من وحي ذكريات المكتبة.
كنت لا أزال طفلا، لم تكن كرة القدم تستهويني كثيرًا كأقراني في الحي. بل كانت هوايتي المُفضلة، أن أحشر نفسي في ركن من المكتبة، و أغرق في قصص الأطفال، قصة بعد قصة. وقد استعيرُ بعضها لأقرأها في البيت.
و ذات عشية، وجدت طالبًا أكبر منّي سنًّا يجلس في ركني المعتاد. فلا أدري لماذا تملَّكني غضبٌ، و انفعال شديد. فاتّخذت مكانًا قريبًا. كنت أمنّي النّفس أن يُغادرَ، و لكنّه لم يفعل. انشغلتُ بالمطالعة و تجاهلت الأمر.
و لكنّ الطالب كان و كأنّه مصرُّ على ازعاجي في ذلك اليوم. فما فتئ من حين لآخر يُرسل صوتا: ( اَتْشَخْ .. اَتْشَخْ ) فحملني الفضول أن أراقبه من بعيد..فانتبه، و جحظني بنظرات قاسية، فتلاهيت بالمطالعة خوفًا منه، و لكن الصّوت استمرَّ من حين لآخر. (اَتْشَخْ .. اَتْشَخْ )..
في الأسبوع الموالي لمّا زرت المكتبة . واجهتني في الباب ورقة بيضاء كُتب عليها سؤال بخط كبير: ” ما جدوى كتاب إذا بُترت أوراق منه؟ “
وقفت مَشدوهًا، مُضطربًا اتهجّى السّؤال. و كأنّه صعب القراءة. و لكن فهمت رغم صغر سني.
في قاعة المطالعة، حاصرت الطالب بنظرات ماكرة. فكلّما رفع رأسَه وجدني أنظرُ إليه بنزَقٍ ورََيبة، حاول تغيير المكان مرارًا، و لكن بدون جدوي. كانت نظراتي تلاحِقه في أرْجاء المكتبة، فلجأ إلى النَّسخ على ورقة مُضطرًا.ثمّ غادر و لم يعد.
لحدّ الآن أسأل نفسي، من أين جاءتني تلك الجُرأة ؟!
- مسلك *