هيمنت قضية تحرير المرأة على أغلب كتابات المفكرة المغربية الراحلة “فاطمة المرنيسي”(1940-2015) ، سواء على مستوى الكتابات الإبداعية ” السيرة الذاتية ” أو الكتابات الأكاديمية الفكرية “الحريم السياسي “، ” تمرّد المرأة ” و” الذاكرة الإسلامية “وغيرها.
ناقشت المرنيسي من خلال أعمالها الفكرية تجربة القمع والاضطهاد التي تعرضت له المرأة ومازالت تتعرّض إليه إلى اليوم وإشكالية الجنسانية الأنثوية في المجتمعات الإسلامية وانطلقت في طرح هذه القضية بتناولها أنماط جنسانية في حقبة ما قبل الإسلام.
لم تتنكر المرنيسي لأصولها العربية والإسلامية ولم تتعال عنها، بل جعلت من أصولها نقطة الإنطلاق لتناول صورة المرأة في التاريخ العربي والإسلامي وفي النصوص المقدسة وبين صورتها اليوم في المجتمعات التقليدية والمحافظة وأرجعت استعبادها والحطّ من مكانتها إلى التأويلات الفقهية الخاطئة فيما يرتبط بحقوق النساء، وقد تجاوزت في هذا الطرح موجة التحديث العربي والمنبتة عن أصولها وذلك بإرجاع التخلف وتجهيل النساء إلى الإسلام وأيضا دافعت عن أطروحاتها ضدّ الرؤى السلفية المتعصبة فيما يخص قضيّة المرأة.
تعتبر فاطمة المرنيسي من أهمّ الشخصيات النسوية في شمال افريقيا والعالم العربي رغم محاولة حجب اسمها عن القضية النسوية لصالح بعض الشخصيات المشرقية ك ” نوال السعداوي ” وغيرها. وإن كنا لا نقلل من أعمال الكاتبة المصرية نوال السعداوي فإننّا نفصح بكل بوضوح عن أهمية أعمال “فاطمة المرنيسي” مقارنة بأعمال السعداوي والتي تتسم بالإنفعالية بالمقارنة مع أعمال المفكرة المغربية التي اتسمت بالفاعلية.
وفي ظرف حرج كالذي نعيشه اليوم فيما يتصل بقضية المساواة علينا تجاوز الانفعالية في قضية المساواة وتحرير المرأة من كلّ أشكال الاضطهاد المسلط عليها وهو ما نجحت فيه المرنيسي مقارنة بنوال السعداوي .
خاضت فاطمة المرنيسي معركة تحرير المرأة بشكل أكاديمي وبجرأة فكرية نادرة فتناولت قضية تحرير المرأة في كتابها ” ما وراء الحجاب الجنس كهندسة اجتماعية” والصادر سنة 1975 والذي بحثت في الجزء الأوّل هندسة العلاقات الاجتماعية التي ساهمت في بناء الأسرة في المجتمع الإسلامي واستفراد الرجل بدور القيادة والهيمنة. كما ناقشت المرنيسي الأدوار الجنسية للرجل والمرأة وأثبتت في أطروحتها أن الخوف من المرأة التي سجنت طويلا في سجن الفتنة والغواية ليس إلا خوفا من جنسانيتها الفاعلة ” لماذا يخشى على الرجال من سلطة جاذبية النساء، أهناك افتراض يعجز الرجل عن إرضاء المرأة جنسيا، وبأنّها نتيجة ذلك ستبحث عن رجال آخرين وتتسبب في الفوضى إذا ما توفرت لها الحرية “، من خلال هذا السؤال الإنكاري نستشف إجابة “فاطمة المرنيسي” أنّ معاقبة المرأة تاريخيا وثقافيا في وضعية المنفعلة جنسيا والسجينة في أطر التشريعات ليس إلا هروبا من جاذبية النساء وخوفا منها.
كما تعرضت المفكرة المغربية إلى قضية تحرير المرأة في المغرب في موجة التحديث التي اجتاحت الحركة الوطنية المغربية وذلك في الجزء الثاني من كتابها “لقد مثلت الحركة الوطنية موجة احتجاج حقيقية هزت المراكز “المدينية” والبوادي خلال العشريات الثانية والثالثة والرابعة. وكان الوطنيون في البداية مقتنعين بأن بإمكان المغرب تجديد بنياته، واكتساب حيويته المفقودة، بتخليه عن التقاليد البالية حتى يجتاز الهوة التي كانت تفصله عن العالم الصناعي. وهكذا فإن تعليم البنات الذي لم يكن يفكر فيه خلال السنوات السابقة غدا مطلبا لدى الوطنيين سنة 1942،وكانوا يرون فيه ضرورة ملحة للوصول إلى هدفهم أي الانتصار على الفرنسيين مهما كان الثمن حتى لو كان ذلك يؤدي إلى المساس بالبنية الأسروية.”
تجاوزت المرنيسي في أعمالها الشعور بالعداء تجاه الذكور وهي ميزة بعض الناشطات النسويات المنفعلات واللواتي انطلقن في أطروحات تحرير المرأة بكيل الاتهامات للرجل والتعامل معه كعدّو وجلاد يجب محاربته على سبيل المجاز وهو ما أنتج قطيعة بين الرجل والمرأة فيما يتصل بقضيّة المرأة ونفسّر هذا بردّة الفعل العنيفة تجاه بعض المسائل المتصلة بالمساواة بين الجنسين، على عكس فاطمة المرنيسي التي حاولت في أغلب أعمالها أن تبرز أنّ الرجل ضحيّة مثل المرأة، وهما ضحايا الهندسة الاجتماعية التي حصرت أدوار القيادة للرجل على حساب المرأة وهما أيضا أي -الرجل والمرأة- ضحايا التصورات الخاطئة حول الجنوسة التي ضبطت حدود حركة المرأة واتهامها بأنّها كائن شيطاني ” الفتنة ” يجب لجمه وحصره وهو ما انعكس على البنية السياسية والبنية الأسرية وهما امتداد لنفس التصوّرات الثقافية.