من وحي ذكريات المكتبة (5)

من وحي ذكريات المكتبة.

كنت لا أزال طفلا، لم تكن كرة القدم تستهويني كثيرًا كأقراني في الحي. بل كانت هوايتي المُفضلة، أن أحشر نفسي في ركن من المكتبة، و أغرق في قصص الأطفال، قصة بعد قصة. وقد استعيرُ بعضها لأقرأها في البيت.

و ذات عشية، وجدت طالبًا أكبر منّي سنًّا يجلس في ركني المعتاد. فلا أدري لماذا تملَّكني غضبٌ، و انفعال شديد. فاتّخذت مكانًا قريبًا. كنت أمنّي النّفس أن يُغادرَ، و لكنّه لم يفعل. انشغلتُ بالمطالعة و تجاهلت الأمر.
و لكنّ الطالب كان و كأنّه مصرُّ على ازعاجي في ذلك اليوم. فما فتئ من حين لآخر يُرسل صوتا: ( اَتْشَخْ .. اَتْشَخْ ) فحملني الفضول أن أراقبه من بعيد..فانتبه، و جحظني بنظرات قاسية، فتلاهيت بالمطالعة خوفًا منه، و لكن الصّوت استمرَّ من حين لآخر. (اَتْشَخْ .. اَتْشَخْ )..
في الأسبوع الموالي لمّا زرت المكتبة . واجهتني في الباب ورقة بيضاء كُتب عليها سؤال بخط كبير: ” ما جدوى كتاب إذا بُترت أوراق منه؟ “
وقفت مَشدوهًا، مُضطربًا اتهجّى السّؤال. و كأنّه صعب القراءة. و لكن فهمت رغم صغر سني.
في قاعة المطالعة، حاصرت الطالب بنظرات ماكرة. فكلّما رفع رأسَه وجدني أنظرُ إليه بنزَقٍ ورََيبة، حاول تغيير المكان مرارًا، و لكن بدون جدوي. كانت نظراتي تلاحِقه في أرْجاء المكتبة، فلجأ إلى النَّسخ على ورقة مُضطرًا.ثمّ غادر و لم يعد.

لحدّ الآن أسأل نفسي، من أين جاءتني تلك الجُرأة ؟!

  • مسلك *

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.