من ذكريات نقد ال (ق ق ج)
حين أصدر مجموعته القصصية الأولى في ال (ق ق ج) بعثت أهنئه و أتمنى له الاستمرار.و ليتني لم أفعل!
كنت يومئذ لم أطلع على المجموعة بعد. ففجئت بعد أيّام من ذلك برسالة من القاص يطلب منّي كتابة مقالة عن المجموعة. بحثت عنها في مكتبات المدينة فلم أجدها. فأخبرته، فبعث لي نسخة مصورة (PDF) !
رغم ضيق الوقت، و كثرة الأعمال المتراكمة، و رغم حساسيتي البصرية من ضياء الحاسوب.. استطعت قراءة المجموعة، و تسجيل بعض الملاحظات التي بدت لي من أوّل قراءة… بعد أسبوعين أو ثلاثة.. عدت لقراءة المجموعة من جديد. فاكتشفت ما لم اكتشفه في القراءة الأولى…
و قلت في نفسي ( لماذا تسرّع و نشر المجموعة ؟!)
ــ كان عدد النّصوص مائة و عشرين ..
ــ سبعة و عشرون نصا فقط تلامس ال (ق ق ج).
ــ ثلاثة وتسعون نصا لا صلة لها بال (ق ق ج)، قد يكون بعضها نكتا ساخرة جميلة، و البعض شذرات حكيمة عميقة، و البعض الآخر خواطر ذاتية تأمّلية… و لكن ــ و للأسف ـ ليست قصصا أبدًا.
فعدت للنّصوص السّبعة و العشرين، فلم أجد فيها إلا المفارقة، و لا أدري كيف حافظ عليها، و أهملها أوغفل عنها في النّصوص الأخرى. غير أنّني لم أطمئن ، لأنّ المفارقة رغم أهمّيتها، لا تخلق مناخًا قصصيا في غياب العوامل الأخرى، التي تشكّل معها دعمًا للتّخييل ، و الرّؤية السّردية…و مع ذلك قلت لا بأس بالسّبعة والعشرين لو تعهدها من قبل بالمراجعة.و لكن في ذات الوقت شعرت بأنّني مطالب بمقالة.. فما عساني أكتب ؟
انتهيت إلى قرار، أن أتعمّد الصّمت و التّجاهل ..و إن كان هذا ليس من سجيتي في المتابعة و النّقد.
إلا أنّ القاص أمطرني برسائل على الخاص يستحثّني بأن أكتب شيئًا عن المجموعة. بل أخذ يُغريني بأنّ فلانا و فلانة …كتبوا عن المجموعة…و بعث لي روابط لصفحات نشرت فيها بضع فقرات و سطور تشيد بالمجموعة.. فآليت على نفسي ألاّ أكتب. لأنّني إذا فعلت سأكنس بكتابتي كلّ تلك التّعليقات و المجاملات اللّا مسؤولة.. و بالتّالي سأغضب القاص..
إلى أن حدث أن التقينا مصادفة في مناقشة أطروحة الأستاذ القاص
عبد النور إدريس للدكتوراه في مدينة مكناس. و كنت ضمن لجنة المناقشة .. فأصرّ القاص أن يلازمني.. و أن يسألني عن إحجامي عن الكتابة…فخرجنا بعد مناقشة الأطروحة إلى المقهى.. فأخبرته بكلّ لطف،ّ و بعناية فًائقة في اختياًر كلماتي..عن سبب امتناعي عن الكتابة.. صمت طويلا حتّى خِلتُ أنّه لن يتكلم و لكنّه تكلم أخيرًا..فقال متأسّفا:
ــ الصّداقة تفترض الوقوف إلى جانب الصّديق.. و مجموعتي في حاجة إلى دعم. و كأنّ كلّ الجهد المبذول لا يساوي عندك إلا بضع نصوص. يأخي أضف النّصوص السّبعة و العشرين إلى المرفوضات.. و اجعل المجموعة مرفوضة أساسًا !
فقلت لأهون عليه:
لماذا تأخذ الأمور بهذه الحساسية المفرطة؟! كلّنا نكتب و الإبداع قد لا يوافقنا دائمًا.. ثمَّ ما دخل الصّداقة في رأي نقدي يتطلب الصّراحة والموضوعية ؟! أعتقد أنّك لا تريدني أن أنافقك ؟ إنّني واثق بعد هذه المحاولة الأولى، ستكتب أفضل و أحسن…
فقال بصوت متعب:
عمومّا ، أشكرك أنّك لم تكتب، و لم تنشر شيئًا، فيكفي ما سمعت منك..
فانتفض، و وضع نظارته، و حمل هاتفه، و ودّعني و انصرف.. و مضت سنوات، لم نلتق إلا لِمامًا، كان كلامنا مقتضبًا، و علاقتنا فاترة، و تحيّتنا تحية الغرباء..
فحدثتُ نفسي : إنّها ضريبة النّقـد .
* مسلك *