سَجعية : لك مُنْيَا كُلّ “الدَّالاتِ”

كتبت الأستاذة منيا فرجاني مقالة/ سيرذاتية، جاءت حافلة بأفكار و ذكريات .. و هي أسفله.. فكانت هذه السّجعة .

لكِ منِّي كلَّ “الدَّالاتِ” ومنْ أَعْرقِ الجَامِعاتِ./ و إنْ كانتِ “الدَّالاتُ”عِندكِ آخر الاهْتِماماتِ ./  سيرتُكِ بِاقْتضابٍ نَبْضُ حَياةٍ فَذَّةٍ و ذِكْرياتِ./ قَلَّ نَظيرُها إذاما اسْتُعْرِضَتْ كُلُّ الحََيواتِ./
 بلْ هِي  خَيرُ أُمْنيةٍ إِذامَا أَتَيْنا بكُلِّ الأُمْنِياتِ./

وَقَفتُ طَويلاً عِندَ بَوحِكِ غارِقًا في الانْصاتِ ./ لقدْ كانتْ حُروفُكِ تَرِنُّ بِلُطْفٍ وَ بِكلِّ النَّأماتِ ./ تُنْسِجُ لَحْنًا لا كَاللُّحونِ تَفَرَّدَ عَزْفًا و مَعْزُوفاتِ./ حُروفُكِ مُنْيا عَربِيةً وقدْ جاءَتْ بكُلِّ اللُّغاتِ./
 منْ ذَا الذي لايَعيها وقَدْ أَوْجَزَتْ كُلَّ البَيانَاتِ ./

سيرَتُكِ في اقْتضابٍ قدْ أَنارَتْ عُقولاً دَامِساتِ ./ تَعيشُ غُرْبةً و تُنْشدُ الضِّياءَ في حالك الظُّلُماتِ./ سيرَتُكِ سِراجٌ وَهَّاجٌ سَيَكْشفُ خَبايا المُعْتَقَداتِ./ هَنيئًا لكِ مُنْيا لَقدْ كَسَبْتِ الرِّهانَ دُونَ دَالاتِ ./
وإنْ كُنتُ أُصِرُّ: لَكِ مِنِّي كُلَّ دَالاتِ الجَامِعاتِ./

* مسلك *

قال لي احدهم مرّة ـ وهو محسوب على قائمة الأصدقاءـ..اسمعي يا منيا أنصحك بالدكتوراه يجب أن تقدمي ملفّك إلى الجامعة وتبدئي البحث في إمكانية تسجيلك فيها حتى تقدّمي بحثك في اختصاصك…وكلّها أيّام وتحصلين على الدّكتوراه في الفنون.

لم اتحمّس أبدا لفكرته. كنت مشغولة جدا بعائلتي وكتاباتي وعالمي الصّغير الذّي أعيش فيه، عالم مكوّن من الكتب وبعض الخيوط الملوّنة وإبر الكروشي وحديقة أحاول قدر المستطاع الاعتناء بها وتزويدها بالأسمدة اللازمة حتّى لا أفقد أندر الورود فيها.

دكتوراه الان؟؟

أنا أترك بناتي للغياب وأسير نحو الجامعة مرّة أخرى فقط من أجل إضافة دال صغيرة جنب اسمي؟؟ ألم يكن هذا هو مطلب صديقي الأساسيّ.

أذكر أنّه قال موبّخا أو ربّما مستهزئا:
ـ توقعين كتابك في دار نشر محترمة و أنت بصدد التفكير في كتابة مؤلفك الثاّلث وأنت مجرّد استاذة تعليم ثانويّ عاطلة؟؟؟

كيف ستزاحمين من أجل دخول التلفزات واللقاءات الصحفيّة والمسابقات الكبيرة وبيت الثّقافة ب” تيتر بسيط ” كهذا…؟؟
أتعتقدين أنّ سيرتك الذّاتية البسيطة هذه ستخوّل لك النجاح في مسابقات أدبيّة؟؟
كان كلامه يخيفني..
ولكن حياتي داخل عالمي الصّغير كانت تنشر في حياتي الكثير من الطّمأنينة و الحبّ.

لم أكتب يوما من أجل الشّهرة، لم أكتب يوما من اجل أن تستضيفني تلفزة أو مذيعة، كنت أصلا أعتذر عن المشاركة فيها لأنّني لا أحبّ الظهور اطلاقا..سنيا أختي المجرمة هي التّي كانت تدفعني في كلّ مرّة كي أتحدّث عن كتابي الأوّل أو الثّاني…أو أتحدّث عن موهبتي في الرّسم أو الابتكار.اكراما لها فقط كنت أقبل حتّى لا تحرج مع أصدقائها في الاعلام الذّين وجّهوا لي دعوة تعبيرا منهم على تشجيعهم لي ولإصداراتي.

ظلّت تلك الــ ” د ” الصّغيرة غائبة عن حقل اهتماماتي انصرفت عنها بما يلي وكنت أوهم نفسي أنّ كلّ ما أقدّمه في الحياة يمكن أن يكتب في السيرة الذّاتيّة للبشر
المبدع.. أنا منية ابنة عمر الفرجاني مولودة بجزيرة جربة، جزيرة اكتشف فيها النّسيان لأوّل مرّة مع أوليس قرصان البحار الغائمة.
من برج العذراء.. تخرّجت من المعهد العالي للفنون الجميلة اختصاص خزف.
تزوّجت بعد قصّة حبّ عظيمة، أنجبت ثلاث بنات هنّ كل حياتي مارست معهنّ أنبل المهن و التّيترووات، كنت لهنّ دكتورة في الطبّ الباطنيّ والحنجرة والأانف، والجراحات الخارجيّة والتّطبيب وطبّ الاسعافات الأوّلية، معلّمة لأقسام التحضيري والابتدائي والثانوي.
أعرف كلّ الدروس عن الجغرافيا و التاريخ من الابتدائي الى دروس الثالثة من التعليم الثانوي..كل دروس الايقاظ العلمي و الرياضيات، خبرت الهكل والكلم والدكل وتفوّقت في حلّ كل المسائل مع بناتي.
خبيرة في الطبخ، كلّ فاصل اشهاريّ يمرّ في التلفاز هو وصفة مؤجّلة في مطبخي، اللازانيا و الليباني، البتزا الايطاليّة، ورق العنب و التشيز كايك، كلّ أنواع المعجّنات والحلويّات والاطباق العالميّة حتّى أنني نجحت في صنع طبق الكنتاكي الشّهير وبتتبيل خارق للعادة.
أربي كلبا في البيت من نوع الكانيش أهتم بنظافته و ريجيمه الصحّي، وكلب آخر لابرادور من أمّ ألمانية ألقنهم دروسا في الطّاعة والنظافة والتّربية.
أزرع البقوليات أثناء فصل الخريف و أستمتع بحصدها شتاء. أقلم أشجار حديقتي بنفسي وأعرف دواء كلّ الفطريات التّي يمكن أن تصيب القوارص عندي أو الرّمان أو الاجاص أو الداليّة، او شجرة التّين والتفّاح.
أحتفظ ببذور الورد الذّي يطرح أوراقه في الصّيف و أجدد زراعته خريفا حتّى لا أفقد سلالته…ويزهر من جديد في أصص كثيرة منثورة في كلّ مكان في بيتي.
أتغذّى على الكتب و الرّوايات.. ويحدث أن آكلها بالشوكة والسّكين أو ألتهمها دفعة واحدة حدّ الاختناق.
أحبّ وطني و أخلص له، أربّي بناتي على حسن السيرة والادب داخل البيت وخارجه وخاصة في المعهد…شعارنا الاول و الأخير.. لا نلقي بالقاذورات في الشارع وان كان شعرة، ولابدّ من احترام المعلّم وتمجيده وتبجيله ولم لا تقديسه.

هذه سيرتي الذّاتية بكلّ بساطة رغم افتقارها لدالات صغيرة مرفوقة بنقطة إلاّ انني فخورة بإنجازاتي ومشاريعي.. اليوم وأنا أقرأ خبر فوز الكاتبة الفرنسيّة آني أرنو..أدهشني أن تكون فقط أستاذة في اللغة الفرنسيّة، تدرّس اللغة في أحد المعاهد في فرنسا..
هي ليست دكتورة ولا عالمة و لا خبيرة لغة..هي كاتبة سيرة ذاتيّة خاصّة، كلّ كتبها تتحدث عنها هي في مراحل مختلفة من عمرها..أليس هذا جنونا؟؟؟

الكتابة الصّادقة هي التّي تفوز..يكفي أن تكون صادقا كي تتبعك كلّ دالات العالم.. يكفي أن تؤمن بنفسك وأن تجعل من روحك وهجا جبّارا يقيك الموت.

/ منيا فرجاني / تونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.