النّكة و الخاطرة،.. و بعدُ لم تصل درجات المُبتغى. و من النّصوص نص تحت عنوان:” الكرسي ” .كان ردئ الخط ، ومفكك الجمل ، يتحدث عن كرسي بطريقة غامضة مُلتبسة..سرعان ما وضعته جانبا.

و بعد أسبوعين، أعدت النّصوص لأصحابها مرفقة ببعض الملاحظات..و بعدَ ذلك بأيّام قليلة، وجدت في قمطري ورقة كتبت بخط ردئ :

ــ” المفارقة و عرفناها يا أستاذي، و لكن المفارقة التي لم أفهمها، كيف يحظى الطلبة بنصوصهم مُصحّحة و يهُمل نصي؟! “

كانت الورقة الصّغيرة كالصّاعقة. إذ لم يكن من عادتي تجاهل نص ما. فعدت إلى نفسي أسائلها. فشعرت أنّ الخط الرّدئ ليس غريبًا عني ، و لعلّني فعلا تجاهلت هذا النص.

في البيت أعدت قراءته مرارًا، عساني أفهم شيئًا من تفكّكه،فشعرت أنّ كاتبه يريدُ أن يُمرّر خطابا، و لكن يعوزه البناء القصصي ،و سلاسة اللغة فكتب ما من شأنه أنْ يَعني و لا يَعني شيئا، و بخاصّة أنّه كلام حول كرسي. فعمدت إلى اهماله عن قصد. و لا أدري ما جعلني أفعل ذلك.

و ذات صباح، و أنا في طريقي إلى المدرج.. انتهى إلى سمعي :” أستاذ.. أستاذ..’

إلتفت فوجدت فتاة ضامرة الوجه، نحيفة ، يدها اليمنى ترتعش لا إراديا ، تحاول امساكها بيدها الأخرى، تجلس على كرسي متحرك، تساعدها في الدّفع إحدى صديقاتها. فقالت لي على التّو :

ــ أراك يا أستاذي أهملت نصي ..نص : الكرسي ؟

شعرت بأرض الكلية تهتز تحت قدمي. كنت أضمر كلامًا صاخبا لصاحب النّص، أما الآن فما عساني أقول؟ ! ابتسمت مرتبكا و طمأنتها …

في البيت حرت في أمري، ففكرت أن آتيها بمجموعات قصصية عسى ذلك يكون أخفّ من ملاحظات مباشرة قد لا تطيقها .. فجئتها بمحموعات .. و لكنّها أصرَّت أن تعرف رأيي في نص ” الكرسي “. فوجدتني في حيرتي أستجدي كل منازل الصبر و التّصبر فقلت لها من البَعض أقلّه بكلّ لطف.. فشعرت بملامح وجهها تتغير، و تزداد قتامة. فنصحتها بقراءة المجموعات القصصية و انصرفت مستعجلا .

بعد شهر من ذلك أو أكثر قليلا ، و جدتها تجلس على كرسيها المتحرك في الصف الأوّل. بعد العرض سألتها عن رأيها فيما قرأت…قالت، بلا مبالاة و بمزاج حاد :

ـــ قرأتها يا أستاذي فلم ترقني..و لم أجد نفسي فيها..

اندهشت ،فرَنّ في رأسي جرس قوي و ما زال يَرن : ( هل القاص يكتب انطلاقًا من إحساسه، أم ترى من إحساس الأخرين ؟)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.