“أخترتُ لكم”
صاحب “رقصة ستي”
عمر النقشبندي 1906 – 1981
“عشرون ليرة ذهبية ثمن فنجان قهوة في دمشق مطلع ثلاثينيات القرن الماضي”
-حدثت هذه القصة مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي، في عهد الرئيس محمد
علي العابد، الذي كان بحسب كتاب “سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي”
لستيفن لونغريج، الصفحة 428 “أغنى رجل في سوريا كلها، إذ قدرت ثروته بمليون
ليرة إنكليزية ذهبية، موزعة بين أسهم يملكها في قناة السويس، ومجموعة
عقارات منتشرة في أوروبا، وأراضي زراعية واسعة بما فيها من قرى في غوطة
دمشق لاسيّما في منطقة دوما، وعلى حدائق في حي القنوات، فضلاً عن فندق
فيكتوريا، أقدم فنادق دمشق وأشهرها، وأسهم في شركة الإسمنت الوطنية، إضافةً
لمجموعة من العقارات والقصور في مدينة دمشق.
-وفي زفاف ابنته ليلى
الثاني بعد طلاقها من الرئيس “صبحي بركات الخالدي” وبناءً على طلب زوجته
وقع الاختيار على عازف العود الشهير “عمر النقشبندي” لإحياء الحفل، وبالفعل
تم استدعاؤه واتجهت به السيارة نحو القصر الجمهوري…
-حيث كان الرئيس العابد في استقباله مرحباً، وطلب منه قبل الصعود لجناح السيدات أن يغني له “ياليل الصب متى غده” وبالفعل شدا النقشبندي بالأغنية أمام الرئيس، ثم صعد إلى الطابق العلوي حيث حفل الزفاف. واستقبلته زوجة رئيس الجمهورية، ورحبت به أمام المدعوات، وجلس محتضناً عوده يعزف ويغني، حتى ساعات الفجر الأولى، وقد أثار دهشة الحضور عندما استخدم خلال عزفه وضعاً معكوساً ليده اليمنى، فزحفت أنامله على الأوتار من الجهة العليا للعود عوضاً عن الجهة السفلى المعروفة، كما قام بالأمرين معاً في المقطوعة الواحدة للتدليل على براعته في العزف.
-وعند انتهاء الزفاف، ولدى مغادرته القصر، تقدمت منه زوجة رئيس الجمهورية، وقالت له وهي تمد يدها: “تفضل هذه المحرمة واحسبها ثمن فنجان قهوة مع الشكر الجزيل”، فأخذ عمر النقشبندي المحرمة شاكراً إياها. وعاد إلى منزله ليفتح المحرمة، ويجد فيها عشرين ليرة ذهبية.
“عمر النقشبندي”
وجه من وطني قد لا يعرفه البعض، إلا أنه ما من دمشقي أو زائرٍ أو قارئ عن
دمشق إلا وسمع مقطوعة “رقصة ستي” التي ارتبطت بدمشق ارتباطاً عضوياً،
والتي صاغها النقشبندي على خلفية الأغاني التراثية القديمة.
-ولد عمر النقشبندي عام 1906 في اسطنبول لأب سوري وأم تركية. كان والده محمد صادق ضابطاً برتبة أميرال في الجيش التركي، أما والدته فكانت سيدةً تركية مولعةً بالموسيقى والغناء التركيين مما أثر على ابنها لاحقاً بحيث أصبح يجيد العزف بالأسلوبين المتعارف عليهما في ضبط أوتار العود، وأعني بهما الأسلوب التركي، والأسلوب العربي، وقد سخر الأسلوبين لخدمة عزفه حتى تفوق على غيره، واحتل مكانته بين عازفي العود العرب عن جدارة، كما كان محمد الأمين أخوه الأكبر يعزف على العود.
-تلقى النقشبندي علومه الأولية في مدرسة “غلاطة سراي” في اسطنبول، وفي عام 1914 انتقلت عائلته إلى بيروت بعد أن عُيِّن والده حاكماً ومفتشاً لمنطقة الميناء. وهناك تابع دراسته في الكلية الأمريكية، التي حصل فيها على أول عود اقتناه في حياته، أهداه إياه مدير الكلية الذي لفتته موهبة النقشبندي المبكرة.
-في عام 1919 عادت أسرة النقشبندي إلى دمشق موطنها الأصلي، وكان عمر قد أصبح فتى يافعاً يجيد العزف على العود، وكان يتمتع بصوت جميل، فبدأ يغني في الحفلات على مسارح دمشق، يؤدي أغنيات محمد عبد الوهاب. وفي أواخر العشرينات أسس مع مجموعة من المهتمين بالموسيقى نادي “دار الألحان”، وبدأ اسمه يلمع مطرباً وعازفاً على العود.
-عام 1932 ولدى زيارة محمد عبد الوهاب الأولى لدمشق استمع إلى الإضافات اللحنية والغنائية التي أدخلها النقشبندي على قصيدة ” يا جارة الوادي ” فاعتمدها وسجلها على اسطوانات بيضافون وفق التعديلات التي غناها بها النقشبندي.
-في صيف عام 1933 سافر إلى بيروت متعاقداً مع مدام بلانش أكبر متعهدي الحفلات في ذلك الزمن، وهناك تعرَّف على المطربة ألكسندرا بدران التي عُرفت فيما بعد بنور الهدى، فأشرف على تدريبها وتعليمها الغناء، وعندما عاد إلى دمشق أحضرها معه لتبدأ انطلاقتها على مسارح دمشق وحلب.
-في عام 1940 دُعي النقشبندي إلى حماه لإحياء حفل عقد قران بعد أن ذاع صيته في أنحاء سورية، وهناك التف حوله بعض محبي الموسيقى والغناء، وطلبوا منه البقاء في المدينة، فأسس مكتباً صغيراً لتعليم العزف على العود. وكان من طلابه نجيب السراج وياسين محمود.
-في نهاية الأربعينات عاد عمر النقشبندي إلى دمشق بطلب من مدير الإذاعة سليم الزركلي. وعُيِّن عازفاً على العود ضمن الفرقة الموسيقية للإذاعة، واستمر في الإذاعة حتى رحيله.
-عام 1957 أثار إعجاب المستمعين الروس واستمر التصفيق لدقائق بعد أن عزف على مسرح مهرجان الشباب العالمي في موسكو، وخلال الوحدة بين سورية ومصر سافر إلى القاهرة مرات عدة. وفي عام 1968 سافر إلى الصين ضمن وفد سوري، وشارك في العديد من الحفلات بعزفه المنفرد الجميل وضمن الفرقة الموسيقية.
-شملت ابداعات النقشبندي العزف على العود والغناء والتلحين والتأليف الموسيقي، فكان عازفاً بارعاً على العود، امتاز بأسلوبه الخاص في العزف، إلا أن واسطة العقد في ابداعاته كانت معزوفة ” رقصة ستي ” التي تنتمي إلى التراث السوري المديني، لكن عمر طورها وأضاف عليها وأداها بأسلوب جميل حتى ارتبطت باسمه ارتباطاً وثيقاً.
-وبحسب الباحث الموسيقي صميم الشريف: ” فإن الأغنية الشعبية الدارجة – التي كانت تستقي مادتها من الحياة اليومية البسيطة، وديمومتها عند الفنانين الشعبيين المجهولين، الذين حافظوا عليها ونشروها في كل ديار الشام، حتى أضحت بعد أن جمعت وهذبت من تراث الشعب الفولكلوري – لعبت دوراً كبيراً في نشأة وتطور الموسيقا في سوريا “.
-وفي مجال التلحين لحن عدداً قليلاً من الأغنيات التي كتب كلماتها وأداها بصوته، منها “من أول نظرة حبيتك”، “ويلي منك ياويلي”، أما في مجال التأليف الموسيقي فتحتفظ مكتبة الإذاعة في دمشق بعشرات الأشرطة الخاصة بأعماله وعزفه، وأغلبها مسجل على العود وهي: نشوة الصباح، ليالي استانبول، رقصة الحور، أحلام عاشق، قلب عذراء، إلى جانب عدد كبير من ارتجالاته الموسيقية على العود ـ تقاسيم ـ من كل المقامات المعروفة في الموسيقا الشرقية تقريباً.
https://www.facebook.com/100021568681045/videos/382607005801586/