قصص قصيرة جداً للقاص حنون مجيد

.القاص حنون مجيد الأمين العام لاتحاد الأدباء و الكتاب في العراق

قصص قصيرة جداً حنون مجيد

يوتوبيا زورق
ألقى زوادته من ماء وطعام في عمق زورقه، وانحدر نحو المتاهات،تدفعه فورة يافعة وغرور عنيد.كان يعرف المسافات بين المحطات،ويعرف مهالك الزوابع والأعاصير ،لكنه لم يكن يعرف أشياء تابعة أخرى مثل نفاد الطعام وأنت في بحر،لذا كان مستعداً لإشراك طيور البحر،بعض طعامه كلما افرج عن طعامه،وتزود بقسط منه.كان يمتعه ذلك، ويعّده من مسرات نزهته النادرة،لاسيما حينما تبدأ ترفرف فوق رأسه بأجنحة بيض، وتخصه بنظرات سود.كان كل ذلك يجري في ثملٍ غائم،وزورق هيمان مبعثر الخطى بين الموجة والأخرى، والشاطىء والآخر ،قبل ان يعثر صيادون سكارى، على زورق ضال،في قعره رجل،أكل الجوع بطنه فمات.

ثم إنها..
سألتُها ما هذه اللعبة التي بين يديك حبيبتي؟هي لعبة لإزالة التوتر جدي.صعقت إذ يصدر هذا من طفلة في السادسة ليس غير.والله يا عزيزتي،عشت مع ابويّ خمسين أو ستين،فما سمعت من أي منهما، مثل هذا الذي يزلزل الجبال. تطلعت في وجهي،وما تزال البراءة تملأ وجهها وقالت؛ثم إنها من صنع صيني جدّو!

عدالة الحداثة
في المشفى العام تقطع الطبيبة ريام،طريقها ببدلتها البيضاء، بين إبطها الأيسر ملف طبي، وفي يدها اليمنى هاتفها، تتحدث فيه.في المقابل منها،وفي الممر نفسه،تقطع طريقها عاملة التنظيف زهراء،ببدلتها الخضراء، مكنستها في اليمنى، وهاتفها في اليسرى، تقهقه فيه.

لعبة صيد الفئران
سأل الملك وزيره العتيد؛هل لك أن تعيد جمع هذه الفئران، الى هذا الكيس،في حال ألقيتها على الأرض؟وسلّم الملك وزيره كيساً تتقافزفي داخله مجموعة فئران.أجاب الوزير؛في الحال سيدي،فمن لهذا غيري، وفتح الكيس.مضى الوزير يلاحق الفئران،وهي تروغ منه وتزوغ،حتى كلّ من الإمساك بواحد منها.نادى الملك عبيده؛ان اجمعوها وأعيدوها الى الكيس.صرف الملك عبيده،ووجه كلامه للوزير؛انظر ايها الغبي،وجعل يلفّ ويدور بالكيس، وحتى بدا له ان كل شيء، صار على ما يرام،ألقى بفئرانه على الارض، فتساقطت مسطولة تترنح، أو ترتمي على جنوبها، ولم يكن عليه لجمعها، سوى مدّة يد قصيرة هنا او هناك.انصرف الملك تاركاً وزيره،يتدرب على صيد الفئران،حتى يوم قادم، أو حتى أيام قادمات!

الجسر
سأله؛ إن ثمة وسيلة مثلى.أجابه؛ ليس سوى الجسر،حيث لا لحم يتمزق،ولا عظم يتهشم.هناك وهما يتعكزان نحو اللقاء، يفاجآن بالشباب وبالسيارات، يملؤون رصيفي الجسر؛كل يغني ويرقص ويطلق الأبواق.يستخفهما طرب صريح،ويغمرهما خطوة إثر خطوة، حتى يتساقط ما بين ايديهما بين الأقدام.وإذ يسبحان في عرق الرقص والغناء،يكفان وينسلان كلّ الى بيته؛هذا دونما عصا،وذاك دونما عكاز.

نزاع صباغ
يقتعد كرسيه الخشب الصغير،امام بائع صحف ومقهى،وينشر عدّة الصّبغ أمامه.يتناول من صندوقه لفافة إفطار، أعدتها له زوجه.حال يوصي على شاي ويقضم اولى لقيماته،تحط حذاء على قمة صندوقه.يعيد اللفافة الى موضعها،ويوالي عمله.الشاي يبرد ويختلط لونه،والبطن فارغة تخاطب شيئاً ظل محبوساً تحت تراكم الأحذية،فيردد في علنه وسرّه؛اللّهم رزقك،واللّهم غفرانك.والأحذية تتوالى على قمة صندوقه،لا تريد ان تبرحه،هذا اليوم.

الليس بعد

تبنته ابناً لها مع فارق ما بينهما،من مئات السنين.تسأله كلما مرّت على طيفه الكريم؛أما آن لهذا الفارس الجليل ان يترجل؟تنزّ جراحه دماً ثقيلاً فتغسلها بماء الورد، وتسمع منه؛ليس بعد.تلتفت الى أخيات لها وتقول؛إنه يقول، ولدي، ليس بعد.تقلن لها؛إن أولادنا المصلوبين مثله،يقولون الكلام عينه؛ليس بعد. تقول حسيرة؛إنه حديث الأمة يا نساء، هذا الليس بعد.

عكاز غوركي
كنت بين أمرين؛أن أبقي صورتي في إطارها،كما هو شأنها منذ سنين، أو أحلّ محلها صورة غوركي، بمعطفه الثقيل وعكازه الطويل،وأنهي أرقاً تولاني بضع ليال.حسمت امري مع الرجل الذي قرأت له وأعجبت بأدبه،ووضعت صورته في المقدمة،وأخفيت خلفها صورتي.الآن وقد لجأت الى العكاز،أشرت لولدي أن يصورني بعكازي الجديد،اسفل صورة غوركي بعكازه العتيد،لتكتمل صورة الوفاء،بين اديب معلم،وأديب تلميذ .

الغجرية
صباحاً باكراً تتناول إفطارها؛تمرً أو قرص شعير،ومع ارتفاع الشمس،تغادر خيمتها طلباً للرزق، في بادية يسكنها بدو، ويسلكها غجر.كانت تعرف كيف تداوي آلام المفاصل،وأوجاع الظهر.البدوي ذو السبعين الذي جعلت تمسّد بدهونها، مفصل إحدى ركبتيه،استطاب له ذلك،فأمسك بظاهر كفها، وأخذ يمسّده.لم تسحب يدها إنما ارتخت قليلاً، ما دام ثمة فعل يواكب فعلها، حتى اشتبكت اصابعه بأصابعها.أطرقت قليلاً، وفكرت في ما قد يريد الرجل منها.ولما رفعت عينيها نحوه، ألفته يضجّ رغبة فيها ويقول؛غداً عندنا، نحن البدو، عيد.وأجمل ما فيه أن يتقارب الأبعدون.وفرح إذ سمعها تقول؛ويصادف لدينا كذلك.في الصباح الباكر وما بعد ذلك، لم تظهر المرأة،فأعياد الغجر على،ظهور الخيل.

القاص حنون مجيد / العراق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.