قصة قصيرة:
فقــــــــر
راضية العمري
________________
كان رجلا سبعينيا، يضع فوق كتفيه معطفا قديما فقد لونه الأصلي وينتعل حذاء
مهترئا ومغبرا، تغزو وجهه تجاعيد غائرة تحكي حكايات كثيرة عن الزمن الصعب.
جلس أمامها بعدما سلم عليها بصوت خافت:
– السلام عليكم
نظرت إليه وقالت مبتسمة:
-أخيرا توصلت بمبلغ تعويضك عن حادثة السير التي تعرضت لها… سأسلمك الآن
المبلغ. ابتسم ابتسامة عريضة ولأول مرة منذ جاء مكتبها رأته يبتسم مثل تلك
الابتسامة ثم قال:
– جزاك الله خيرا أستاذة
مدت له بشيك يحمل مبلغ التعويض، أمسكه وظل ينظر إليها لبرهة ثم رفع بصره وسألها:
-هل يمكنني أن أصرفه غدا؟
قالت له: بالطبع يمكنك منذ الآن أن تصرفه فهو قابل للصرف فورا
. شكرها مرة أخرى، نهض، توجه نحو الباب، فتحه وخرج. عادت هي تنظر في
الأوراق والملفات المكدسة فوق مكتبها لكنها رفعت بصرها عندما سمعت حركة عند
الباب ورأته يدخل من جديد ويرتمي على الكرسي أمامها، يغطي وجهه بكلتا يديه
ويجهش بالبكاء… اندهشت، يا الله ما الذي تراه؟ ثم نهضت من مكانها ولم
تجد غضاضة في وضع يدها على كتفيه ثم سألته:
-ما بك يا سيدي ماذا أصابك؟
نظر إليها بعينين مغرورقتين بالدموع وقال:
-لا تخافي إنها دموع الفرح، لأن الشيك الذي تسلمته منك جاء وكأنه كان على موعد معي
. قالت: كيف؟
– رد: إن سقف البيت بدأ يتهاوى وآيل للسقوط، وفصل الشتاء على الأبواب
وأصبحنا أنا و الأولاد ووالدتهم نخاف أن يتهدم ونحن نيام… ولم أتوقع أن
يبعث الله هذا الرزق في هذا الوقت بالذات. لم تنم ليلتها… فقد تذكرت كم
كانت قاسية وكم عدد المرات التي تعاملت فيها مع موكليها باعتبارهم ملفات
تحمل أرقاما فقط.