كم هي جميلة قصيدة “نسر” لشاعرنا السوري الكبير عمر أبو ريشة رحمه الله. تحكي القصيدة قصة نسر هرم جارت عليه الأيام، ترك عشه في قمم الجبال، وفوق هامات السحب، ليعيش ذلَّ السفوح، ويصاحب بغاث الطير، تُهان كرامة النسر، تطرده هذه الطيور الضعيفة بأجنحتها القصيرة الواهية من السفح، وترمي به في مكان سحيق، ما كان ليرضى أن يعيش فيه، يوم كان قويا، كاسرا، بمخالبه القوية الفاتكة.تنتفض الكرامة المجروحة في كيان النسر، فيحلق عاليا عاليا، ثم تنطلق منه صرخة من بقية كبرياء مفقود، ويهوي في عشه، هناك في قمم الجبال الشامخة الشماء، هذا هو مكانه الذي يجب أن يكون فيه، وأن يموت فيه.قصيدة أبو ريشة جميلة، بل هي آسرة، بموسيقاها العذبة، وبنائها اللغوي الأخاذ، ودلالاتها الرمزية البعيدة، إنها قصيدة تتجاوز معانيها القريبة التي تتسلل إلى ذهن القارئ من أول وهلة، إلى معانٍ غائرة الدلالات، بعيدة الرؤى. ما أصدق هذا النص الشعري البديع، في التعبير عن حال هذه الأمة التي تركت علياءها لتعيش في السفوح، مع ضعاف الطير، التي نهشت كبرياءها، وجرعتها من الذل كؤوسا مترعة، ما أحوجها أن تحلق عاليا عاليا لتعود إلى مكانها الذي تستحقه بين الأمم العظيمة التي لا يمكنها أن تعيش إلا هناك بين جفون النجوم، وفي نواصي العلياء، هذا هو قدرها الذي يجب أن يتحقق، مهما طال الزمن أو قصر.يقول أبو ريشة:
أصبح السفحُ ملعباً للنسورِ
فاغضبي يا ذُرا الجبال وثوري
إن للجرح صيحةً فابعثيها
في سماع الدنى فحيحَ سعيرِ
و اطرحي الكبرياء شلواً مدمّى
تحت أقدام دهرك السكيرِ!!!
لملمي يا ذُرا الجبال بقايا النسرِ
و ارمي بها صدورَ العصورِ
إنّه لم يعد يكحِّل جفن النجم
تيهاً بريشه المنثورِ
هجرَ الوكرَ ذاهلاً و على عينيهِ
شيءٌ من الوداع الأخيرِ
تاركاً خلفه مواكبَ سُحبٍ
تتهاوى من أفقها المسحورِ
كم أكبَّت عليه وهي تُندّي
فوقه قبلةَ الضحى المخمورِ
هبطَ السفحَ.. طاوياً من جناحيه
على كلِّ مطمحٍ مقبورِ
فتبارت عصائب الطيرِ ما بين
شرودٍ من الأذى ونَفورِ
لا تطيري جوّابةَ السفحِ
فالنسر إذا ماخبرتِه لم تطيري
نسلَ الوهنُ مخلبيهِ وأدمَت
منكبيهِ عواصفُ المقدورِ
والوقارُ الذي يشيعُ عليه
فضلة الإرثِ من سحيقِ الدهورِ!!
وقف النسرُ جائعاً يتلوّى
فوقَ شلوٍ على الرمالِ نثيرِ
و عجافُ البغاثِ تدفعه
بالمخلبِ الغضِّ و الجناحِ القصيرِ
فسَرت فيه رعشة من جنون
الكبرِ و اهتزَّ هزَّة المقرورِ
ومضى ساحباً على الأفقِ الأغبرِ
أنقاضَ هيكلٍ منخورِ
وإذا ما أتى الغياهبَ و اجتاز
مدى الظنِّ من ضمير الأثيرِ
جلجلت منه زعقة نشّت الآفاقُ
حرّى من وهجها المستطيرِ
وهوى جثّةً على الذروة الشمّاء
في حضن وكره المهجورِ !
أيها النسرُ هل أعود كما عدتَ..
أم السفحُ قد أمات شعوري عرض أقل
موقع الدكتور مسلك ميمون
انها قصيدة رائعه
إنها حقا لقصيدة رائعة مضى فيها هذا الشاعر الفذ إلى أبعاد غياهب بعيدة المدى فما أروعه من شاعر وما أروعها من قصيدة
القصيدة فى معناها وما حوت من معانى وقيم نبيلة اجمل واقوى من نصها الشعرى