التصنع: الشعر عند أدونيس مثل الفاكهة البلاستيكية، جديدة هجينة أحجام كبيرة نضارة اصطناعية ليست في موسمها، فمن خصائص بل من شروط الشعر الإلهام، في شعر أدونيس لا يوجد إلهام بل عمل دؤوب على فكرة مصرة على أن تفلت منه وهو يطاردها ويرتب ما تبقى له منها، بعد هذه العملية الشاقة من التفكيك والتركيب فلا يبقى منها سوى جسدها، بعد أن فارقتها الحياة. الإلهام حجر الزاوية في القصيدة والقارئ يشعر بأن القصيدة هي مجرد لحظة شاردة يلتقطها الكاتب عندما يدونها على الورق وغالبا ما ينشرها، كما هي، كما جاءت إليه من دون أن يضيف عليها أو يحذف منها إلا ما قل. إنها حالة تفرض نفسها على الكاتب. أما أدونيس فهو من يفرض نفسه على القصيدة ضيفا يطيل المكوث. يضيف وينقص مثل الرسم بأدوات هندسية بدلا من أن يستسلم لعنان الريشة وعلبة الألوان. يفكر بالسنتمتر ولا يفكر بالفضاءات. الكلمات عنده مقدار ومكيال وزن وتشكيل من دون عنصر من أهم عناصر الإبداع وهو الدهشة، أو القشعريرة التي تنتابها عندنا نقرأ كلاما صادقا. هذه الرعشة التي كل كتاب العالم يفتتحون كتبهم بالتساؤل عن أهمية الفن فلا يجدون من مثال أوضح من هذه الرعشة التي يسببها للإنسان سماع كلمة جديدة وما تحدثه في النفس من ثورة أو رضا. أما الكلمات عند أدونيس فهي مرتبة رغم عدم الترابط في ما بينها، ولا يعني عدم الترابط هذا الفخ الذي يقع فيه من يريد أن يدافع عن عمل لا يفهمه فقط، خشية أن يتهم بأنه لا يفهم الشعر، إن بعد النظر عند الشاعر قاده إلى مسالك لا يستطيع أن يكتشفها أحد سواه. للأسف خلق الغربة في الوطن، وجعل العشاق يشعرون بالفتور وأفقد الخيال سعته وجرّد الشعر من أفقه. يهتم بالصرف والنحو أكثر من اهتمامه بنبض الكلمات على السطور. عمل على التفريق بين الكلمات وإضاعة المعنى في قلب الشاعر وإصابة المشاعر بالأنيميا. وإذا كانت هناك ذروة يريد أن يصل إليها فإن ذلك على حساب البناء الدرامي في القصيدة. أي كأنه يعتقد أن القصيدة تحتمل المماطلة والأبيات الشعرية الهشة مقابل ختم القصيدة بفكرة كان من الأفضل أن ينشرها لوحدها تحت اسم خواطر. فلا هو سيد الكلمة، ولا هو سيد الموقف، ولا هو سيد الفكر، ولا هو سيد العاطفة، ولا هو سيد اللحظة. إذن من هو؟ إنه عازف على أوتار مقطوعة. إنه العطار الذي يركب العطر وينسى أن يضع فيه خلاصة الزهر.
إذن هل المقصود من وراء هذا الكلام أن أدونيس ليس شاعرا؟
كلا على الإطلاق إنه من الشعراء القلة الذين ظلموا أنفسهم لأنهم سعوا إلى شهرتهم عن طريق العالمية بدلا من تحقيق ذلك من خلال ما كتبوا. ولأنه يكتب جملة واحدة عظيمة مقابل عشرات الصفحات التي تسيء لشعره. بهذا الميزان الذي أريد أن أقيم شعر أدونيس أقف في حيرة بين الجيد والرديء في إنتاجه.
2- عنصر الأنا: عندما يكون موضوع الشاعر دائما هو. هو مركز هذا الكون، الكون من خلاله. هذه النقطة لا هي مع ولا ضد، المهم طريقة عرض هذه المشاعر ومدى حداثتها وملامستها لشغاف القلب أن تدفع القارئ إلى تدوينها على دفتر مستقل على طرف صفحة ككلمة يريد أن يتذكرها كلما اشتاق لها. لأنها عبارة تنافس الكلمات الأخرى وتتفوق عليها بجزالتها.
3- الاستمرارية: بغض النظر عن جودة أو عدم جودة مضمون القصيدة عند أدونيس إلا أنه استمر في المعنويات نفسها لدرجة أن القارئ لا يعرف القصيدة التي يقرأها لأدونيس، في ما إذا كتبها عندما كان شابا أو مسنا، كل القصائد بالروح المرتفعة نفسها حتى لو كانت غير راضية عن محيطها أو حالها، فيها رفعة شأن، ومن جهة أخرى تفتقر إلى العواطف الملتهبة ولغة الاحتجاج حتى لو كانت متمردة، ورغم أنها تتمتع بالروح المرتفعة نفسها لكنه لم يكتب في بداياته بلهجة الشاب المندفع حتى لو كان على خطأ.
4- عدم المتاجرة بالأحزان: ما من شاعر أراد أن يخوض غمار الشهرة إلا وبالغ في حجم معاناته، وما من إنسان إلا ومرّ بتجربة مؤلمة في حياته، هناك كتابة تستغل فرصة الظرف وتكتب عنه بإطناب ولا ينقصها سوى الطبل والمزمار مع تكبير صدى الأحداث إن لم نقل افتعالها، هناك كتاب كتبوا عن أحزان لم يمروا بها. لم يقع أدونيس في هذا المطب. لم يغرق في البكاء على الأطلال ولم تتغلب عليه مصيبة، شعره إبحار مع التيار وإلى حيث يقوده هذا التيار مع رغبة في الاكتشاف والاستبطان، رغم فتور المشاعر، كثيرا ما ذكر الحب بطريقة تجعل القارئ يشعر بأن الحب ضل مكانه في القصيدة وأنه في بيئة ليست بيئته. ربما السبب أن أدونيس لا يصلح أن يكون راويا حتى يسرد قصص الحب، فلا كلامه قريب من القلب ولا العشاق يجدون أناشيدهم في شعره ولا القارئ يفهم ما يريد.