قضى الروائي الشّهير كيرت ڤونيغوت سنوات طويلة وهو يدرّس طلابه فن كتابة القصص في ورشة الكتابة التابعة لجامعة آيوا في الولايات المتحدة الأمريكية. ووضع ڤونيغوت أسسًا لإتقان فن كتابة قصة ممتعة :
1- ابحث عن موضوع يهمك (ويهم القارئ).
لتنجح قصتك عليها تحقيق شرطين أساسيين:
الأول: عليك البدء من قصة أو موضوع يهمك. لا يلزمك عيش تجربة الموت أو الدمار أو العذاب لتكتب قصة رائعة. عليك فقط العثور على قصة تكترث لها وتهتم بها. ربما كانت عن صباح سيء عشته بعد تعطّل سيارتك في طريقك إلى موعد مهم، أو رسالة رفض تلقيتها بعد محاولات
عديدة للحصول على وظيفة.
الثاني: على قصتك أن تلامس حقيقة كونية أو عاطفة أصيلة يستطيع القارئ التعاطف معها. ربما كنت تطرح سؤالًا يهمّ القارئ، أو تكشف حقيقة يعرفها ويحاول إنكارها.
2- أحترم وقت القارئ.
القارئ هو بطل قصتك وليس أنت.
عليك التفكير جيدًا قبل أخذ القارئ في دهاليز قصتك. اسأل نفسك باستمرار: ما سبب كتابتك لهذه القصة؟ ما المغزى منها؟ ما الأثر والشعور الذي ستحدثه في قلب القارئ؟
هوسك بشأن حفظ وقت القارئ وتقديرك له، سيجعلك تتخلّص من كل ما يشوب قصتك ويجعلها تترهّل دون إضافة للسرد وتطوّر الأحداث.
3- قدّم للقارئ شخصية واحدة على الأقل ليتعاطف معها في قصتك. لينغمس القارئ في قصتك عليه التعاطف مع شخصياتها والاكتراث لما سيحدث لهم.
طوّر شخصيات قصتك بحذر وازرع فيها بذورًا تمكّن القارئ من الوقوف خلفها، والتعاطف معها وتشجيعها. اهتمام القارئ بمصائر شخصيات قصتك هو أكبر علامة على نجاحها.
4- أمنح كل شخصية دافعًا ورغبة قوية، حتى لو كانت شُرْب كأس من الماء. لا وجود للشخصية إذا لم يكن لديها دافع ورغبة في الوصول والتقدّم. مهما كانت تلك الرغبة صغيرة أو تافهة، المهم أن تكون واضحة وجلية أمام القارئ. في الفيلم الألماني “قهوة في برلين” تبدأ القصة وتنتهي والبطل يبحث عن كوب قهوة ليشربه. رغم ضآلة هذه الرغبة وبساطتها إلا أنها جعلت المشاهدين يكترثون للشخصية ويتساءلون: هل سيشرب البطل كوب القهوة الذي يبحث عنه في النهاية؟
5- حوّل كل جملة في قصتك إلى أداة للكشف عن شخصية أو حدث. من السهل كتابة جمل لا تضيف إلى تسارع الأحداث ولا تكشف عن حقيقة لا نعرفها عن الشخصية. عليك تفادي هذه الكتابة الفارغة ودفع نفسك لكتابة جمل تتسارع فيها الأحداث وتطوّر الشخصية. عليك معرفة مُعدّل تسارع الأحداث في قصتك، ارتفاع هذا المعدّل سيجعل القرّاء يسرعون معك في القراءة. بإمكانك قياس معدّل تسارع الأحداث بطرح هذا السؤال: كم عدد الجمل التي أحتاجها للكشف عن حدث جديد، أو إظهار عاطفة، أو تقديم حقيقة لم يعرفها القارئ من قبل؟
6- ابدأ القصة عند أقرب نقطة ممكنة من نهايتها. ستندهش من درجة تقبّل القارئ لبداية القصة من نقطة زمنية فوضوية تضج بالأحداث. لا حاجة للبدء بسرد تاريخي يلتزم بالترتيب الزمني الصارم. إرنست همنغواي في رواية “الشيخ والبحر” افتتح إحدى أعظم الروايات في التاريخ عند هذه اللحظة: ”كان رجلًا مسنًا، أبحر ليصطاد الأسماك. مرّت 84 يومًا حتى الآن، ولم يحصل على سمكة واحدة.”
7- عذّب شخصياتك، لتكشف حقيقتها أمام القارئ. المصاعب والعذابات التي تمر بها شخصيّتك هي مصدر مهم لتطوّرها وكشف حقيقة دوافعها. لا تتردد في تعذيب شخصياتك ووضعها في مآزق مستمرة. سيتعلّق بها القارئ ويتعاطف معها كلما زادت تحدياتها.
8- أكتب لإمتاع قارئ واحد. تخيّل هذا القارئ وأنت تكتب، فكّر في ذوقه وطريقة حديثه. اكتب له وكأنك تكتب رسالة إلى صديق قديم. تخيّلك لقارئ قصتك سيساعدك على كتابتها بطريقة حميمة ودافئة.
9- أمنح قارئك أكبر قدر ممكن من المعلومات. انسَ التّشويق.
قد تكون هذه القاعدة أكثر قواعد كيرت ڤونيغوت إثارة للجدل في أوساط كتّاب القصص. يؤمن ڤونيغوت بضرورة معرفة القارئ لما يحدث في القصة في أقرب وقت ممكن ليستنتج نهايتها ويستوعبها، ولن يضرّه لو التهمت الصراصير صفحاتها الأخيرة.
( جمع وترجمة /محمد الضبع)
*روايات كيرت فونيغوت ( Kurt Vonnegut ) (1922 – 2007)
“صفارات الإنذار تيتان” (1959)، “ليلة الأم” (1961)، “مهد القطة” (1963)، “بارك الله فيك يا سيد ماء الورد” (1965)، “المسلخ 5” (1969)، “إفطار الأبطال” (1973)، “تهريجية” (1976)، “جيلبيرد” (1979)، “ديك القناص” (1982)، “جالاباجوس” (1985)، “بلوبيرد” (1987)، “التركيز على الخزعبلات” (1990)، “زلزال الزمن” (1997)، “مرحبًا بكم في بيت القرد” (1982)، “صندوق التبغ من بوجومبو” (2000)، “بارك الله فيك دكتور كيفوركيان” (2002).
* مسلك *