” فذلكة ” ( ق ق ج ) للقاصّة سوزان إسماعيل / سورية

 

مع (ق ق ج ) للقاصة سوزان إسماعيل من سورية.

” فذلكـة “

ـ صباح الورد يا أجمل شيء في حياتي.
ـ لا أصدقك
ـ أقسم بعينيك النّاعستين
ـ قلبي ليس حمل هذا، كيف ومتى؟
لا أتلمس خطاك من حولي.. لا أشعر بظلك يحيطني…
ـ أما أنتِ.. ظلّك يرافقني وأشعر بأنفاسك حولي.. أنتِ أقرب ما يكون..
ـ وهل المحب يبقى بعيداً يُراقب؟!
أخذَت باقة الورد ومضَت.

*** *** *** ***

 

الأستاذة سوزان إسماعيل، تكتبُ بإبداع، و ذكاء، فتخاطبُ الإحْساس، وتثيرُ العقل، بكلمات بسيطة ، و تراكيب عادية ، فلا تنشغل بحوشي الكلام، ولا بغريب اللّفظ ، و لا بالأسلبة الحرفية، وغموض النّسق اللّغوي…ولكن المُتلقي يشعر برقة التّعبير و صدقه ، و همس الأداء، و رواء المعنى. ففي كلّ ما قرأت لها كانت تشدني لطافة الإحْساس، وسحرُ البَساطة، و أناقة الفكرة…

لنتأمل نص :” فذلكة ” .
لا شك أنّ الكثير ممن يقرؤه، سيجده بسيطاً، و ربّما سيقول و قد انتهى من قراءته : ( و ماذا بعد ؟! هذه أمور تشرق عليها الشّمس كلّ صباح و تغرب على ما يُشاكلها؟!)
حقّاً، ليس في الأمر جديد، و ليس منْ دَورِ الفن أن يأتي بالجَديد من الأفكار، و إنّما يُبلورها في نسقٍ غير مَألوف، أو متداول، أو رائج…لكي نعيدَ النّظر فيما حسبناه مَعلوماً، و مَفهوماً، و انتهى حولهُ الجدل. القاص ليس مُفكراً خاصّاً، و إن كانَ بعض المُبدعين من لهم ميول فكرولوجية.و تعدّدية ثقافية (multiculturalisme)
و لكن القاصّ فنّان: يرى، و يحسّ، و يعبّر كتابةً… إنّما الجديد في الأمر، رؤيته الفنّية للأشياء. تلك الرّؤية التي لا نملكها جميعاً ، لذا ننبهر،فنقف مُعجبين، مُتأمّلين، مُتسائلين…

عودة إلى النص:
العنوان: فَذلكةٌ ، و الفذلكة، اسم مَنحوت من ( فذلكَ كذا و كذا …) بمعنى لخّصه، و أجمله .
فالنّص من خلال عنوانه، يُشعر المتلقي بخلاصة ما…
فما أن نبدأ في قراءة الحوار ، حتّى نستشفّ أنّ الأمر يتعلق بعلاقة عاطفية: هو يحبّها و يرى فيها كلّ حياته (ـ صباح الورد يا أجمل شيء في حياتي) ، هي تفاجأ بالحب و تنكر . (ـ لا أصدّقك ). يضطرّ أن يقسم لها بأنّه يُحبّها ،( ـ أقسم بعينيك النّاعستين ) و تعرب عن دهشتها و مفاجأتها كيف يحدث هذا و لا تشعر به : (ـ قلبي ليس حمل هذا، كيف ومتى؟ لا أتلمس خطاك من حولي.. لا أشعر بظلك يُحيطني ) . و على عكس إحساسها يبدي إحساساً رهيفاً رومنسياً . (ـ أما أنتِ.. ظلّك يُرافقني وأشعرُ بأنفاسكِ حولي.. أنتِ أقرب ما يكون ) و يأتي منها نبض التّساؤل، والتّعجب الذي يَستبطن ما يَستبطن:(ـ وهل المُحب يبقى بعيداً يراقب؟! و يتدخل السّارد و قد حسم في مجريات العَلاقة، و ذلكَ بتحقيق الهدف الوجداني L’ambivalence : (أخذَتْ باقة الورد ومضَتْ.)

ملاحظات :

1ــ نلاحظ أنّ النّص جاء حِوارياً، و لم نجد من السّرد إلا الخرجة/القفلة. و هذا أمر قليل في الق الق جداً . قد يكون هناك حوار مقتضب جداً من قبيل [ قال ــ و ردّ عليه] بمعنى سؤال واحد، و جواب واحد، ولا يوظّف الحوار إلاعند الضّرورة.فمعظم النّصوص في هذا الجنس تحفل بالسّرد القصير المركّز. و لكن أن يأتي نصٌّ يُهيمن عليه الحوار فذاك أمر قليل. و لا أرى في ذلك هينة أوعيباً، مادام حواراً مُهذّباً، وظيفياً حافظ على حجم النّص، و نسقيته.

2ــ هل حقاً خبر العلاقة فاجأ البَطلة؟ أم هو مجرد كلام أنثوي من قبيل ما هو في الأفلام : ( في الحقيقة فاجأتني) إنّ علم النّفس، يثبت أنّ ذكاء المرأة في مثل هذه الأمور، ذكاء حاد. و لها قراءة خاصّة للنّظرات، و الحَركات، و لا تفوتها أمور تخصّها من قريب أو من بعيد دون أنْ تؤوّلها و تحاول فهمها، و إلى جانب ذلك، لها قدرة على التّكتم و التّمظهر بالغباء، و لها مآرب في ذلك أهمّها تغذية غرور الآخر. لهذا جاء الإنكار بغية التّأكيد (ـ لا أصَدّقكَ .).

3ــ الألفاظ و التّعابيرالوظيفية: ما دام النّصُّ عاطفي المنحى ، استوجب ذلك ألفاظاً، و تعابير دالّة : [ـ صباح الورد يا أجمل شيء في حياتي . ـ أقسم بعينيك الناعستين. خطاك من حولي . ظلكَ يُحيطني . ظلّكِ يُرافقني وأشعر بأنفاسكِ حولي.. أنتِ أقرب ما يكون…]

4 ــ سؤال النّص: كلّ النّصوص تطرح أسئلة، أحياناً تكون مباشرة على لسان شخصية كما هو الشّأن في هذا النّص : (ـ وهل المحبُّ يبقى بعيداً يُراقب؟! ) و أحياناً كثيرة يتضمّنُ السّياق السّؤال، فيشعر المتلقي أنّ فحوى ما قرأ يتبلور في ذهنه سؤالا يُجلجل كالجرس. فيدعوه للتّأمّل ، و التّأويل، و طرح مزيد من الأسئلة…
و السّؤال هنا، ليس بَريئاً. و ليس منوطاً بجواب و ينتهي الأمر. فهو يتضمّن:
ــ عتاباً رومنسياً:”ما دمت أحببت و تعلقت هكذا…ما منعك ألا تقترب، و تبوح بسرك و لواعجك ؟”
ــ كما أنه يتضمّن تعجباً من عاشقٍ وَلهٍ لهذا الحَد، و يبقى يعاني بعيداً.
ــ كما يتضمّن انكاراً لتصرف يبدو غريباً.
ــ و فوق هذا يتضمّن السّؤال الأمر الأهم ، و هو الإغراء الأنثوي ، و التّبادل العاطفي الذي تكتمُ جزأه البَطلة. و لكنّ السُّؤال يشي بالكتمان، و يفضح التّلاعب اللّفظي الاختفائي، فنحسُّ أنَّ البطلة كانت على علم بعواطف البَطل. و لكن كانت تنتظر فرصة كهذه تأتي منه، و كأنّها تستجيبُ احتراماً للقاعدة الاجتماعية، أنَّ الرّجل هو الذي يطلب، حتّى و إن كانت رغبة المرأة هي نفسها رغبة الرّجل. و يؤكّد هذا الاستجابة المُطلقة، و الرّضى بما انتهى إليه الحوار، و تقبل الهدية كدليل على التّوافق و الانسِجام العاطفي : (أخذَت باقة الورد ومضَت.)
5 ــ سيميائية العنوان إذا عدنا إلى العنوان ” فذلكة ” بمعنى خلاصة. فالنّص يلخص حقاً قصة العلاقة العاطفية عندنا: نرى العلاقة فنحسبها من طرف واحد / الرّجل. و سرعان ما يتبينُ أنّها علاقة مشتركة بين رجل و امرأة . لكن الأجْرأ في التّقديم و الطّلب، يبقى دائماً الرّجل بحكم العادات و التّقاليد، و إن كان الشّعورُ واحدا ، و الرّغبة واحدة.و من هنا تتوزع الأسْئلة و تختلف .
ــ إلى متى يبقى الرّجل أجرأ من المرأة في الأمور العاطفية ؟
ــ هل حقاً في طلب الرّجل صيانة لكرامة المَرأة ؟
ــ أليس في هذا إغماط لمشاعر المرأة في الحرّية و التّعبير؟
ــ هل هي إهانة أن تعْربَ المرأة عن مشاعرها لإنسان ستعيش معه العمرَ كلّه ؟
ــ لماذا الحديث عن حرّية المرأة ، و حين يتعلّق الأمر بعواطفها تنتصر التّقاليد والأعراف؟
ــ هل حقاً أنّ المرأة تشعر بالمَهانة إذا أعربت لرجل عن إعجابها و حبّها؟
ــ وما الفرق بين أن تعربَ عن حبّها لرجلٍ وبين أن يقول لها: أحبُّك وتقول له: نفسَ الشّعور؟
ــ …………………..؟

إذا أثار النّص فقط هذه الأسئلة الشّائكة المَسكوت عنها اجتماعياً، فهو نصٌّ ناجح ..بدون غموض مقصود، أو غير مقصود، و بدون حتّى من بعض ما نحسبه ضرورياً كالتّكثيف اللّغوي، و توظيف الرّمز بمختلف أنواعه … فهنيئاً للقاصة سوزان إسماعيل التي تكتب بمشرط حادٍّ جداً ، قصصاً قصيرة جداً .

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏شخص أو أكثر‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏د. سوزان اسماعيل‏‏، و‏‏يبتسم‏، و‏‏لقطة قريبة‏‏‏‏

 د سوزان إسماعيل قاصة من سورية

مهتمة بعلوم البرمجة اللّغوية العصبية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.