ال (ق ق ج) و الخبر

ال (ق ق ج) و الخبــــر

إنْ الإخبار بشيء ما القصد منه إفادة الآخر، بغضّ النّظر أن يكون الخبر صادقًا أم كاذبًا، مباشرًا أو غير مباشر. فهو في نهاية الأمر إيصال المعلومة. تلك المعلومة، التي تنتهي بتمام التّواصل. لأنّها تفقد جوهرانيتها (Essentialisme) و تصبح في حكم المعلوم و المكشوف و الظاهر البين. كالخبر في الصّحافة والاعلام، وما يتناقله الناّس فيما بينهم بغية الإفادة.

و بذلك كان حكم الخبر بلاغيا:

1 ــ – إفادة المخاطَب الحكم الذي تضمنته الجملة إذا كان جاهلًا، ويسمى ذلك فائدة الخبر.

2 ــ إفادة المخاطب أنّ المتكلم عالم أيضًا بالحكم الذي يعلمه المخاطب، ويسمى ذلك لازم الفائدة.

و قد يأتي الخبر على خلاف هذا الأصل، و يقصد به أغراض أخرى: كالاسترحام و التّوبيخ و الفخر و المدح و النّصح و التّرغيب و إظهار الضّعف و التّحسر و الحزن ..

و السّرديات عموما بما في ذلك القصّة و القصة القصيرة جدُا متضمنة للخبر. و لكن ليس بالمفهوم الذي يعني نقل المعلومة من أجل المعلومة و ينتهي الأمر. بل على العكس من ذلك، إذ تصبح المعلومة مثار فضول وترقب وتأويل للمتلقي. لأنّها معلومة غير بريئة، وحمّالة معاني ودلالات قابلة لقراءات متعدّدة. وبالتّالي يصبح ما ينقله السّارد سواء كان مشاركًا أو محايدًا.. مثار تساؤل و تأمّل بل يثير زوابع فكرية تذهب بجلّ غبار السّنين ، لتنقشع صفحة الحقيقة بكلّ توهج و وُضوح..لا لتنتهي الرّؤية السّردية، بل لتبدأ من جديد في مخيلة أخرى، هي مخيلة المتلقي. لأنّ الفنّ عمومًا و السّرد القصصي بخاصّة عملية توالد مُستمرة، لا تخضع لهاجس تزامني مُفترض، أو تحييز مكاني مُستقر، و لا لتَحديد التنصيص (Textualisation)، و لا لتعاقبية الأحداث(Diachronique). لأنّها تنبثق من سرد فنّي، الذي هو عملية تقنية خاصّة يقوم بها السّارد/الراوي/ الحاكي فتنتج عنها الحكاية و الخطاب القصصي معًا، في إطار مفارقة (Paradoxe) أي: الالتقاء بين الأضداد و الالتئام بين النقائض.

و هكذا، و كما يقال في المثل العربي: ( يُعزلُ القمحُ عنِ الزّؤان ). و يتّضح جليًا أنّ الخبر بشكله الكتابي أو الشفهي، يأتي لينتهي.أمّا الفنّ الحقّ، و القصصي الحق، يُدبج ليبقى، و ليستمر في مخيلة أجيال متوالية، رغم اختلاف الذّائقة و الوعي و الرّؤية .. هناك من النّصوص القصصية التي قرأتها في السّبعينيات و الثمانينيات لتشيكوف و هيمنجواي و إدغار ألان بو.. و زكريا تامر و نجيب محفوظ و يوسف إدريس و إبراهيم بوعلو و أحمد بوزفور ..ما زال اثرها ينبض في الذاكرة. بل كلّما عدت إليها أكتشف رواءً لم أكتشفه من قبل..و كأنّ مبدعيها يضيفون إليها خِلسة، أو كأنّها تجدّد نفسها بنفسها..

و نخلص إلى أنّ الحكي ضرب من الخبر، و الفرق بين الخبر/الحكي في القصة و الخبر العادي. أنّ الأوَّل فنّيا ينقل المتلقي إلى خارج تخوم النّص، حيث الخيال والتّخييل وحيث التأّمّل والتًّساؤل.. بينما الخبر العادي يفيد المعنى وينتهي عنده. و من تمَّ وجب التمّييز بين ما في النّص القصصي من خبر وظيفي، يأتي به السارد لبناء الفكرة. و بين وصف النّص برمته على أنّه مجرَّد خبر.

* مسلك *

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.