د مسلك ميمون
[highlight]بقلم: أحمد إبراهيم أحمد / الاسكندرية ـ مصر[/highlight]
ولد مسـلك ميمـون في مدينة وجــدة المغربية في 14/11/1953 ويعمل أستـاذاً للّغة الـعربيـة (بـلاغة ونّقد) وباحث في اللّغة والأدب وهو حاصل على ليّسانس اللغة العربية وآدابها وشهادة استكمال الـدروس من كلية الآداب جامعة محمد الأول بوجدة ودبلوم الدراسات العليـا تخصص الأدب القديم ودرجة الدكتــوراه في الأدب الأندلسي والمغـربي.
نُشر له ما يزيد على العشرين مقالة في النقد الأدبي والمنهجي، وما يزيد على الخمسة عشر بحثاً ودراسة علمية في المجلات المتخصصة، وشارك في إنتاج مجموعة برامج لإذاعة وجـدة، وكتب مسلسلات إذاعية ومسرحيات ونصوص قصصية وله محاولات شعرية؛ إضافة لمشاركته في العديد من الحوارات في المواقع المعنية بالإبداع على الشبكة العنكبوتيه.
ودرس ميمون مسلك القصة القصيرة جداً في مقالات، ودراسات، وتعليقات، وردود قام خلالها بتوظيف مفاهيم نقدية محددة بأحكام ثقافية مؤسسة على معرفية علمية، ومقاييس ومصطلحات نقدية مبنية على مناهج النقد التأويلي (الهرمونيطيقية) مستهدفاً اكتشاف الدلالات والبني الجمالية والشكلية وفق مشروع يقدم تصوراً نظرياً، لتأسيس منهج نقدي للقص القصير جداً.
وتعتبر جهوده النقدية وتحليلاته للأعمال السردية – خاصة في مجال القصة القصيرة جداً – من الأعمال الرائدة في نقد السرد القصير جداً؛ حيث يعتبره فناً كتابياً أوجد مكاناً لنفسه وسط زحام تسعينات القرن العشرين كبدعة فنية في إطار فن القص كشيءلم يعرفه قدماء العرب.
مشروع مسلك ميمون النقدي
تتناول هذه الدراسة منهج الدكتور ميمون في نقد القصة القصيرة جداً من خلال كتاباته وكتابة محاوريه على مواقع مهتمة بالسرد القصير جداً بالشبكة العنكبوتية، وقراءة لكتاب (الصورة السردية في قصص شريف عابدين).[1]
ويُمكن اعتبار مشروع مسلك ميمون النقدي للقص القصير جداً امتداداً لأعمال تحليل الخطاب التي بدأت على أيدي الشكلانيين الروس[2] وفي مقدمتهم ميخائيل باختين[3] وجاكوبسون[4] حيث يحاول تلمس بنيوية النص (الزمن – الصيغة – الرؤية السردية)كمكونات للخطاب السردي باعتباره عملية اتصال Communication process من خلال طرفيه المتقابلين (المرسل/المؤلف – والمتلقي/القارئ) لتصبح مدخلاً لتحليل السرد بحيث يُمكن هذا المدخل العلمي من الانفتاح على السرد والتعرف على الدلالات الكامنة في النص، واستخراج بنيات الخطابات المختلفة المشتركة بين عناصره والتي تحقق علاقة فعالة بين (المرسل/المؤلف) بـ(المتلقي/القارئ)حتى يعيد إنتاج الخطاب[5].
ويستهدف مشروع الدكتور مسلك وضع معايير قياسية لهذا الشكل السردي لتقنينه، وبتقييم تحقق هذه المعايير يمكن الحكم بنجاح القصة القصيرة جداً من عدمه، بناءً على نجاح مبدعها في تحقيق هذه المعايير وهي:
المعايير القياسية لعناصر القصة القصيرة جداً عند مسلك ميمون
-
الناقد
يضع الدكتور ميمون شروطاً موضوعية حتى يعتبر القائم بالنقد ناقداً حيث يشترط في الناقد[6]:
-
أن يمتلك الموهبة النقدية.
-
التمكن من ثقافة النقد من خلال التعرف على المدارس النقدية العربية والغربية.
-
الاطلاع الموسع على الدراسات النقدية لكبار النقاد.
-
التمكن اللغوي والأسلوبي والمعرفة بعلوم البلاغة وامتلاك آليات المتابعة.
-
اتقان بعض اللغات الأجنبية للتمكن من معرفة ما يجري في الضفة الأخرى.
ويؤكد جهده التنظيري التحليلي على سياقات ثلاث للقص القصير جداً هي (السياق اللغوي والبلاغي ثم الذهني) كما يطرح مفهوماً لأهمية الصورة في سرد القصص القصير جداً؛ حيث يربط في عمله النقدي بين أشكال متعددة للصورة وتفاعل هذه الأشكال مع بعضها داخل النص.
ويعمق الدكتور ميمون مفهوم الصورة بالتأريخ لها ويربط بين الصورة المرئية بأشكالها المختلفة بدءاً برسوم كهوف عصور ما قبل التاريخ، وصولاً للصورة في أشكالها التقنية المعاصرة، مُبيناً أن الإبداع في النهاية صورة ترتسم في الذهن فيكون لها تأثير وإحساس وتفاعل في نفسية المتلقي[7].
ويستشهد ميمون بالدكتور عبد القادر القط في كتابه (الاتجاه الوجداني في الشعر العربي المعاصر) وكتاب الدكتور محمد الولي (الصورة الشعرية في الخطاب البلاغي والنقدي) لتأكيد وجهة نظره عن تحطيم الجدار الذي يفصل بين الشعر والنثر في استخدام الأدوات البلاغية[8].
-
كاتب القصة القصيرة جداً
يرى الدكتور مسلك ميمون سارد القصة القصيرة جداً كقاص بليغ بارع وخبير باللّغة… متمرس متقن للمجاز وجماليات اللغة وعمق الدّلالات… مستوعب لكيمياء الألفاظ وفلسفة المعانى؛ فلا تتحكم فيه حلاوة الألفاظ فيقتنصها لحلاوتها بل لما يخدم السّياق، ولا يغره القصر ولا الإسهاب، ويهتمّ بالمعنى المصاغ في نسق لغوي فنيّ مكثف، يُمكن القارئ الشّغوف بفن القصّ القصير أن يقرأ ما وراء النص من لغة مضمرة لأنّ القراءة السّطحية من وجهة نظر ناقدنا غير ذات جدوى ولا بد من قراءة ما بين السّطور القليلة وخلف الكلمات المتجانسة Homonymic.
-
تعريف القصة القصيرة جداً
“عمل إبداعيّ فنيّ يعتمد دقّة اللّغة وحسن التّعبير الموجز واختيار الّلّفظة الدّالة التي تتّسم بالـدّور الوظيفيّ Functional والتّركيز الشّديد في المعنى والتّكثيف اللّغوي الذي يحيل ولا يُخبر، ولا يقبل الشّطط ولا الإسهاب ولا الاستطراد ولا التّرادف ولا الجمل الاعتراضية ولا التّفسيرية، ويستهدف مضموناً يقبل التّأويل، ولا يستقر على دلالة واحدة، ويسمح بتعدّد القراءات ووجهات النظر المختلفة.”
-
لغة القصَّة القصيرة جداً[9]
تحتاج الكتابة الإبداعية للغة مختلفة عن اللغة العادية المعنية فقط بالإخبار لأن لغة الكتابة الإبداعية ذات خصوصية فنية؛ وحتى تصبح فنية (قصصية كانت أو شعرية) ينبغي للمبدع الإلمام بكيمياء اللّغة من حيث قواعد النّحو والصّرف، وقواعد البلاغة؛ إضافة لعلم المعاني أو الدلالاتSemantics والأسلوب Style وعلم العلامات Semiotics فضلاً عن علوم اللّغة Linguistics- Science of language وعلم السرد Fiction إضافة إلى خبرة المبدع الشّخصية.
-
العنوان[10]
هو عتبة الدخول للنص، ويلزم أن يكون محايداً مبهماً غير موحِ بالحمولة السردية، ويشكل دافعاً لمعرفة ما في النص الذي يعلوه؛ حيث يكشف العنوان غير المناسب مضمون النص قبل قراءته، ويلخصه، فيُفقد النص متعة قراءته.
-
الحجـم[11]
لا يضع مسلك حجماً ضيقاً لكتابة السرد القصير جداً حيث يراها “سرداً في اختزال فني يحكي ولا يقول مباشرة تلميحاً لا تصريحاً.” إذ يرى خلافاً للكثيرين أن القصة تعتبر قصيرة جداً إن جاءت في نصف صفحة أو في ستين أو مائة أو ثلاثمائة كلمة بدون زيادة غير مرغوب فيها، مادامت تتميز بالتّكثيف والإيجاز واللّغة الشّعرية بلا استطراد.
يوضح ذلك أن مفهوم الحجم في القصة القصيرة جداً كما يراه الدكتور ميمون هو موضوع كيفي أكثر منه كمياً، ويوضح أن حجم القصة القصيرة جداً لا يعني سطرين أو ثلاثة فربما تكتب القصّة القصيرة جداً في نصف ورقة، فيضع بذلك حجماً كمياً نسبياً للقصة القصيرة جداً يتراوح بين السطر الواحد والأربعة عشر سطراً على وجه التقريب.
-
القصة الومضة[12]
هي أصغر وحدة سردية لا تتعدى سطرين أو ثلاثة، وتتميز بأنّ الحدث كاملٌ لا يتطور، وتعتمد على إحداث الصدمة والدّهشة والمفاجأة، وتدعو للتّأمل مع اختلاف الرؤية بحيث تُعطي صورة بانورامية عن الحياة بكتابة فنية.
-
التيمة أو الموضوع[13]
يرى الدكتور مسلك أنه رغم اتساع القصّ القصيرة جداً لكل الأفكار، يكرر كتاب القصة القصيرة أنفسهم لا شعورياً لأسباب ذاتية، ونفسية، وتنشأ الأسباب الذاتية حين يتخذ الكاتب لنفسه نموذجاً ينسج على منواله، فيتعمّق الخطأ مع قلة النقد والتّوجيه، ويصبح نمط كتابته واحداً بلا ابتكار.
وتنشأ الأسباب النفسيّة حين يجد الكاتب لذّة اجترار تيمات معينةCertain Themes تسيطر عليه وعلى قدراته الإبداعية فلا يكتب إلاوفق سمة مميزة Distinctive trait تسكن لا شعوره، فتمنعه من التفكير في التحولات الإبداعية الممكنة Creative transformations فيجد نفسه مشدوداً إلى نمط متكرر وهذا ما توضحه بجلاء الأسلوبية التعبيرية Stylistic expression ولتفادي ذلك يطلب مسلك ميمون من القاصّ الإكثار من القراءة والحلم دائماً بالقصّة التي لم يكتبها وأن يكون ناقداً لأعماله وأن يؤمن بالتجديد أسلوباً ومنهجاً.
ويتضح من عرض ميمون للتيمة أو الموضوع عدم ارتباطهما بالبنية الأرسطية الدرامية للحكاية ومن ثم فهو لا يلزم الكاتب بشكل أو مذهب معين في كتابة السرد القصير جداً للموضوع قيد الكتابة، ويقر بالتالي كافة المذاهب الفنية في كتابة القصة القصيرة جداً كجنس فني مستقل بذاته.
-
الشخصية[14]
لا يوجد نص بلا شخصية/شخصيات تصنع الحدث وقد لا تكون الشخصية بشراً فيمكن أن تكون حيواناً أو نباتاً أوحتى جماداً أو عنصراً من عناصر الطبيعة؛ حيث تتحكم فكرة النص في أهمية الشخصية؛ فإن أولت الاهتمام للحدث يصير أكثر أهمية؛ وإن اهتمت الفكرة بالفاعل تبرز أهمية الشخصية السردية.
ويرى الدكتور ميمون أن شخصية الراوي/السارد العليم الذي يعرض الرؤية من وراء الحدث هي من الخطورة بمكان لأن الراوي الذي يعرف كلّ شيء، يُبَسط النّسيج الفنيّ، ويحلّ عقد البناء السردي حين يكشف كلّ الأوراق، فيجعل النّص عادياً خالياً من المتعة؛ مما يتطلب من الكاتب التحكم بذكاء في شخصية الراوي/السارد العليم فيُنطقه حيث ينبغي النّطق، ويخرسه حين ينبغي سكوته؛ وألا ينساق الكاتب خلف سارده الافتراضي فيرخي له حبل السرد على الغارب، فيحصل على نص مباشر ليس أفضل من تقرير إداري متواضع لكاتب موظف.[15]
-
التَّكثيـف في القصَّة القصيرة جدّاً[16]
يعتبره مسلك ميمون ضرورة أساسية للقصّة القصيرة جداً فالنص ذو الفائض اللغوي الإنشائي المنفتح بلغة عادية Natural language هو نص عادي إخباري تقريري مباشر الخطاب، وليس إلا نصاً لا صلة له بالفن ولا بالقصّة القصيرة جداً فدور اللّغة المكثفة دور أساسي فنياً، يفرز نصاً قابلاً لقراءات متعددة، ويساهم في إنتاج تأويلات ورؤى قد لا تخطر على بال المبدع؛ لذلك ليس التّكثيف اللّغوي سّهلاً ولا هيناً.
ويرى أن الكثافة اللّغوية هي الإيجاز غير المخل الذي يوحي بالرّؤى الممكنة التي لا يأتي بها الإطناب الممل حيث التكثيف ميزة للسرد عموماً والقصّة القصيرة جداً خاصة.
ويعتبر التّكثيف اللّغوي خبرة فنية إبداعية لا تتأتى إلا بالنّسق المناسب (لا بدّ من لغة قصصية في القصة، ولغة شّعرية في الشّعر) مما يعني أنه لا محلّ في الكتابة الإبداعية للغة العادية Natural language فالتكثيف ليس تّعجيزاً أو إبهاماً أو إلغازاً وليس جديداً في أدبنا العربي.[17]
ولا يضمن التكثيف وحده نجاح السرد بل هناك عناصر أخرى لا بدّ منها وإن لم تتوفر كلّها في النّص؛ لأن طبيعة النّص، وحالة المبدع النّفسية لهما دور في إظهار عناصر، وحجب أخرى؛ شرط أن يكون كل ما كتب في النص ذا دلالة، ويخدم الفكرة بشكل مكثف يخلو من اللّفظ الزّائد حين يستخدم التّلميح أو حتى التصريح.
-
الرّمـــز[18]
يرى الدكتور مسلك أن الرّمز أداة ووسيلة وليس غاية في حد ذاته، ويجب توظيفه بعناية في أي عمل فني، لأنه يغني النّص فنياً، ويساهم في الاختزال الذي يدعم التكثيف، ويمنح النص أبعاداً لا تتأتى باللغة الوصفية المباشرة، كون الرّمز يسكن كل نواحي الحياة، ويجب على الكاتب أن يدرك خصوصية الرمز وقدرة القارئ العادي محدود الثقافة على فك شفرته؛ لأن طبيعة الرمز نخبوية تجعل النّص نخبوياً، ويستلزم ذلك تبسيط الرمز، وجعله في متناول القارئ العادي بإبداع رموز معروفة، أو يسهل التعرف عليها من سياق النّص لأن الرّمز الذي يوظف توظيفاً فنياً يزيد من قيمة النّص الإبداعية، ويثريه دلالياً، ويسافر بالقارئ بعيداً في عوالم لا تصل إليها اللغة العادية والتراكيب الوصفية التقليدية والبسيطة.
-
الغموض[19]
يرى الدكتور ميمون أن النصوص السردية التي يكتنفها الغموض تستلزم أن يكون هذا الغموض:
-
ناتج عن رمز ما، يستطيع أن يعيه المتلقي.
-
ناتج عن تراكيب بلاغية يفقهها المتلقي ويستطيع استيعابها.
-
ناتج عن فكر مقصود من القاص يحسن التعبير عنه وإيصال ما وراءه للقارئ.
-
لغاية سردية فنية تشهد للسارد بالبراعة التي يستحقها.
-
الخاتمة/القفلــــة [20]Resolution
رغم أن القفلة/الختام هي جملة نهاية السرد شكلاً، لا يكتفي الدكتور ميمون لها بهذا الدور إذ يعتبرها مناط الّسّرد، والتي ينطلق منها التّأويل، ويستند إليها الـتّعليل، وينبني عليها التّحليل النقدي، ورغم كل ذلك، يجيز ألا يأتي بها القاصّ حين تكون القصـة مضمرة عالية التّكثيف، تستخدم الرّمز، أوالحذف، والإضمار، والصور البلاغية في سياق ونسق سردي متماسك؛ لأنّ ما سبق يضعف دلالتها وتأثيــرها؛ لذلك تفقد كثرة من القصص القصيرة جداً دلالتها وقيمتهـا وقدرتها على الإمتاع؛ لأنّ القفلة خالية من العفوية مصطنعة Artificialويضع الدكتور ميمون خصائص للقفلة الجيدة هي :
-
قفلة مفاجئة غير متوقعة عميقة الصلة بالموضوع.
-
تحدث بنسقها الدّلالي والّصدامي توتراً وانفعالاً لدى المتلقي.
-
تبعث على التّأمل والتّساؤل.
-
تفتح آفاق التّأويل والتّحرّر من تخوم النّص.
-
تأتي عفوية مع سياق الكتابة.
-
طبيعية غير متكلفة لا تُصنّع، ولا تعـدّ من قبل الكاتب.
-
تضفي على النّص جمالاً دلالياً بما تكتنزه من معنى.
-
تأتي على نسق بلاغي Rhetoric form يضفي مسحة فنية على النص.
-
ذات طابع وظيفي في بنية النّص Functional.
-
تعتبر جوهرية في بنية النّص Essentialist.
-
الصورة السردية في القصة القصيرة جداً[21]
نشأت الصورة السردية حديثاً مقارنة بالصورة الشعرية، واستفادت منها بعدما نشأت في أحضان علم النفس الاجتماعي، ثم اتسع مفهوم الصورة كمصطلح نقدي بدءاً من فرنسا لينتقل إلى إنجلترا فألمانيا؛ حتى استقر مفهوم الصورة الأدبية literature Image نقدياً ثم انتقل للثقافة العربية، ويعرف الدكتور ميمون الصورة السردية بأنها:
“الأداة أو المبدأ أو المفهوم أو الوسيلة أو المعيار النقدي أو البلاغي أو حتى التواصلي التي نسخرها يومياً في حياتنا المعيشية، ونستغلها في شئون تفكيرنا، وأحلامنا، وكوابيسنا.”
-
الخصائص اللغوية للصورة السردية[22]
-
إذعان العبارة اللغوية لماهية السرد من حيث الانطلاق، والتوالي، والترابط، والامتداد.
-
إذعان الصورة لمكونات النص من حيث التوتر، والإيقاع، والتكثيف، والديناميكية.
-
اندماج الصورة مع مكونات السرد (الشخصيات – المشاهد – الوقائع – التشويق – الحافز).
-
قدرة الصورة على استحضار الوظائف اللغوية مثل التنظيم والتجسيد والتلوين والتنغيم… الخ قبل استخدام الأشكال اللغوية البلاغية المعروفة.
والصورة السردية عند ميمون مسلك ليست حالة واحدة رغم ذلك فيصفها بقوله: “كائن حربائي متغيرة ألوانه بقدر احتكاكه بالنقد وتياراته المتعددة.”[23]
ويرتكز عمل الدكتور ميمون في تحليل الصورة السردية في القص القصير جداً على كتاب (بلاغة الصورة السردية في القصة القصيرة) للدكتور جميل حمداوي الذي يرى أن للصورة السردية ست سياقات هي: الجنس والنوع الأدبي – السياق النصي – الذهني – اللغوي – البلاغي – البصري.
ويعتبر ميمون أن تطبيق ثلاث فقط منها كاف لفهم الصورة السردية هم: (اللغوي، والبلاغي، والذهني) ويستشهد بالتحليل البلاغي للصورة السردية للدكتور جميل حمداوي الذي يفصلها لأربع أنواع هي: صورة النقيضة – التشبيه – الاستعارة – الميثولوجية، ويذكر أشكالاً أخرى للصورة.[24]
ويقر الدكتور ميمون بأن علاقة المتلقي/القارئ بالرؤية والصورة السرديتين علاقة إفادة ومتعة، وجدير بالذكر أن الأشكال المختلفة التي يتبناها الدكتور مسلك والدكتور حمداوي هي أشكال محددة ومستقر عليها في أدوات (تحليل الخطاب) في الآداب الغربية ودراسات اللغويات وغير مستقر درسها عربياً حيث لا يوجد للأسف معادل منهجي علمياً لدراسة اللغويات الغربية في العربية.
-
الصورة الذهنية Mental Image [25]
الخلاصة والنتيجة التي تنتهي إليها جميع مؤثرات الصورة سواء عن طريق البصر أو الأذن أو القراءة، ويعرفها القاموس الفرنسي بأنها “صورة عقلية ونفسية لشخص أو شيء غائب.”
كما يوضح قاموس وبستر الإنجليزي الصورة Image بأنها “تشير إلى التقديم العقلي لأي شيء لا يمكن تقديمه للحواس بشكل مباشر، أو هي إحياء أو محاكاة لتجربة حسية ارتبطت بعواطف معينة وهي أيضاً استرجاع لما اختزنته الذاكرة أو تخيل لما أدركته حواس الرؤية أو السمع أو الشم أو التذوق.” [26]
ويطرح الناقد تعريفات عربية للصورة الذهنية فبينما يعرف جميل صليبا الصورة الذهنية في الصفحة 741 من المعجم الفلسفي بأنها “ارتسام خيال الشيء في الذهن.” نجد أن قاموس المورد يعرفها بأنها:
“صورة عقلية يشترك في حملها أفراد جماعة ما، وتمثل رأياً متشابهاً إلى حد الإفراط المشوه أو موقفاً عاطفياً من شخص أو قضية أو حدث.”
ويمثل هذا التعريف انزياحاً عن الصورة الذهنية كما صورتها التعريفات السابقة؛ إذ أنه تعبير أو تعريف لما يسمى الصورة النمطية Stereotype Image وليس الصورة الذهنية Mental Image.
ويستعرض ميمون مسلك تعريفات أخرى عن الصورة الذهنية توضح أنها قد تكون فردية أو جماعية، ثم يقر أنها ليست اعتباطية أو تخيلية أو بلا أساس؛ وأنها ذات ارتباط وثيق بالأصل سواء من حيث المرجعية أو الشكل رغم كونها ليست الأصل نفسه؛ وقد تكون فردية نتاجاً لعقل ونفس الفرد، أو جماعية تخص طائفة، أو قبيلة، أو شعباً نتيجة ممارسة طقوس معينة، أو اعتناق ديانة، أو أيديولوجيا، أو الوقوع تحت تأثير إعلام مخطط وممنهج لتحقيق هدف محدد.
يمزج هذا التصور بين مفهومي الصورة الصورة الذهنية Mental Image والصورة النمطية Stereotype Image الذي قد يحتوي أحدهما الآخر، لكنه لا يتطابق معه، يؤكد ذلك ما كتبه الدكتور ميمون من ان علاقة الصورة الذهنية بالرؤية السردية هي علاقة انعكاس ونوع من الإسقاطProjection فأي رأي يأتي مصحوباً بصورته الذهنية (التي قد تكون صورة نمطية) تسمح بقراءة هذا الرأي وتأويله وفهمه وقبوله وتأويله والدفاع عنه ممن يتبنونه أو رفضه ومهاجمته ممن يرفضونه[27].
الصورة كآلية اتصال وتواصل Image as Communication tool [28]
يعتبر ميمون أن الصورة هي وسيلة اتصال وتواصل Communication tool تتم من خلالها عملية الاتصال (مرسل – رسالة/خطاب –قناة اتصال – أسلوب اتصال/معيقات اتصال – متلقي) تتنوع في شكلها لتبلغ من وجهة نظره اثنا عشر شكلاً هي الصورة: (الشعرية –السردية –المسرحية –الإشهارية {الإعلانية}- الفوتوغرافية –التشكيلية –السينمائية –الإعلامية التعليمية –الأيقونية –الرقمية –التربوية {البيداجوجية}– {الديداكتيكية}المرتبطة بمنهجية تكوين الدرس.
ويتضح اهتمام الدكتور ميمون بتحليل الصورة بكافة تجلياتها في النصوص في دراسته القيمة لمجموعات القاص المصري الدكتور شريف عابدين (تلك الأشياء – حياة الموت – سياج العطر – رجل وامرأة) التي بدأها بدراسة الصورة في السرد ووصف الصور السردية بأنها: “صور متعددة ومختلفة” وأنها ذات “رؤى تتشابك فيها عناصر بناء الصورة تشابكاً ناعماً متناغماً لتصبح وسيلة أدبية فنية تحقق التخييل الذي قد يذهب بالمتلقي بعيداً عن تخوم النص”.
تستهدف جهود الدكتور ميمون هذه في مجال التنظير تحديد شكل مرن لجنس السرد القصير جداً الأدبي من جهة ومن جهة أخرى المضمون الذي يقبل التّأويل، ولا يستقر على دلالة واحدة ويسمح بتعدّد القراءات، وتبني وجهات نظر المختلفة وبهذه المعايير الواضحة حدد الدكتور مسلك ميمون لهذا الجنس الأدبي حدوده كجنس أدبي إبداعي جديد يتيح التفاعل بين المبدع وخبراته من جهة، تتيح له إنتاج النص السردي القصير جداً، والمتلقي وخبراته من جهة أخرى تتيح له إعادة إنتاج هذا النص.
نقد مسلك ميمون التطبيقي على العمل الإبداعي
تعامل الدكتور ميمون مسلك بوعي نقدي منهجي مع القصة القصيرة جداً دراسة، وتحليلاً، ومناقشةً، وتقييماً، وتفسيرً، وردوداً في مقالات ودراسات وتعليقات، للكشف عن مواطن الجمال والقبح؛ حين طبق قواعد النقد التي استقر عليها كمنهج لنقد القصة القصيرة جداً على العديد من القصص القصيرة جداً لكتاب عرب من المحيط إلى الخليج.
واستخدم منهجه النقدي في إطار نظرية الأدب {رغم صعوبة الفصل الإجرائي بين مرحلة وأخرى، نظراً لتداخل المناهج وتكاملها في الدراسات النقدية التي مرت بمراحل يمكن اختزالها في (مرحلة الاهتمام بالكاتب، فمرحلة الاهتمام بالنص، ثم مرحلة موت المؤلف، وبعدها مرحلة الاهتمام بالقارئ)} إلا أنه يمكننا من خلال قراءة وجهة نظر مسلك ميمون في تحليل النصوص تبين تأثره برولان بارت في منهجه النقدي الذي طرحه في مقاله الشهير (نظرية النص) حيث النص: “ممارسة دلالية يوظف فيها النص كل طاقاته، وهو إدراك القارئ للعلاقات بين النص ونصوص سابقة أو لاحقة، وهو حضور فعلي لنص في نص آخر، فليس النص حجاباً للمعنى، بل يكمن فيه المعنى لأنه إنتاج دلالي يعتمد دون توقف ولا أناة على التعهد بصيرورة الإنتاج في مجال اللغة التي يبنيها ويهدمها في ذات الوقت فالنص مثل النسيج، والمستعمل هو الكاتب والقارئ اللذان يتموضعان فيه وييذوبان.”[29]
ويتبنى بذلك مقولة (موت المؤلف) ويتبنى في نفس الوقت (الاهتمام بالقاريء) باعتباره منتجاً جديداً للنص متماهياً مع رؤية رولان بارت للنص كنسيج من (الأصوات/الصور) التي تشكله فما يضفي نصية على نصيته كونه ينخرط في لعبة من علاقات التناص المجاورة والمتوترة مع نصوص أخرى الشيء الذي يجعل النص يكف عن ارتباطه بذات المؤلف، ويحقق وجوداً جديداً بعلاقته بالقارئ المتلقي الذي يمتلك: “ثقافته الخاصة التي تمكنه من الفهم والإدراك والتعبير عن شخصيته العلمية والثقافية والاجتماعية والسياسية.”[30].
وقام الدكتور ميمون في إطار تطبيقه للقواعد النقدية النظرية التي وضعها بعمل قراءة في عشر قصص قصيرة جداً لمجموعة من الكتاب العرب المغاربة منهم: (عبد الحميد الغرباوي- حسن البقالي- إسماعيل البويحياوي- إبراهيم أبويه- مالكة عسال) والجزائري عبد الرشيد حاجب، والتونسي إبراهيم درغوثي، والمصريون (د. شريف عابدين – مخلص أمين رزق – د. محمد فؤاد منصور) والسودانية فاطمة محمد عمر العتباني، ود. وفاء خنكار السعودية، والسوريون (محمود عادل با دنجكي- نزار بهاء الدين الزين- نضال الشوفي- هيمى المفتي) إضافة للبناني سعيد أبونعسة.
تميز نشاط الدكتور ميمون إضافة لكل ما سبق بعقد الندوات (الأنشطة) الحوارية على الإنترنت كما ورشة عمل تطبيقية على الشبكة العنكبوتية الغاية منها “خلق روح من الحوار البناء يساعد على فهم هذا الفن الجميل في الكتابة السردية” بلغ عددها حوالي السبعة عشر لقاءً أو أزيد دار خلالها الحوار بين المهتمين لمدة أسبوع لكل ندوة، يقترح في بدايتها نقاط دراسته ونقده لهذه النصوص في إطار القواعد التي أسس لها نظرياً كمعايير قياسية لبناء القصة القصيرة جداً ونقدها، وعُرفت هده الندوات باسم (العشريات القصصية) التي اتبع فيها اسلوباً نظامياًيتيح من خلاله لعشرة معلقين بالتعليق يقوم بعدهم بتعليق شامل مؤكداً مبدأ الحوار بقوله” أؤكد أن الهدف الذي نسعى إليه من وراء هذا التنشيط هو خلق روح من الحوار البناء الذي يساعد على فهم هذا الفن الجميل في الكتابة السردية.”
تبقى كلمة أخيرة تعليقاً على جهود الدكتور مسلك ميمون شديدة الأهمية في مجال العلوم الإنسانية وتحديداً اللغويات المهمشة في أغلبية المؤسسات الأكاديمية العربية، وربطه العلمي بين أساليب الأدب العربي التقليدي والإنجازات الغربية في مجالات الأدب واللغويات وعلوم أخرى تطبيقية بمنهج يقترب كثيراً من المنهج عبر التخصصي Interdisciplinary approach الذي لم يجد حظه حتى الآن في الدراسات العربية رغم نضجه وتطوره منذ ستينيات القرن الماضي وما حققه من إنجازات ضخمة خاصة في مجالات العلوم التطبيقية والنظرية كما في الرياضيات والبيولوجيا والكيمياء والفزياء والعلوم الأخرى الهجينة التي نشأت عن هذا المنهج.
تتعلق هذه الكلمة بضرورة دعم انتشار مشروع الدكتور مسلك ميمون في المؤسسات الأكاديمية العربية من خلال استضافته لعرض منهجه في كليات الآداب ومعاهد اللغة العربية في كافة البلدان العربية من خلال مشاريع التبادل العلمي، واستضافة لغويين ومبدعين وأكاديميين عرب ممن يؤرقهم الهم السردي في ندوات ومؤتمرات سواء داخل المغرب أو خارجه لتناول هذا المشروع الهام بالبحث والنقد والإضافة عليه.
تَمْت
[1]مسلك ميمون: الصورة السردية في قصص شريف عابدين، دار الهدى للمطبوعات، 1 ش عمرو بن العاص –أرض المعلمين- ميامي- إسكندرية – مصر، 2015.
[2]الشكلانيين الروس جمعية روسية تأسست عام 1916 م لدراسة اللغة الأدبية.
[3]ميخائيل باختين عالم لغويات وفيلسوف ومنظر أدبي سوفيتي ولد عام 1895 م في مدينة أريول وتخرج عام 1918م وعمل في سلك التعليم وأسس حلقة باختين النقديةعام1921 م ورحل عام 1975 م بعدما ساهم بقوة في تأسيس وتطوير علم تحليل الخطاب.
[4]رومان أوسيبوفيتش جاكوبسون لغوي وناقد روسي من أهم لغوي القرن العشرين ورواد المدرسة الشكلانية الروسية صاحب جهود رائدة في تطوير التحليل التركيبي للغة.
[5]سعيد يقطين: تحليل الخطاب الروائي، المركز الثقافي العربي بيروت / الدار البيضاء 1989 م، الطبعة الأولى.
[6] الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب – http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=421842
[7]مسلك ميمون: الصورة السردية في قصص شريف عابدين، ص 4، دار الهدى للمطبوعات، 1 ش عمرو بن العاص –أرض المعلمين- ميامي- إسكندرية – مصر، 2015.
[8]المرجع السابق
[9] الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب – http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=421842
[10] المرجع السابق
[11] المرجع السابق
[12]المرجع السابق
[13]المرجع السابق
[14] الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب – http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=421842
[15] المرجع السابق
[16] ورد عندجبران خليل جبران Dragua: https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=820549278014979&id=761265013943406
[17] المرجع السابق
[18] Dragua: https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=820549278014979&id=761265013943406
[19] المرجع السابق
[20] المرجع السابق
[21]مسلك ميمون: الصورة السردية في قصص شريف عابدين، ص12، دار الهدى للمطبوعات،1 ش عمرو بن العاص –أرض المعلمين- ميامي- إسكندرية – مصر، 2015.
[22]المرجع السابق.
[23] المرجع السابق،ص21.
[24] حمداوي جميل: بلاغة الصورة السردية الموسعة في القصة القصيرة بالمملكة العربية السعودية، سلسلة شرفات(41)، منشورات الزمن ص 25-26.
[25] مسلك ميمون: الصورة السردية في قصص شريف عابدين، ص23، دار الهدى للمطبوعات،1 ش عمرو بن العاص –أرض المعلمين- ميامي- إسكندرية – مصر، 2015.
[26] مسلك ميمون: الصورة السردية في قصص شريف عابدين،ص23 دار الهدى للمطبوعات،1 ش عمرو بن العاص –أرض المعلمين- ميامي- إسكندرية – مصر، 2015
[27] المرجع السابق ص 208.
[28] Dragua: https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=820549278014979&id=761265013943406
[29] بن حدو رشيد: العلاقة بين القارئ والنص في التفكير الأدبي المعاصر، عالم الفكر،مج 24 ع 1-2،1994، ص:471.
[30] مسلك ميمون: الصورة السردية في قصص شريف عابدين،ص39 دار الهدى للمطبوعات،1 ش عمرو بن العاص –أرض المعلمين- ميامي- إسكندرية – مصر، 2015